الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات .. 12 .. كشكول قَدْ يُفِيدُ العقول .. 5 .. 2 ..

هيام محمود

2018 / 2 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لكن عن أيّ "كلمة تنويرية" نتكلم ؟ .. هل سألتم هذا السؤال ووقفتم وقفة صدقٍ أمامه ؟ وما معنى "تنوير" أصلا ؟

أريدُ أن أُذكِّر أن كلامي عن الغرب مُوجَّه إلى المفتونين به وإلا فرأيي الشخصي أنّ تجربته لا تلزمنا أصلا اليوم فالحقّ بَيِّنٌ ولا حاجة لمزايا أحد كائنا من يكون , وقد قلتُ سابقا أن البداوة ستظلّ حاكمة لنا إلى الأبد لأننا لن نستقل أبدا عن إستعمار الثقافة المحلية "العربية الإسلامية" والغربية "اليهو - مسيحية" ما بقينا نتشدّق بهذا الغرب .

عن التجربة الغربية التي يسمونها بـ "الأنوار" و "التنوير" و "الإصلاح" سأقول أنّ القصّة كانتْ "قومية - وطنية" لا أكثر ولا أقل : شعوب أوروبية مُحتلّة من المستعمِر الروماني حَصلتْ على حريتها وأسّستْ دولها المُستقِلة , هذا هو الأصل وإن ظنّ وزعم العالم أجمع اليوم العكس أو حاول تهميش الجانب القومي الذي كان المحرك الرئيسي , الغريب هنا أنه حتى بعض الملحدين عندنا تبنّوا "الرواية المثالية / الدينية" التي تزعم أن لوثر كان "مُصلحا" ثار على الممارسات الخطأ التي مارستها الكاثوليكية والأغرب من ذلك اعتباره من "رواد التنوير" ووضعه مع الرواد الحقيقيين ككانط وفولتير وروسو , في حين أنّ الحقيقة تقول أنّ الدّين كان الواجهة أو القناع الذي يُخفي حقيقة الصّراع والذي كان "قوميّا تحرّريا" 100 % , نفس هؤلاء الملحدين يرفضون القول أنّ محمد بن عبد الوهاب كان "مُصلحا" – كما يسميه أتباعه - مع أن الذي فعله الأخير ومارتن لوثر ( واحد ) : ثورة ضدّ المُستعمِر وَقُودُها الدّين , وأهم الفروق بين الإثنين كان بسبب ما سمّيتُه "الدين العروبي" أي العروبة , ففي أوروبا إستقلَّتْ القوميات عن الإستعمار الروماني أما عندنا فخرجتْ شعوبنا من إستعمار البدو العثمانيين إلى إستعمار البدو العرب ولم تتفطّنْ لذلك قطّ لأن العروبة عند هذه الشعوب "هويّة" لا يتساءل عن حقيقتها أحد , ولذلك يكون أتعسُ شعبٍ على الإطلاق مِنْ بين كل شعوبنا هو الشعب الفلسطيني الذي يَظنُّ إلى اليوم أنه سيتحرَّر من إستعمار وهو مُتَبنٍّ لهوية مستعمر آخر أقدم وأخطر دون أن يدري ..

التساؤل يبقى لماذا يذكر الجميع جرائم ابن عبد الوهاب ولا يُتَكَلَّمُ عن جرائم لوثر "المصلح" المزعوم والإبادات الجماعية التي قام بها في حق أبناء بلده الكاثوليك واليهود ؟ [ عن اليهود كمثال : كثير من المسيحيين ينسبون هتلر للإلحاد في حين أنّ عقيدة الرايخ الثالث في معاداة اليهود كان من أهمّ المُنظِّرين لها "المصلح" لوثر حيث دعا في كتابه "من اليهود وأكاذيبهم" ( Von den Juden und ihren Lügen ) سنة 1543 إلى حرق معابدهم وهدم منازلهم وإتلاف كتبهم وإجبارهم على العمل في الأرض أو تهجيرهم من ألمانيا أو قتلهم , إضافة إلى مصادرة أموال أحبارهم وقتلهم . العداء الشديد لليهود كان ثقافة متوارثة أَصَّل لها "المصلح" لوثر حتّى مجيء هتلر "المسكين" الذي لم يأتِ بشيء من كيسه , فاليهود عند لوثر هم ( "الـ" شيطان ) وعنده هم ( هوام قذرة ) يجبُ إبادتها .. "المصلح" هتلر أخذ عن "المصلح" لوثر كما ترون !! وبالمناسبة لوثر أيضا لم يأتِ بشيء من كيسه فكلّ ما قاله وكتبه وفعله مُدَوَّنٌ في كلمة "الرب" التي علّمتْ "محبّة" الآخر مهما كانتْ عقيدته كما يقول لنا المسيحيون اليوم والذين "يُحبّوننا" و "يُحبّون" المسلمين واليهود وكل أتباع الأديان الأخرى و "حبّهم" هذا تعلّموه من كلمة "الرب" التي فهموها أكثر من لوثر ! ]

هل يُعقل أن من يدّعي الإلحاد "يُعظّم" دجال دين سفاح عنصري كلوثر هذا ويضعه مع "التنويريين" ؟ ما الفرق بين لوثر هذا وحروبه وبين كل الصراعات الدينية التي شهدتها كل الأديان ؟ الثائر يريد السلطة ويركب جواد الدين مُدّعيا أنّ الذي قبله لا يُمثِّل "الدين الحقيقي" وعندما ينقضّ على الحكم يُنكِّل بكل من يُخالفه ولا يهتم في ذلك إلا لمصلحة دينه والعصابة اللصوصية الإنتهازية التي معه , وهو ما فعله لوثر في شعبه وفعلَتْه بروتستانتيّته المُجرمة الإرهابية من بعده في شعوب أوروبا وأمريكا وأستراليا وأفريقيا والتي وهب "الرب" أراضيها لأتباعه للإمتلاك وشعوبها للذبح والإستعباد !

أردتُ أن أقول يا سيدات ويا سادة أنه لا فضل للدين وأهله والتنوير الحقيقي جاء على أيدي أصحاب الفضل الحقيقي الفلاسفة والعلماء الملحدين واللادينيين الذين نادوا بالحرية والكرامة للشعوب وبالمساواة بين البشر وبالمواطنة وبتحرير العقل من سلطة دين روما ودين لوثر من بعدها , أما لوثر وغيره فلا فضل له ولدينه إلا فيما يخص "الإستقلال الديني" عن المستعمِر الخارجي الكاثوليكي , والتاريخ قال أنّ البروتستانتية – التي أصبحتْ المستعمِر البغيض الداخلي - واصلتْ ما بدأته الكاثوليكية من تجهيل وقمع وإرهاب ولم يتحرّر الأوروبيون التّحرّر الكامل إلا بعد ركلها بالنعال وإخراجها بالقوة من الحياة السياسية والاجتماعية لشعوبهم وتخليص العلوم والفلسفة من سلطتها وجهلها وإرساء المبادئ والقوانين العلمانية والديمقراطية بدل عنصريتها وعبوديتها .. بمعنى يا سيدات ويا سادة لا تنسوا أنّ البروتستانتية فاقتْ في تعصّبها وإرهابها الكاثوليك أنفسهم و "فكونا" رجاء من خرافة "لوثر المصلح العظيم" فهذا بصل وذاك ثوم .. هذا كاثوليكي وهذا بروتستانتي وذاك أورثودوكسي .. هذا عباسي وهذا أموي وذاك عثماني , هذا سني وهذا شيعي وذاك "خارجي" .. هذا سمّ قاتل وهذا سمّ قاتل وذاك أيضا سمّ قاتل !

سأعيد هنا أيضا ما قلته مرارا وتكرارا أن "القصة" لا تتطلب علوما ومعارف عظيمة بل "ذرة" منطق لا غير : روما تستعمِر أوروبا بالحديد والنار .. الحديد هو الكاثوليكية والنار هي اللغة اللاتينية ونفس الحدوتة التي لا تزال عندنا إلى اليوم – الإسلام السني واللغة العربية - إستعملها الرومان مع الشعوب المحتلّة : الحكم بإسم الدين وبلغته ( حصرا ) , لا دين غير الكاثوليكية ولا كتابة ولا صلاة ولا طقوس إلا باللاتينية والنتيجة سحق الهويات وإذابتها في هوية المستعمِر ( الرومنة ) ودينه ولغته . طريق التحرّر كان وبكل بساطة ضرب أسس الإستعمار أيْ : دين جديد ينسف دينه ( البروتستانتية ) ويعني ذلك "الإستقلال الديني" ولغة جديدة تنسف لغته ( الألمانية وبقيّة اللغات الأوروبية ) ويعني ذلك "الإستقلال اللغوي" و "الهوياتي" وقد لخّص مارتن لوثر كل هذا بترجمة الكتاب الحربي للمستعمِر الروماني من اللاتينية إلى اللغة الألمانية : اللغة القومية التي صارت لغة الصلاة والطقوس والأهم من هذا كله صارتْ اللغة القومية التي يتكلمها ويكتب بها شعب رفض هوية المستعمر ولم يتنازل عن هويّته - التي منها إنطلق وأشعل ثورته الوطنية التحررية "الحقيقية" - , أسّس دينه الجديد ودولته الحرة , هنا ( حصرا ) يكمن "فضل" لوثر أي في الإستقلال عن المستعمر الخارجي لكنه بعد ذلك صار هو "المشكل" و "المستعمر" الذي إستقل عنه الأوروبيون بفضل التنويريين الحقيقيين الذين لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد بربه الخرافي ودينه الهمجي المتخلف .. تعمدت التكرار "الممل" لتصل فكرتي وهو هدفي , الفكرة تصل واضحة وبعد ذلك تقبل أو لا ذلك يكون شأن القارئ .. سأكرر مرة أخرى , يعجز عقلي حقيقة على تصور أن ملحدا يمكن أن يقول عن لوثر هذا أنه "مصلح" وأسأل ما الفرق بينه وبين محمد بن عبد الوهاب وبين موسى ويسوع ومحمد وهتلر وموسوليني وستالين والبكباشي والسادات وصدام والقدافي والأسد وترامب وبوتين وعباس ومشعل وغيرهم من المجرمين الذين مكانهم الوحيد هو المزبلة ولا حاجة لنا حتى لذكر أسمائهم .

[ القادم من باب "المقارنة" فقط وليس من باب الـ "حاجة إلى" , وكلُّ من شَخَّص المرض التشخيص الصحيح سيعلم طريق الدواء .. إذا مرض أحدهم بنفس مرضي قبلي فهذا لا يعني أني أخذتُ منه الدواء الذي "أجهله" لأني أعرف جيدا المرض الذي عندي وأعرف أيضا دواءه ..

هذه نقطة مهمّة تكلمتُ عنها سابقا وهدفها إعطاء الفضل ( حصرا ) لمن يستحقّه وليس لكل من هبّ ودبّ بزعم أنه قال بالأمس ما قلتُه أنا اليوم , لن أُعْطِ أي فضل لمن قال أن الإله خرافة قبلي لأني أستطيع الوصول إلى ذلك بمفردي وسأُعطي الفضل لمن اِكتشف دواء أو نظرية علمية أو صنع طائرة أو قطارا .. وكل شيء يتعلّق بالأديان ليس "علوما" عظيمة ليُقَدَّسَ القدماء الذين اكتشفوا حقيقتها ..

( القطع جملة وتفصيلا مع البدو وأديانهم المتخلفة وثقافاتهم المنحطة ) يتطلّب الكثير وإن استوجبَ ذلك "التعدّي" على "قامات" الماضي , تاريخ البشرية برمّته لا نستحق منه اليوم إلا القليل وليس كما يُدَّعَى , العالم البائس الذي يُحيط بنا يُريدنا عبيدا للماضي ليتحكّم في مستقبلنا فلننسف له هذا الماضي لنستطيع التحرّر بالكلية من كل الأديان والأيديولوجيات والتواريخ كلها عن بكرة أبيها ..

كلامي هذا أقولُه ليُفهم القادم , لأنه - القادم - "طرح قومي" يَفرضه واقع الإسلام وعروبته اليوم أي : "طرحٌ مرحليٌّ" لا غير وإلا ففكري لا علاقة له بأوثان الماضي مهما كانت قيمتها , تماما كحضوري بينكم وكلامي عن الأديان والذي أراه مضيعةَ لوقتي ووقت كلّ كاتبة / كاتب تكتب / يكتب حرفا في ترهات الأديان . لا إضافة حصلتْ لي منذ اللحظة التي عرفتُ فيها أصل الخرافة : منذ ذلك التاريخ , كل لحظة أمضيتُها في قراءة أو كتابة ليستْ إلا مضيعةَ وقتٍ , وكل شيء جديد عرفتُه لا قيمة له وكنتُ أستطيع مواصلة الحياة دون معرفته ولن يُعَدَّ ذلك "نقصا" أو "جهلا" لأنّ الأديان وكل ما يتعلّق بها لا يمكن أن تُعدَّ "معارفا" أو "علوما" على ضوئها يُقال عن هذا أنه "عالم" وعن ذاك أنه "جاهل" . أنتَ يا من لم تقرأ "ألف ليلة وليلة" هل تَوقَّفَتْ حياتكَ أو جهلتَ كيف تحياها ؟ وما الفرق بين "ألف ليلة وليلة" وكل هذه الأديان وتواريخها وعقائدها ؟

من المفروض أن هذه الأديان تُلقى في المتاحف وتُترك فقط لمن أراد زيارتها وليس كما عند البشر اليوم , حيث يُعتقد بها وتحكمهم وتُدمِّر حياتهم وحياة غيرهم بل وكل عالمهم . كلامي وكلامكم عن الأديان يا سيدات ويا سادة "عبث" حكم علينا به هذا العالم المعتوه وبشره وهو للـ "ضرورة" ولا يمكن أن يُرى أنه "معارف" أو "فكر" أو "نزهات فكرية" كما هو شأن المقالات الفلسفية مثلا وتلك النقاشات العقيمة عن وجود ذلك الفلان أو عن عدم وجوده , كله وقت ضائع من أعمارنا كنا نستطيع استثماره في حياة أجمل وأرقى لأنفسنا ولشعوبنا , لكننا مجبورون على السباحة في تلك المستنقعات العفنة : ترهات ومضيعة وقت وليستْ فكرا أو معارف , مستنقعات وليستْ "جاكوزي" يا سيدات ويا سادة ! تماما كالقادم من كلامي والذي قَدّمتُ له لكي لا أدع أي مجال ليفهم أحدٌ أني من "عبّاد الأوثان" , فأن أُنسبَ إلى أي "قبيلة" أعتبر ذلك "مسبّة" لي فلا يُوجد أي "قبيلة" تستطيع أن تُمثِّلني .. وأرجو من كل القراء وخصوصا الملحدين أن يفهموا جيدا أنّ هدفي ليس "اِستفزازهم" أو "التعدّي عليهم" لأنّ الذي قلته هو ببساطة : "أنا" , أنا هكذا وهكذا أرى , ولستُ "بدعة" بالمناسبة فالكثيرات والكثيرون يرون رأيي ..

سأضيف هنا أنه حتى الإنتماء الوطني الذي أُعلنُه في "كل" كتاباتي والذي لا يَعْلُ عليه شيء عندي كان أيضا للـ "ضرورة" فالمفروض عندي أنّ العالم كلّه وطني والبشر كلّهم أحبّتي وإخوتي لكن هذا غير موجود ولن يوجد ! ولذلك أقول في تقديمي لنفسي على صفحة موقعي الفرعي (( أنا ( كلمة ) : هكذا أطلبُ أن أُرى من الجميع هنا , أرفض أيّ إنتماء لأيّ أيديولوجيا .. الأيديولوجيا بداوة وسحقٌ للـ ( فرد ) , هدفي مجد ( الفرد ) ووجودي ثورة على ( القبيلة ) , تقريبا تجاوزتُ كل البداوات إلا واحدة : الوطن ! )) .. اعذروني إذا رأيتم أني خرجتُ عن الموضوع وكلامي "حشو" و "مضيعة وقت" فكله مضيعة وقت , وسنُمضي أعمارنا كذلك , والسبب هؤلاء الذين يريدون أن يُضيعوا أعمارهم وأعمارنا ويُدَمِّروا أوطاننا بخرافاتهم التي يَدَّعون أنها الحياة والخلاص لنا من كلّ مشاكلنا التي هم وخرافاتهم أصلها ! ]

تعالوا إذن , يا من ترون أن بلداننا وإسلامها – من المفروض – أن تسلك طريق الغرب , لننظر لها معا ولنُطبِّق عليها ما حدث في هذا الغرب :

...

[ المقال طويل .. رأيت نشره على أجزاء ]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س