الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاقة تجارة الرقيق بظهور الرأسمالية في أوروبا

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2018 / 2 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


تعددت التفسيرات لظهور النظام الرأسمالي في أوروبا دون غيرها من مناطق العالم، ومنها العالم الإسلامي الذي فشل في تحويل رأسماليته التجارية إلى رأسمالية صناعية لأسباب ذاتية ومزوضوعية سنتطرق إليها في مقالات قادمة، لكن غفل الكثير عن علاقة عامل الإجرام في حق الإنسان في ظهور الرأسمالية الأوروبية مثل تجارة الرقيق، كما كان لهذا الإجرام علاقة في إستمراراية النظام الرأسمالي العالمي، ويأتي على رأسها الإستعمار الأوروبي كأداة لإنقاذ الرأسمالية نفسها من أخطار ثورات إجتماعية كانت بصدد الإشتعال ضد هذا النظام الظالم والمجحف في القرن19،و قد تطرقنا إلى ذلك في مقالات سابقة، فمما تتمثل هذه العلاقة بين تجارة الرقيق بالبوادر الأولى لظهور الرأسمالية في أوروبا؟.
تميز عالم العصور الوسطى بسيطرة المسلمين على التجارة العالمية من خلال سيطرتهم على طرق المواصلات بالإضافة إلى غناهم بالذهب، فقد كان التجار المسلمين ينقلون السلع من أفريقيا وآسيا إلى أوروبا عبر بحر قزوين وبرزخ السويس وشمال أفريقيا، مما كان يدر عليهم أرباحا هائلة، وهو ما أدى إلى إستنزاف الذهب في أوروبا، وهو ما جعل المؤرخ مارك بلوك يسمي فترة نفاذ الذهب في أوروبا ب"مشكلة الذهب في العصر الوسيط"، وذهب المؤرخ البلجيكي هنري بيرين أبعد من ذلك عندما قال أن سيطرة المسلمين على التجارة دفعت أوروبا إلى ما أسماه ب"الإقتصاد المغلق"، والذي كان سببا في ظهور الإقطاع في غرب أوروبا، هذا في الوقت الذي نمت فيه نوع من الرأسمالية التجارية في العالم الإسلامي، وكان بمقدورها أن تتحول إلى رأسمالية صناعية، لكن لم يتم ذلك لأسباب يمكن لنا تناولها في مقالة أخرى .
ولم تقف أوروبا مكتوفة الأيدي أمام هذا المأزق، بل تم إستغلال العاطفة الدينية المسيحية لدى الأوروبيين في تلك الفترة، وبدعوى تحرير بيت المقدس وقبر سيدنا المسيح عليه السلام من سيطرة المسلمين، شنت أوروبا حملاتها الصليبية، وكان الهدف الحقيقي لهذه الحملات هو السيطرة على طرق المواصلات التي يسيطر عليها المسلمون، وإن كانت هذه الهجمات الصليبية قد تلقت هزائم شنيعة في المشرق الإسلامي على يد صلاح الدين الأيوبي، فإنها حققت إنتصارات في بلاد المغرب الإسلامي، فطرد المسلمون من الأندلس، وسعى الإسبان إلى التوسع في المغرب الإسلامي، لولا الإستنجاد بالعثمانيين للوقوف في وجه هذا التوسع .
ورغم هذه الأوضاع الجديدة، فإن طرق المواصلات التجارية بقيت تحت سيطرة المسلمين الذين كانوا يفرضون على التجار الأوروبيين مكوسا تصل أرباحها في بعض الأحيان إلى 300%، هذا ما جعل الأوروبيون يفكرون في طرق بديلة للمواصلات، فتمكنوا من إكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح عام1486، مما أضر كثيرا بالتجارة الإسلامية، كما كان البحث على أقصر الطرق المؤدية إلى الهند والشرق الأقصى وراء ما عرف فيما بعد بالإكتشافات الجغرافية الكبرى، وكان الحظ وراء إكتشاف العالم الجديد أو القارة الأمريكية عام 1492 على يد كريستوف كولومبوس، الذي توفي وهو يعتقد أنه هبط على أرض الهند، ومن هنا جاء إسم الهنود الحمر الذي أطلق على السكان الأصليين للقارة الأمريكية .
ويعتبر إكتشاف العالم الجديد، بالإضافة إلى الإكتشافات الجغرافية الأخرى نقطة تحول هامة في التاريخ الإقتصادي العالمي، إن لم نقل أن عام 1492 هو نقطة البداية للنظام العالمي الرأسمالي الممتد إلى حد اليوم، لأن هذه الإكتشافات الجغرافية قد درت على أوروبا أموالا ضخمة من خلال التجارة في المحاصيل الإستوائية المرتفعة الأسعار كالعاج والريش والدخان والسكر والقطن والزيوت بالإضافة إلى التوابل الموجودة في الهند والشرق الأقصى، ويقول أحمد جامع " أن فاسكو دو غاما قد عاد إلى لشبونة عام 1499 ومعه حمولة من البضائع قيمتها أكثر من ستين ضعفا من تكاليف البعثة"، مثلما لعب الذهب والفضة المستخرجان من القارة الأمريكية دورا حاسما في تلبية إحتياجات أوروبا إلى العملة في إقتصاد مبني على النقد، كما كان الذهب الأفريقي مصدرا رئيسيا لسك العملة الذهبية الهولندية، فتحولت مدينة أمستردام إلى أكبر ممول مالي لأوروبا في بدايات القرن 16 الميلادي، وأطلق الأنجليز على عملة ذهبية تم سكها عام 1663 إسم "الغينيا"، لأنها تتشكل من ذهب جلب من ساحل غينيا، وبفعل هذا النهب للمعادن الثمينة، انتقل الرصيد الذهبي لأوروبا من مليار مارك ذهبي في عام 1500 إلى 4,10 مليار مارك ذهبي في عام 1800 حسب الإحصائيات التي وضعها الألماني أرنست كايملErnest Kaemmel .
ولم يكتف التجار الأوروبيون بالتجارة في المحاصيل الزراعية ونهب المعادن الثمينة من أفريقيا والعالم الجديد، بل انتقلوا إلى تجارة غريبة يندى لها جبين الإنسانية، وهي تجارة الرقيق، حيث يتم نقل الإنسان الأفريقي من أرضه وحقله وبيته بالقوة والعنف ووسائل جهنمية أخرى إلى القارة الأمريكية، ويباع هناك للمهاجرين الأوروبيين لكي يستخدم في إستخراج المعادن وإستصلاح الآراضي بعد ما رفض الهنود الحمر القيام بهذه الأعمال، فأبادوهم جسديا وحضاريا وثقافيا، ويقول لوفران أنه "في قرون ثلاثة قدمت أفريقيا عشرين مليونا من البشر إلى أمريكا"، أما جون هنريك كلايرك فيقدر عدد الذين نقلوا من أفريقيا إلى القارة الأمريكية ما بين 60 إلى 100 مليون إنسان، ويقول بأنه قد مات الكثير منهم في الطريق بسبب عدم قدرتهم على تحمل الممارسات الوحشية التي استخدمت معهم .
وقد درت تجارة الرقيق على التجار الأوروبيين أرباحا ضخمة جدا قدرها موريس دوب ب300% في الكثير من الأحيان، فعلى سبيل المثال لا الحصر حقق التاجر الأنجليزي جون هوبكنز في منتصف الستينيات من القرن16 أرباحا خيالية من خلال ثلاث رحلات باع خلالها عددا من العبيد لمهاجرين إسبان، مما جعل ملكة أنجلترا آنذاك إليزابيت الأولى تشاركه في رحلة أخرى، والتي عاد منها بأرباح هائلة، فمنحته الملكة لقب فارس، وكان شعار النبالة الذي منح له يتمثل في شكل أفريقي مقيد بالسلاسل، وهو ما يدل على أن التجارة بالإنسان الأفريقي آنذاك يعتبر بطولة يكافأ عنها الإنسان الأوروبي .
أما عن مدى تأثير تجارة الرقيق في تقدم أوروبا وظهور الرأسمالية، فإن الباحث إريك ويليامز- وهو من جزر الهند الغربية- يبين يشكل قاطع العلاقة بين تجارة الرقيق وظهور الرأسمالية في بريطانيا، ويورد بالأدلة أن بنك بركليز قد أسس بأموال تجارة الرقيق على يد دافيد وألكسندر باركلي عام 1756، كما أن المؤسس الأول لشركة التأمين العالمية اللويدز هو من تجار العبيد.
يتبين لنا من خلال كل ما سبق أن النهب وإستغلال عرق الإنسان وإستعماله مثل الحيوان، بالإضافة إلى إستخدام العنف والإبادة في وجه كل من يقف في طريق جلب الأموال والأرباح كان وراء ميلاد الرأسمالية في أوروبا، هذا ما جعل الإستغلال والنهب والعنف والعنصرية ضد الآخر غير الأوروبي هي من السمات الرئيسية للنظام الرأسمالي الغربي الذي بلغ من العمر اليوم أكثر من خمسة قرون .
إن هذه الظروف والسمات هي التي جعلت أحد الكتاب الأوروبيين، وهو دونينغ، يكتب في القرن التاسع عشر قائلا "أن الرأس المال يجيء إلى العالم ملوثا بالوحل من رأسه إلى أخمص قدميه، ويتفجر الدم من كافة مسامه"، ويضيف بأنه "كلما ارتفعت نسبة الربح مال الإنسان إلى أكبر الجرائم ف20% يثير الرغبة، و50% يولد الخسارة الإيجابية، و100% يجعل الإنسان يطأ القوانين الإنسانية، وفي حالة 300% لا يتورع هذا الإنسان عن أية جريمة أو مخاطرة حتى لو أدى الأمر إلى شنق صاحبه، فإذا كان الإضطراب والنزاع يأتيان بالربح، فإن الأخير يشجه عليهما، وقد أثبت التهريب وتجارة العبيد كل ما ذكر هنا".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير