الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا وسوهارتو والتعصب الديني.. منفذو مجازر أندونيسيا 1965/1966

السيد شبل

2018 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


في عام 1965 نفّذ الجنرال سوهارتو انقلابه المدعوم أمريكيًا بأندونيسيا، ونجح في تحييد الزعيم الوطني أحمد سوكارنو من رئاسة البلاد (سوكارنو: زعيم أندونيسيا من 1945 وقائدها للاستقلال عن هولندا، ومعروف بمقارعته للاستعمار، ورفيق عبد الناصر ونهرو، وأخذ حكمه طابعًا أكثر يسارية مع مطلع الستينات)، ثم تم عزله تمامًا في 1967.. خلال عامي 65/66 قام سوهارتو بمجزرة هائلة، بالاتفاق مع المخابرات الأمريكية، ضد أعضاء الحزب الشيوعي الأندونيسي الذي كان يُعتبر، بدرجة ما، من حلفاء سوكارنو وحزبه (الوطني الأندونيسي)، كما اتهم سوهارتو الشيوعيين بالمبادرة لتنفيذ انقلاب واسع، وهي المعروفة بحركة "30 سبتمبر"، وعلل انقلابه على أنه مجرّد محاولة لقطع الطريق عليهم.

عدد ضحايا المجزرة بحسب مصادر غربية يتراوح ما بين نصف إلى 3 ملايين!، وعدد القتلى الكبير يعود إلى: 1- عنف سوهارتو وأجهزته الأمنية والدعم الأمريكي الوفير، 2- انخراط عصابات "دينية" في عمليات القتل، بلا ضابط، وأن الموضوع أخذ أبعاد استهداف عرقي ببعض المناطق 3- أن الحزب الشيوعي كانت عضويته بالملايين، فالمخابرات الأمريكية، قدرت عدد أعضائه في هذا الوقت بـ 3,8 مليون مواطن، بخلاف الأنصار، واعتبر أكبر حزب شيوعي في العالم خارج الحكم. وهو حزب له طابع قومي، فهو جذري في خصومته للاستعمار، كما كان له موقف حاد ضد قيام ماليزيا في 1963 بالجوار وعلى أجزاء من جزيرة "بورنيو" نفسها: أكبر جزر أندونيسيا. حيث اعتبر أن قيام ماليزيا التي يحكمها نظام ملكي تابع للغرب، تهديد وتقسيم استعماري، وطالب الوحدة، وهي تُعتبر أمر منطقي لتداخل الحدود والترابط التاريخي، ولعدد سكان ماليزيا المحدود بالمقارنة بأندونيسيا (اليوم ماليزيا: 31 مليون، وأندونيسيا: 261 مليون).

بحسب وثائق نُشرت في التسعينات، فإن السلطات الأمريكية قدّمت دعمًا واسعًا لسوهارتو على المستويات السياسية والعسكريّة والتموينيّة، بل وصل الأمر إلى أن السفارة الأمريكية كانت تقدّم قوائم بالأسماء، فيقوم سوهارتو بتصفية أصحابها!. كما قدمت بريطانيا وأستراليا دعمًا مُضافًا.

هناك فصل آخر بهذه القصة، وهي الدعم الذي قدمته المخابرات الأمريكية وسوهارتو لجماعات دينية متعصّبة (إسلاموية سنية، وهندوسيّة)، للقيام بمهمات القتل نيابة عنهما!. وهذه الجماعات مثّلت أعمدة اتكأ عليها سوهارتو لتنفيذ المجازر بحق خصومه، بالإضافة إلى جيشه وأجهزته الأمنية.

ففي جزيرة جاوا، التي تعتبر أكبر جزر أندونيسيا من حيث عدد السكان وفيها العاصمة جاكرتا، حوّلت الجماعات المنسوبة لـ"السانتري" المسلمين (جماعات إسلامية سلفية) الحرب على الشيوعيين إلى حرب دينية تمامًا، خاصة أن أعضاء الحزب الشيوعي كانوا من "الأبنجان"، وهم مسلمون، أيضًا، لكن يمتازون بالتسامح والبساطة، والانفتاح على معتقدات وطقوس الغير تأثيرًا وتأثّرًا، لذا يُتهمون من جانب المتشددين بالتفريط في صحيح العقيدة والتوحيد. واعتبرت الجماعات السنيّة المتشددة "السانتري" قتل الشيوعيين قضاء على الإلحاد من جهة، وقضاء على أولئك الأبنجان الذين فرّطوا في صحيح العقيدة الإسلامية و"لوّثوها" بعقائد وطقوس الآخرين (مثل الهندوسية والممارسات الدينية المحلية)، من جهة ثانية.. لكن في الحقيقة هم لم يكونوا يفعلون أكثر من خدمة البيت الأبيض، حين فصلوا رؤوس "الأبنجان" وعلّقوها!. وانخرطت في هذه المهمة جماعات إسلامية مثل "الجماعة المحمدية"، و"نهضة العلماء".

التعصّب الديني المُوظّف من جانب سوهارتو وأمريكا، لم يكن حِكرًا على المسلمين، بل انخرط رجال الدين الهندوس في جزيرة بالي بالتحريض على أعضاء الحزب الشيوعي، لأن الأخيريين كانوا معارضين جذريين لنظام الطبقات الذي ارتبط بالهندوسيّة، والذي يقسّم الناس لأربعة درجات أعلاها "البراهمة"، وهم رجال الدين المرتبطين من قديم الزمن بالوافدين البيض من شرق أوروبا على الهند (منشأ الهندوسية)، حيث اعتُبر نظامًا عنصريًا ورجعيًا ويتناقض مع حرية الإنسان وحتى مع رحابة وزخم الفلسفات الهندوسيّة، وكان للحزب الشيوعي نفوذ في بالي، ويتولى أعضاؤه مناصب ووظائف هامة، فنشر دعوته تلك، ولمّا جاءت الفرصة لرجال الدين الهندوس للانتقام لم يتأخروا.

كما امتد العنف، في سياق آخر، لاستهداف جماعات أندونيسية لكن من أصول عرقية صينية، وقد أثارت حركات المقاتلين المنظمين من قبل "الحزب الشيوعي" وحملات ضد الشركات الأجنبية في مزارع سومطرة انتقاما سريعا ضدهم.

الحزب الشيوعي حاول المقاومة في عدد من المواقع، بالطبع، وكان له جولات في "بالي" على وجه التحديد، لكن يُلاحظ هنا، أن عدد من الحركات الصوفية التابعة، لـ مباح سورو Mubah suro، والذي خلطوا بين التصوف التقليدي وفلسلفاته وبين الأفكار الشيوعية الطامحة للعدالة الاجتماعية وزخمها المعرفي، قد بنت جيشا للمقاومة والدفاع، ولكن سورو وثمانين من أتباعه قتلوا على يد جيش سوهارتو. (أندونيسيا أكبر دولة إسلامية اليوم، وقد وصل إليها بداية من القرن التاسع الميلادي عبر تجار اليمن وعُمان، والصوفيّة، وتعزز مع الوقت من خلال الممالك التي تأسست).

بالنسبة للحكومات الغربية، اعتبرت عمليات القتل والتطهير انتصارا على الشيوعية في ذروة الحرب الباردة، وأعلن رجل النفط الأمريكي الجمهوري "هل هنت" أن إندونيسيا النقطة المشرقة الوحيدة للولايات المتحدة في الحرب الباردة، ودعا إلى إقصاء سوكارنو، واعتبره "أكبر انتصار للحرية منذ الحرب العالمية الثانية"!!، أما البي بي سي، فعالجت المجازر باعتبار أن "سوهارتو" بريئًا، وأن عمليات العنف داخلية وتعود إلى "طبيعة بدائية وعنيفة لدى الأندونيسيين الذين يسترخصون الحياة!"، أما "وارد فيدرسبيل" ضابط المخابرات بوزارة الخارجية فقال أنه "لا أحد مهتم، طالما كان من يتعرضون للقتل شيوعيين".

أما بالنسبة للاتحاد السوفيتي، فقد عبر عن إدانته، لكنه لم يصعّد في اتهاماته لسوهارتو ونظامه، على العكس من الحكومة الصينية التي صعّدت في إدانتها، ووصفت ما يجري بأنه "جرائم شنيعة وشيطانية ... لم يسبق لها مثيل فى التاريخ". أما كوريا الشمالية فعنّفت حكومة سوهارتو، ونفذت حملة هجوم ضده، واعتبرته "نظام فاشي عسكري" مدعوم من الإمبريالية الأمريكية.

نظرة أعمق نحو الدور الأمريكي التخريبي بأندونيسيا

للمخابرات الأمريكية سجل حافل بالتدخلات بأندونيسيا.. ففي عام 1955، بتوجيه من الرئيس داويت أيزنهاور، تم التخطيط لاغتيال الرئيس سوكارنو، وعلى مدى السنوات الثلاث التالية، حاولت "السي آي إيه" عقاب سوكارنو عبر تمويل خصومه السياسيين، وحصل اتفاق مصالح بينها وبين جماعات الإسلام السياسي التي كانت تعارض سوكارنو وتحاول اغتياله، وأبرزها جماعة دار الإسلام، وهي جماعة سلفية إسلاموية في أندونيسيا، طمحت للحكم والاستيلاء على أجزاء من البلاد، لتطبيق أجندتها الهادفة إلى "تحكيم الشريعة" و "إقامة دولة إسلامية" حسب فهمها، ونشأتها سبقت استقلال البلاد. وقد دخلت في صراع مسلح مع النظام المعروف بمواقفه المناهضة لواشنطن، ونجحت بالسيطرة على بعض المناطق، وكانت الحركة تضم 15 ألف مقاتل مسلح يعملون تحت راية "تينتارا اسلام اندونيسيا" (الجيش الاسلامى الاندونيسى). وفي 1957، حاول أتباع دار الإسلام دون جدوى اغتيال سوكارنو من خلال القاء قنابل يدوية عليه، وسط العاصمة جاكرتا.

في 25 سبتمبر 1957 قرر أيزنهاور التصعيد، فأصدر أمرًا إلى وكالة المخابرات المركزية للإطاحة بحكومة سوكارنو، ورغم أن المخابرات السوفيتية حينها اكتشفت الأمر وفضحته، إلا أن السيناريو استمر عبر وكلاء، ففي 1958 تم دعم حركات عسكرية متمردة انقلابية في جزيرتي سومطرة وسولاوسي، ومدّها بالأسلحة ودعمها إعلاميًا. فتم تأسيس قواعد العمليات في الفلبين، كما جرى اعداد شحنات من الاسلحة لتوزيعها على القوات المتمردة. كما قامت وكالة الاستخبارات المركزية بتمويل قوات المتمردين بمحطات إذاعية مناهضة لسوكارنو في إطار حرب نفسية. بل وتدخلت طائرات تابعة للمخابرات لقصف مواقع أندونيسية، بالختام. لكن هذه المحاولات انتهت بالفشل، لكنها صعّبت الأمور على النظام، واستنزفته. وقد حاول الأمريكيون خلال هذه الفترة الاستثمار في بعض الظروف الاقتصادية الصعبة لدى سكان الجزر النائية الناتجة عن أن مشروع وحدة الدولة لم يكن قد اكتمل بعد، لحداثة الاستقلال والمشروع الوطني، وللصعوبات التي تقف في وجهه.

وقد تشكلت تلك الحركات المتمردة المسلحة بزعامة قادة منشقين عن الجيش بالإضافة إلى مدنيين وكذلك "سلفيين جهاديين" من مجموعة "دار الإسلام"، حيث صار "تنتارا إسلام إندونيسيا" بقيادة قاهر مذكر، الضابط السابق بالجيش، جزء مما سُمي بـ"الحكومة الثورية لجمهورية اندونيسيا"، وهو العنوان الذي منحته أمريكا لخدّام مشروعها.

وهذا التيار "الجهادي" وسيكون له تأثير بالمستقبل، حيث سينخرط في أعمال عنف بأندونيسيا في الثمانينات وحتى العقد الماضي وبصور مختلفة إلى اليوم، حيث سيقوم باستهداف أفراد بالأمن والجيش وسائحين إلى جانب هجمات على كنائس ومساجد تابعة للطائفة الأحمدية أو مساجد في مجمعات للشرطة (تفجير سيريبون 2011 خلال صلاة الجمعة)، وتحريض على الشيعة -قرابة المليون- وهو الأمر الذي تطور لإعلان "الجهاد" ضدهم في مؤتمر عقد بإبريل 2014، هذا بالإضافة إلى تفجير مناطق أثرية وحفلات موسيقية وبعض المصالح الاقتصادية وطنية وأجنبية، وسيكون أعضاء هذا التيار جزءًا من تنظيمات عديدة فيما بعد، مثل: "الجماعة الإسلامية في جنوب شرق آسيا"، أو "مجلس مجاهدي أندونيسيا"، وهذه التنظيمات المتورطة بالعنف، وأخرى مشابهة، هي التي تقف وراء تصدير المقاتلين إلى سوريا اليوم، كما لعبت دورًا في القتال بأفغانستان في الثمانينات. ولها ارتباطات على مستوى الأيدولوجيا والتنظيم، بالقاعدة، وبجماعة "أبو سياف" في الفلبين، التي أعلنت أنها تابعة لـ"داعش" في 23 يوليو 2014.

مصادر:
https://en.wikipedia.org/wiki/Indonesian_mass_killings_of_1965–1966
http://www.insideindonesia.org/the-killings-of-1965-66
http://theconversation.com/how-indonesias-1965-1966-anti-communist-purge-remade-a-nation-and-the-world-48243
https://en.wikipedia.org/wiki/CIA_activities_in_Indonesia
https://www.elwatannews.com/news/details/798510
https://en.wikipedia.org/wiki/Revolutionary_Government_of_the_Republic_of_Indonesia
https://en.wikipedia.org/wiki/Darul_Islam_(Indonesia)
https://en.wikipedia.org/wiki/Jemaah_Islamiyah
https://en.wikipedia.org/wiki/Terrorism_in_Indonesia
https://en.wikipedia.org/wiki/List_of_terrorist_incidents_in_Indonesia
https://en.wikipedia.org/wiki/2011_Cirebon_bombing
اندونيسيا تحشد المجاهدين بالالاف للجهاد في سوريا
https://www.youtube.com/watch?v=qf7QlTB70h8
https://www.masress.com/almesryoon/270845
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/syria-the-epicenter-of-future-jihad
https://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKCN0UX0VR
http://www.akhbaar.org/home/2014/5/167787.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة