الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آسفة على الكذب

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2018 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


نعم كنت أكذب، لكنّني كنت مقتنعة أنّني صادقة مع نفسي، ومع الآخر، فإذ بالزيف يلبسني. لا تخافوا! لم أكذب عليكم. فقط كذبت على نفسي.
في السياسة، في الحبّ، وفي الرّأي بالآخر، فلم أجد الآخر إلا فيّ . كنت الأوّل ، والآخر.
آسفة على الوهم. طبقت أفكار المدارس والجامعات دون تروّ، قلت أنّ الزمن سوف ينصف. ثم جلست في خلوتي وأنا أقول: لمن أنصف الزّمن؟
آسفة على المقالات التي كتبتها حول الحرية والنساء والقانون. كلّها كاذبة. كلّنا جواري السلطان، وأبناؤنا هم العبيد الذين يمكن تقديمهم كقرابين للوهم.
تسألون عن التعميم؟ إنها وجهة نظر. من تجد نفسها من النساء ليست جارية" فلترمني بحجر" أيتها الجارية! يلزمك عقود من الزّمان لتشبهي الجواري، وتقولي الشّعر، وتعزفي الموسيقى حتى لو قدّت السّيارة، وكنت مديرة بنك داخل سورية. مادام هناك من هو أعلى منك فإنّك سوف ترضخين لمشيئته، وأنت تعرفين ما أقصد.
يا شعب سورية العظيم! آسفة على موتكم جميعاً، أعرف أنّكم عاجزون مثلي. أتحدّث عنكم أيها المقتولون من فقراء بلادي.
آسفة على السّفور، وعلى الحجاب، لم يغير كلاهما من داعشيتنا، فنحن النساء نقتل مع الأديان المتسامحة، والتي تطبّق شرع الله في سوريّة, نحن داعشيون إسلاميون، وداعشيون يساريون شموليون، وداعشون ضمن أقلياتنا. انظروا إلى ما تكتبون. هذا فطس، وذلك دعس. إنكم النسخة الأسوأ للإرهاب.
آسفة على خفقات قلبي في اليوم الأوّل للثورة. شعرت أن صوتي هو الذي ينطلق، وركضت خمسة كيلو مترت حول بحيرة الشارقة كي تهدأ نفسي، وأحس بحقيقة بما حدث. كنت متسرّعة، فأيّة حركة صادقة سوف تقمع ليس فقط من قبل النّظام، ولكن من المعارضين له -إلى أن يجدوا موضع قدم-. كتبت في عام 2006 مقالاً، وكنت في الإمارات، وكان وضعي ليس جيداً, كان عنوانها. "شكراً لأنّكم أغلقتم مكتبي، ودار الرواد للغات"، وقلت فيها: عندما يلجأ الإنسان لكلّ زعماء الأحزاب، وخاصة الأحزاب التي هي الآن سلطة، ويخافون أن يقوموا فقط بالتعاطف، وهم يعرفون الحقيقة، معنى هذا أنّهم كاذبون. هؤلاء الذين لجأت لهم يضع السوريين الأمل فيهم، وهم يخافون من خيالهم.
قلت يومها: لن أعود إلى سوريّة لو وجدت مكاناً آخر للعيش فيه، وحتى أكون أمينة. لم يكن لي أي احتكاك بالنّظام. الذين آذوني هم ممن يعتبرون أنفسهم معارضة، وهذا لا يعني أنّني مع النظام. هو المسؤول الأول، وزعماء الأحزاب صورة طبق الأصل عن بشار، أو هتلر، أو ستالين، وحتى بهيئاتهم يقلدون ستالين أو صدام، أو هتلر.
لو أسفت على كلّ شيء لامتلآ زماني بالحسافة.
آسفة لأنّني فتحت صفحة افتراضية اسمها " وجه أبوك" حسب ترجمتي، وهو الوجه السّيء لأبوك الذي علّمك العنف، والكراهية، والحقد.
الشيء الوحيد الذي لن آسف له أنني تركت أماكني، لا أريد أن أكون بطلاً يزف بالرقص والطبل، والزمر، ولا فتاة تزيّن وتلف بحزام ناسف. الجميع كاذب، ولا أحد يدافع إلا عن نفسه. كلّهم عنترة، وربما أغلب من سمعوا عن عنترة قد لا يعرفون أن حبه كان تافهاً، كحب نزار قباني ، وكان متزوجاً بأكثر من واحدة. كلكم عنترة، لكن عن بعد، وقد قرأت أوصافكم في العرائض التي توقعون عليها من أجل ملء الفراغ. ليس لي مكان فيها، ولا في الوقفات الاحتجاجية، ولا في أبداء الرأي، فجميعكم عظماء، يظهر هذا من صفاتكم قرب أسماءكم التي تتجاوز أكثر من سطر. وأنا "أضعف الإيمان"، وترجمة أضعف الإيمان إلى اللغة الدنيوية. أنه تأكلها بجلدك، وتلتزم الصمت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي