الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحوار الأخير مع السفسطائي المطلق-4

أيمن عبد الخالق

2018 / 2 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"بالفكر يستطيع الإنسان أن يجعل عالمه من الورد أو من الشوك"....سقراط
o السفسطائي: كنا نتحدث معا عن المبادئ العقلية التحليلية الأولى التي يعتمد عليها العقل الإنساني، وأنها مبادئ واضحة، وصحيحة في نفسها، وأشرتم إلى مبدأ امتناع التناقض، وقلتم أن هناك مبادئ عقلية أخرى مماثلة، ووعدتموني أن تذكروها في الجلسة اللاحقة.
• الفيلسوف: إن هذه المبادئ العقلية هي مبادئ قبلية (priori) وليست(posteriori) مأخوذة من الحس والتجربة، أو الأعراف الاجتماعية أو المذاهب الدينية.
o السفسطائي : يعني مبادئ أولى مستقلة.
• نعم بالضبط...وهناك لدينا "مبدأ الهوية" بمعنى أنّ الشيء هو نفسه، سواء قلنا أنّ الإنسان إنسان، أوالإنسان حيوان عاقل، أو أن الأعزب هوغير المتزوج، فثبوت الشيء لنفسه ضروري، وسلبه عنه مستحيل، وكذلك "الكل أعظم من جزئه"، و"مساوي المساوي مساو"، و"لازم مايلزم الشيء لازم لنفس الشيء" أيضا، وكذلك مبدأ إنّ " فاقد الشيء لايعطيه"، وأيضا "قانون السببية" البديهي، وهو أن أي شيء يحصل بعد العدم، فله سبب أخرجه من العدم إلى الوجود، لاستحالة أن يخرج الشيء نفسه من العدم إلى الوجود.
o السفسطائي: ولكن قانون السببية قد أنكره بعض الفلاسفة الغربيين، مثل دافيد هيوم ومن جاء من بعده.
• الفيلسوف: نعم للأسف الشديد، نتيجة غفلتهم عن حقيقة هذا المبدأ البديهي، المركوز في أذهان جميع الناس.
o هل يمكنكم التوضيح أكثر؟
• الفيلسوف:أنت عندما تسمع جرس البيت، أو التليفون، تنبعث للإجابة مباشرة، وتعلم أن هناك أحد خلف الباب، أو يريد أن يتحدث معك في التليفون، مع أنك لم تشاهده بعينيك، لأنّ الجرس لايدق بنفسه، فتتيقن من وجود سبب لذلك...نحن في الواقع إذا أنكرنا قانون العلية تنهار كل العلوم ، وعلى رأسها العلوم الفيزيائية التي تبحث عن أسباب الظواهر الطبيعية، ولبطل علم الطب الباحث عن أسباب الأمراض الجسمية.
ثم إنّ الأمر المضحك أنك تجد مثل"دافيد هيوم" نفسه بعد تنكره لقانون السببية، يسعى للبحث عن السبب الذي يجعل الناس تعتقد بهذا القانون، وأرجعه إلى أسباب نفسية، وهذا إقرار منه لضرورة وجود سبب لكل ظاهرة، وإلا مابحث عن السبب، وهو تناقض ظاهر!!.
o السفسطائي: هذا أمر في غاية الوضوح، فكيف غفل كبار فلاسفة الغرب، لاسيما فلاسفة التنوير والحداثة عن هذا الأمر .
• الفيلسوف: هذه مشكلة عميقة تكشف عن الخلل العميق في النظام التعليمي الحسي السطحي، الذي لم يولِ أي أهمية لدراسة العلوم العقلية بنحو عميق وتخصصي، مما أوقع الكثير من المفكرين في هذه الحيرة والاضطراب.
o السفسطائي: ولكن ماهي أهمية مثل هذه المبادئ العقلية الأولى؟
• الفيلسوف: نحن بدون هذه المبادئ لايمكننا أن نحكم على أي شيء، أو ننتقد أي شيء، أو حتى نشكك في أي شيء، أو أن نبحث عن أسباب أي شيء، فهي مبادئ ضرورية للتفكير الإنساني، يستعملها كل الناس في حياتهم بنحو تلقائي، ويعتمدون عليها في حواراتهم وبحوثهم العلمية والفكرية.
o السفسطائي: إذا كان الأمر هكذا، فكل الناس إذن يستفيدون من هذه المبادئ العقلية في حياتهم، وإذا كان كذلك فكلهم عقلاء، وينبغي أن تكون أفكارهم متشابهة، فلماذا كل هذه الاختلافات والانحرافات والتطرف، والصراعات السياسية والعرقية والمذهبية.
• الفيلسوف: هذا أمر طبيعي، وقد سبق وأن قلت لك إنّ هذه ليست مبادئ خاصة بطبقة من الناس دون أخرى، وليست مختصة بزمان أو مكان معين، أو ثقافة معينة، بل هي مبادئ فطرية نابعة من الطبيعة الذهنية الإنسانية المشتركة، والتي لولاها لوقعنا في الشلل الفكري المطلق .
o السفسطائي: إذا كان الأمر كذلك، فلما كل هذه التشكيكات والاختلافات بين الناس؟!!.
• الفيلسوف: هذا هو بيت القصيد....لأنهم بكل بساطة لايكتفون باستعمال هذه المبادئ العقلية الصحيحة دائما، بل يخلطونها بغيرها من المبادئ غير العقلية في حياتهم، ويغفلون عنها، ويخالفونها في بعض الأحيان.
o السفسطائي: كيف يفعلون ذلك، ولماذا؟!
• الفيلسوف: كما يفعلونها في حياتهم الصحية، فكل إنسان مع أنه يحرص على رعاية القوانين الطبية من أجل المحافظة على صحته الجسمية، فإنّ أكثر الناس مع ذلك يتناولون أيضا الأطعمة والأشربة الضارة بصحتهم، ويمارسون الكثير من العادات غير الصحية، التي نهى عنها الأطباء، وذلك بدافع حبهم لها، وأنسهم بها، بحيث أصبحت جزءا لايتجزء من حياتهم اليومية.
o السفسطائي: يعني أنت تريد أن تقول إنّ الناس تفعل نفس الشيء في حياتها الفكرية.
• أكيد...فهم أيضا ينطلقون من مبادئ عرفية اعتادوا عليها، أو مبادئ دينية مذهبية أحبوها وقدّسوها، أو مبادئ وهمية تخيلوها بأوهامهم، أو ينطلقون من مبادئ انفعالية عاطفية، بدافع من مصالحهم الشخصية أو الفئوية، وغير ذلك من المبادئ غير العقلية الخالصة.
o العاقل:نعم نعم ...فهمت...الان قد اتضح لي كل شيء حول هذا الموضوع، وأصبحت كأني أرى الواقع بعيني، وألمسه بيدي، وسؤالي الأخير لكم، هو كيف نعالج هذه المشكلة العامة عند الناس، والتي تمثل أزمة فكرية حقيقية انعكست سلبا على حياتنا اليومية، وسببت الكثير من المآسي والمحن.
• الفيلسوف:الحل يكمن في التعرف على هذه المبادئ أولا بوعي كامل وبصيرة، لا أن نستعملها فقط بعفوية وتلقائية، ونتعلم كيف نبني أفكارنا ورؤيتنا عليها بنحو منطقي، بتعلم قوانين التفكير الصحيح في علمي المنطق، ومناهج المعرفة، ونتعلم كيف نطبقها في حياتنا، ونتعرف على أضدادها التي تمنعنا من التفكير الصحيح، ونسعى لأن نكون أوفياء لها، ولانقدم غيرها عليها من المبادئ العرفية أو المذهبية أو الوهمية والعاطفية....,عندها نكون قد وضعنا أقدامنا على أول طريق السلامة، والتحرر من المتاهة الفكرية التي تحيط بنا في كل زمان ومكان.
o العاقل: أنا أشكركم من كل قلبي على تحريري من متاهة هذه الحيرة، وإخراجي من نفق الشك المظلم، عن طريق هذه المحاورة العقلية الإنسانية الحقيقية، وأعدكم بأن أسعى لتعلم قواعد التفكير الصحيح، وأتمنى أن يأتي اليوم الذي يدرك فيه كل إنسان أهمية هذه القواعد العلمية الإنسانية.
• الفيلسوف: لولا حسن نيتك، وموضوعيتك، وحرصك على طلب الحقيقة، ماخرجت من هذه المتاهة أصلا، وأنت الان تجني ثمرة مازرعته لنفسك، ثمرة العلم والمعرفة الواقعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير