الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بائع الدخان

سارة يوسف

2018 / 2 / 9
الادب والفن


بائع الدخان
سارة يوسف


قال بصوت هادئ سيدتي انت غيرتي حياتي .. تراجع راسي الى الخلف ورسمت على الملامح علامة التعجب !! .. أجبته من .. آنا !!؟ أتمناه ايجابيآ اقصد التغير .... نعم .. وانا مدين لك بذلك ..
سيدي لا اعتقد أني التقييتك !!
.. انا متاكد .. كنت في المدينة البعيدة .. أبيع الدخان . انا صاحب الساق الواحدة ... اشتريت السكائر التي في حوزتي ذاك الْيَوْم
لن أنسى صوتك ابدآ .. عمي أرجع لبيتك نفذت البضاعة .. ثم ابتسمتي لي بلطف من حينها وانا آحمل رسم وجهك معي .. ليس لانه يحمل تلك العلامة الفارقة .. بل لآنني وجدت بعد الحديث معك للكلام معنا مؤثرا..مست أحرفك قلبي الموجوع .. حتى انني آمنت بكلماتك تلك .. القانون في البلدان الأوربية يمنح البشر الكرامة ... ... أجبته بذهول نعم تذكرت .. حدث ذلك في المدينة البعيدة ، كنت في زيارة لكنك تغيرت !!!!! لا لحية ولا ثوب قصير !! وقبل ان اكمل اجاب : نعم وأملك ساقين والاهم من ذلك الشعور بإنسانيتي ! عندما أمرض اجد العلاج .. اموت وانا بشر .. ذلك هو الطموح ..
ليتك ظهرتي لي قبل ان افقد طفلتي وزوجتي وساقي...خسرت كل شئ بسبب الفقر ... كان من السهولة ان تعيش ابنتي لم يكن المرض خطير ..... توسلت كثيرآ بالميسورين في مدينتي المسلمة المؤمنة ... فقدت كرامتي مع أولئك الملتحين بالدِّين وانا اطلب منهم ثمن حياة ابنتي .. لكنهم رفضوا بكل برود وهم يؤدون صلواتهم وتسبيحاتهم .. .
بعد حين ظهرتي لي ..
اخذنا الحوار في ذلك اللقاء معك لأسرتي .. تحدثنآ عن اوربا بعد انتقالك لها على اثر الحادثة واقصد العملية التي كنت قد أطلقت عليهايومها كلمة جهادية وانا انظر لأثرها في وجهك .... اعتذر منك ياابنتي ..تجاوبتي معي على الرغم من كثرة أسألتي .... تغيرت !! كانني رآيت العالم من خلال عينيك .. نظفتي خلايا عقلي ... واخذت اسأل نفسي يوميآ كيف لنا نحن الفقراء ان نعيش في انتظار كرم المحسنين ؟؟ ماذا لو لم يآتي ابدآ ؟ ..... ملامح الكافر والمؤمن لدي اختلفت .. خلعتي ثوبي القصير ولحيتي . حتى الله وقف معي عندما ادركت الانسانية وفتح ابوابه لي للعيش في السويد طبعا بمساعدة منظمة إنسانية سويدية .... جهادي تحول ساعتها الى هدف اخر ارى فيه نفسي ولو للبقية القليلة من العمر وانا انسان كما ولدت ..... لو لم أجدك تلك اللحظةربما كنت ازرع الموت للآخرين الأبرياء ... كما فعل الآلاف...
تفاجأت كثيرآ منه .. تصورت حينها ان صوتي معه ضاع في هدير أصوات السوق المكتظ ..
رحلت في وجهه الجديد الى ذلك الْيَوْمَ الذي التقيته .... ترددت كثيرآ حينها غير أني ارغمت نفسي على العلاج كما يقولون .. المواجهه مع ذلك الخوف والهلع الذي امتلكتني على اثر ذلك الحادث الإرهابي الذي وقع امام نظري في بغداد الحبيبة والذي رسم اثره علي وجهي الى الأبد.
ذلك المشهد لن اتمناه لغيري .. القتل والدمار واهات الوجع من المصابين . كنت واحدة منهم ... الآلام مزقت قلبي جعلتني اشعر بالغضب .. الضحايا كثر والجرائم تسجل ضد مجهول .
غضبآ عارم يجتاحني .. من كل شئ .. الاٍرهاب .. من الوطن الذي فيه المجرمون والجهلة رموز وطنية مقدسة .. الروح قتلت مع الأبرياء هناك في الكرادة .. اريد ان اخرج من تلك الساعةالمريرة .. احساس غريب اجتاحني وانا امد يدي و نقودي وأشتري علب الدخان من ذلك البائع صاحب الساق الواحدة .. رغم أني لا ادخن .
توجهت له ثوبه القصير ولحيته الطليقة اخافتني .. كآنني أعطي الإرهابي الذي فجر نفسه وقتل الناس ودمر حياتي هدية وفرحة .. نظرت في عينيه ومشهد الانفجار يعاد في ذهني لمرات ومرات .. لكنني عندما سمعت قصته بكيت .. ليس هناك عدو مطلق بيننا نحن البشر ... تحدثنا بآمور أوربا ، واذكر انه تعجب كثيرآ كيف لبلاد الغرب الكافر ان يكون القانون فيه انساني الى هذا الحد .....

رحب جميع الاهل بالشيخ معنا علي الطاولة .... بقيت أفكر في نفسي ... دون ان أنطقها ... انت ايضآ سببآ في خروجي من ذلك الكره العجيب والغضب والانتقام الذي دمرني ..
شعرت براحة لم ألمسها منذ اصابتي وأيقنت ان مجرد عيشي هو انتصار لي وهزيمة لهم
وجد الكباب العراقي والخبز الحار شهية مفتوحة لدينا جميعآ في ذلك المطعم العراقي الشهير في مالمو بعد ذاك اللقاء .... غادرنا المدينة السويدية في اتجاه أوسلو .. ودعنا بائع الدخان رغم انه بقي حديثنا طوال الرحلة ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق