الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليمن وعلي سالم البيض وحكم التاريخ!

منذر علي

2018 / 2 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


من حق الأستاذ قاسم محمد برمان، ( في مقالته الموسومة: لماذا علي سالم البيض، 2 أبريل 2016 ) أن يدافع عن السيد علي سالم البيض ضد الذين افتروا عليه، ولكن ليس من حقه أن يبالغ و يعالج الافتراء بالافتراء لأن ذلك لا يغير من الحقيقة شيئاً. إذ لا ريب إنَّ السيد علي سالم البيض ، كانسان وكسياسي له ايجابيات كثيرة ، ولكن له ، بالمقابل ، سلبيات حتى وأن بدتْ للبعض أنها أقل من ايجابياته ، إلاَّ أنها من ذلك النوع السلبيات التي لا تمحو فقط الايجابيات، وإنما تؤسس لكوارث قاتلة.
وتكمن إيجابيات علي سالم البيض ، في تصوري ، في دوره النضالي ضد المستعمر البريطاني، و ضد القوى الإقطاعية ، وخاصة في حضرموت . كما تكمن ايجابيته في مساهماته ، مع رفاقه الأبطال في الجبهة القومية ، في توحيد الجنوب اليمني في دولة فتية رائدة ، غدت ملء الأسماع ، هي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. كما يكمن دوره الايجابي المتميز كذلك في رفضه للإغراءات السعودية، عقب سقوط المعسكر الاشتراكي في محاولة منها ، لثنيه عن تحقيق تطلعات الشعب الوطنية ، ومن ثم الاستجابة الشجاعة والعبقرية لتطلعات الشعب اليمني في تحقيق وحدة الوطن اليمني، ولكن دون روية وتبصر سياسيين للملابسات القائمة والمحتملة.
من الواضح أن ثمة أناس، من الموتورين ، ومشوشي الهوية الوطنية، يعتقدون أن تلك الانجازات الايجابية العظيمة للسيد علي سالم البيض ، هي في الواقع أخطاء ومثالب بائسة ، ترتقي ، في نظرهم، إلى مستوى الجرائم السياسية بحق "الشعب الجنوبي" ، ولكن هؤلاء ، نطلق عليهم ، مجازًا، من أطراف أخرى بأنهم عبارة عن "زناة الليل" ، حيث "حظيرة خنزير أطهر من أطهرهم " حسب تعبير الشاعر العراقي مظفر النواب ، الذين كانوا ومازالوا يتاجرون بالقضية اليمنية.
أما سلبيات السيد علي سالم البيض القاتلة ، فتكمن ، في اعتقادي ، في عدم إدراكه المبكر، أو في الوقت المناسب ، لتعقيدات الوضع السياسي والتركيبة القبلية، وميزان القوى السياسية في شمال الوطن وفي الساحة الوطنية والإقليمية عموماً ، سواء عند الدخول المتهور في الوحدة الاندماجية الفورية في مايو1990 ، تحت ضغط الظروف المحلية والإقليمية والدولية القائمة ، عقب سقوط المعسكر الاشتراكي، أو عند الانسحاب المتهور منها في 21مايو 1994 من خلال إعلان الانفصال ، دون أدراك للنتائج السياسية ، المترتبة على هذا الإعلان.
ويمكن الإسهاب في أبراز الأخطاء التي أقترفها البيض من خلال الإشارة بإيجاز إلى الأبعاد التالية:
البعد الأول، إنَّ السيد علي سالم البيض لم يقرأ الواقع اليمني ، بشكل صحيح ، ولم يسع لإعادة بناء الحزب الاشتراكي، الذي تهشم في أحداث 13 يناير 1986 ، ولم يطبق وثيقة الإصلاح السياسي والاقتصادي، التي أقرها الحزب عقب أحداث يناير 1986 و قبيل الوحدة ، ومن ثم دخل الوحدة باندفاع وتهور ، ولم يدخلها بشكل تدريجي ، محسوب ومشروط بالتحولات السياسية والاجتماعية الراديكالية، التي كان ينبغي أن تتم في الجنوب و الشمال على حد سواء ، لخلق أرضية سياسية واقتصادية واجتماعية مشتركة للوحدة. وهذه المقترحات وغيرها ، كان قد قدمها المناضل جار الله عمر إلى المكتب السياسي للحزب عقب أحداث 13 يناير، وقبيل قيام الوحدة ، ولكن لم يتم العمل بها ، ولو عُملَ بها لأختلف الأمر تماما.
البعد الثاني ، لم يسع البيض لأن تأخذ الوحدة المسار الصحيح، الذي كان ينبغي أن تأخذه في واقع معقد كاليمن. ولو أن الوحدة أخذت مساراً تدريجياً محسوباً ، ومزمناً، تبدأ، مثلاً ، بالكونفدرالية ، فالفيدرالية ، ثم الاندماجية ، لكنا تجنبنا الكثير من المشاكل التي أعقبت الوحدة مباشرة، وأسفرت عن الصراع المسلح بين أطراف النخبة السياسية الشائنة، في 1994 ، بكل ما ترتب عليه من نتائج سلبية على الوحدة الوطنية.
وهنا تجدر الإشارة إلى إنَّ هذه الأخطاء وغيرها لا يتحملها السيد علي سالم البيض بمفرده ، وإنما يشاركه فيها ، وإنْ بنسب متفاوتة، جُل أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني ، سواء أولئك الذين بقوا في السلطة في الجنوب بعد أحداث 13 يناير 1986 ، أو الذين نزحوا إلى الشمال عقب تلك الأحداث المأساوية الدامية.
البعد الثالث ، تمثل في أنَّ السيد علي سالم البيض، قبل وعقب قيام الوحدة مباشرة ، عجز عن إدارة الصراع السياسي بمهارة مع الطرف الآخر من النخبة الحاكمة في صنعاء ، فخلال وجوده في عدن في الموقع السياسي الأول ، ومن ثم في السلطة في صنعاء ، كنائب للرئيس علي عبد الله صالح ، فشل البيض في عقد صلح مع الجناح الآخر من الحزب الاشتراكي، الذي نزح إلى الشمال بعد أحداث 13 يناير 1986 ، ومنهم على سبيل المثال ، السيد علي ناصر محمد، وعبد ربه منصور هادي ، ومحمد علي أحمد وعبد الله علي عليوه وأحمد عبد الله الحسني والآلاف غيرهم ، بل طالب بخروج بعضهم من صنعاء ، وفشل في خلق جبهة وطنية عريضة مع عموم القوى الوطنية اليمنية المناهضة للفساد والفوضى والهيمنة القبلية . وفي المقابل نجح الرئيس علي عبد الله صالح في كسب أطراف مؤثرة ليس فقط من النخبة السياسية الجنوبية ، مثل علي ناصر وعبد ربه منصور هادي وعبد الله علي عليوه والحسني وآلاف غيرهم ، بل نجح حتى في اجتذاب عناصر كثيرة من جبهة التحرير وأعضاء ما كانوا يسمون بالجبهة الوطنية ، ومشايخ الجنوب، الذين اضروا الوطن، وتضرروا من الثورة في اليمن الديمقراطية ، فضلا عن القوى القبلية والمتطرفة المعادية أساساً للوحدة كالشيخ عبد الله بن حسين الأحمر الزنداني والديلمي وغيرهم.
البعد الرابع ، وهو الأدهى، أنَّ السيد علي سالم البيض، بدأ يتحرك ، بحماقة واضحة ، باتجاه الانفصال من خلال الاعتكاف المتكرر في الجنوب والتعبير الفج عن موقفه السياسي بشكل جهوي ، والركون إلى الاكتشافات النفطية الجديدة المحدودة في المسيلة في حضرموت، والتنسيق السري مع السعودية ، تمهيداً للدخول في حرب غير متكافئة من الطرف الآخر من النخبة السياسية، التي شارك فيها، بشكل معاكس، قطاع كبير من الجنوبيين ، كان على رأسهم عبد ربه منصور هادي وعبد الله علي عليوه ، والسفير أحمد عبد الله الحسني. وبينما تمسك علي عبد الله صالح ، بمكر ظاهر ، بوحدة الوطن مع الزنداني والأحمر والديلمي وغيرهم من المناهضين بقوة لوحدة الوطن بالمعنى الحقيقي ، فأن السيد علي سالم البيض ، الوحدوي الصادق والوطني الكبير ، قام بارتكاب خطاء فادح في خضم المعارك الدائرة ، بإعلان الانفصال في 21 مايو 1994 ، منطلقاً من قاعدة داخلية جهوية ضعيفة ، ووعود خارجية وهمية، الأمر الذي قاده وحزبه إلى هزيمة نكراء ، فلجأ إلى عُمان وأستقر هناك .
البعد الخامس ، لقد استكان السيد علي سالم البيض في عمان قرابة 15 عاماً ، ولكنه حينما ظهر للعلن في منتصف 2009 ، عقب خروجه من عُمان ، ارتكب خطاءً جديدًا، وبدا كما لو أنه لم يتعلم من أخطائه السابقة. فبدلاً من أن يقف موقفاً نقدياً من مغامراته السابقة ، ويعتمد على سمعته السياسية وعلى تاريخه الوطني ، وعلى تراث حزبه النضالي المجيد ، الممتد لعقود كثيرة ، و يسعى إلى ترشيد الحراك المشتعل في الجنوب ، والكامن في الشمال ، و يدعو إلى وحدة الشعب اليمني، كشرط جوهري للثورة ، As a prerequisite for revolutionary advancement و يدعو إلى تمسكه بالوحدة، والتخلص من أعدائها الفاسدين، والقتلة في صنعاء ، عمد إلى التحريض على الانفصال و المطالبة ب :" فك الارتباط" وبدا هنا مناهضاً لتاريخه الوطني ومتبنياً لمواقف القوى الرجعية ، وهي المواقف التي ناهضها طوال تاريخه ، فسقط من قمة الزعامة الوطنية إلى هاوية الزعامة الجهوية ، كالعفاشيين الحوثيين ، فأنتقل إلى سويسرا، واستقر هناك ، ثم أنتقل إلى لبنان ، معتمداً على الدعم الإيراني.
وخلال ثورة 11 فبراير 2011 وفي الوقت الذي كان الشعب اليمني ، بكل فئاته ، يدعو إلى إسقاط النظام، وتغير الأوضاع وتحقيق المواطنة المتساوية، وصيانة وحدة الوطن، وتحقيق العدل، ووضع اليمن على طريق التقدم ، وقف السيد البيض موقفاً مشوشاً ، بل مجهضاً للثورة من خلال دعواته النكراء و المتكررة ل "فك الارتباط" ، وظل على هذا المنوال حتى تمكنت القوى الطائفية من السيطرة على السلطة في صنعاء ، في 21 سبتمبر 2014، وأجهض كل أمل في التغير الثوري.
وفي مطلع 2015 ، وتحديداً بعد عاصفة الحزم، ذهب البيض إلى السعودية ، فالإمارات العربية المتحدة، وقرر الاستقرار هناك لفترة ، مؤيداً بقوة لعاصفة الحزم ، وآملا في الانفصال . أما خصمه اللدود وشريكه في الوحدة الرئيس السابق علي عبد الله صالح ، فقد تبنى ، على الأقل ظاهرياً وبشكل ماكر "مواقف البيض الوطنية " القديمة، كالتمسك بوحدة الوطن ، التي تخلى عنها البيض، فرفض الخروج من اليمن بعد أزاحته من السلطة في فبراير 2012 ، وقرر الإقامة في صنعاء ، معرضاً نفسه للموت ، ومواجهة العدوان الخارجي " بشجاعة" لا ينكرها حتى خصومه، وهذا هو ما يفسر تنامي شعبيته بين اليمينين ، كما تجلت في 24 أغسطس 2017، في ميدان السبعين، قبيل مقتله بأشهر قليلة من قبل حلفائه وخصومه الحوثيين في 4 ديسمبر 2017 .
في الأخير ، ليس لدينا أدلة لكي نتهم السيد علي سالم البيض بالسرقة والإثراء غير المشروع على حساب الشعب اليمني ، فهذه أمور ، لا يمكن الفصل فيها إلاَّ من قبل قيادة الحزب الاشتراكي، المطلعة على هذه الأمور، و يمكن للقضاء وحده أن يقرر صحة هذه التهم أو عدمها ، ولكن المؤشرات، تؤكد أن السيد علي سالم البيض، يعيش حياة مريحة للغاية ، وأنَّ أولاده من كبار الأثرياء ، وأنَّ هناك العشرات والمئات من المناضلين الشرفاء ، الذين خرجوا معه في يوليو 1994 ، ويقيمون في القاهرة، و في غيرها من البلدان العربية والأجنبية، أو عادوا إلى أرض الوطن، يعيشون في حالة من البؤس والفاقة .
وبالتالي فمن حق أي مواطن يمني أرتبط بالسيد علي سالم كقائد خزبي بارز ، و كزعيم سياسي كبير، أن يتساءل: كيف أمكن للسيد علي سالم البيض وأولاده أن يعيشوا حياة باذخة بينما رفاقه يتضورون جوعاً ؟ وليس في هذا السؤال، بالطبع، ما يشين على أية حال . فالبيض شخصية سياسية عامة ، والشخصيات العامة، تتعرض لمثل هذه الاتهامات في جميع أنحاء العالم . الآن ، هل هو "طود شامخ ورمز كبير" ، كما قال السيد برمان ؟ أعتقد أن هذه أوصاف لا معنى لها ، إذْ لا يمكن أن نصبغ هذه الأوصاف، أو عكسها على شخص ما لمجرد أننا نحبه أو نكرهه. الرجل الآن ، كما يُشاع، مريض وفي حاجة إلى عناية طبية . إذن، لندع الحكم للتاريخ !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة


.. قوات الاحتلال تعتقل شابا خلال اقتحامها مخيم شعفاط في القدس ا




.. تصاعد الاحتجاجات الطلابية بالجامعات الأمريكية ضد حرب إسرائيل


.. واشنطن تقر حزمة مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل وتحذر من عملية




.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را