الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عامودة في ذاكرة المغترب

أحمد صبحي النبعوني

2018 / 2 / 11
الصحافة والاعلام


عامودة في ذاكرة المغترب

يرحل المرء عن وطنه عندما يضيق رزقه فيضطر للبحث عن مصدر للرزق في بلاد أخرى لسد احتياجاته الضرورية وتحسين المستوى المعيشي له ولأسرته ، ليحظوا بحياة كريمة لم يتمكنوا من الحصول عليها في الوطن .
إنها عجلة العمر تدور ولا تتوقف إلا لمرة واحدة وتكون الأخيرة . في فترة من الفترات يجتمع عليك كل شيء وتسقط فوق رأسك كل خيبات الحظ وحطام الأحلام وفتات تعب الجسد ورماد الذكريات المرة وبكاؤك الحاد .
عندما ترى شخصا يتجاهل كل ما يزعجه - فلا تعتقد أنه بارد الأعصاب وبلا مشاعر ولكن أعلم أنه قد تألم ... حتى تخدر .

عبد المسيح مشحر ( شماس )

سافر بعيدا عن الوطن وعن مدينته التي يحبها عامودة في محافظة الحسكة منذ قرابة الأربعين عاما . واستقر به الحال في دولة السويد . سنوات طويلة من البعد والوحشة والغياب نالت من روحه ومن جسده حتى اصيب بمرض ذات الرئة . وفي ختام اختمار الافكار والأمنيات مع الذكريات المعجونة بصور الطفولة والشباب اصبح للسيد عبد المسيح ( عمسيح ) ثلاثة امنيات هي كل ما فهمها وادركها عن قيمة الحياة وجماليتها .. الأولى كانت هي ان تعود السنين إلى الوراء ليرجع ويعيش في بيت اهله في عامودة والثانية مرتبطة بالأولى وهي ان يعشق امرأة من ذات المدينة ويتزوجها والثالثة هي أن لا يترك عادة التدخين وتبقى معه و بين اصابعه سيكارته الحبيبة ليحكي لها كل ما يشاء دون خوف او خجل ... والتي منعها عنه الطبيب .
قبل الحرب الأخيرة في سورية كان يحرص على زيارة سورية وتحديدا مدينته التي يعشقها ( عامودة ) في كل عام .. ويمارس عادته في المشي على قدميه في شوارعها ليعيد امتحان ذاكرته فيسمي اصحاب البيوت القديمة فيها .. فيشير بأصبعه هنا كان بيت هاروش وهنا بيت صباغ وعروسة ودنحو وعبدلكي وطلياني وهذا بيت عبدي شيخ بكر وذاك بيت قس الياس وملوح و إلى أخره .

بعد كل زيارة طويلة لعامودة يتحدث لأصدقائه عن تفاصيل زيارته ويشرح لهم كيف ان نكهة الحياة تعود له عندما يتجول في شوارع عامودة وهو الشخص المريض الذي يشكو من ذات الرئة في دولة متجمدة يكثر فبها الصقيع والثلج وتغيب عنها الشمس لفترات طويلة إلى وطن عنوانه الشمس الدافئة .
حتى ان زوجته تحكي لأصدقائه وتقول أنه يعود من هناك برئة جديدة .

هكذا إذا يبقى الأنسان المغترب معلقا في حياته ما بين الوطن وبلد الاغتراب فلا هو مواطن ولا زائر ليعود إلى وطنه بعد انتهاء فترة الأجازة ...لا .. انها حكم بالمؤبد وزيارة مفتوحة تشبه وحشة الجذور عندما تغرس في تربة ليست لها أبدا . فيحاول ان يتكيف مع تفاصيل غربته ويبني الصداقات الجديدة ويبحث اولا عن ابناء وطنه من جلدته ليجتمع معهم . ويعيد سرد الحكايا والنكات والقصص القديمة و الفريدة من نوعها والتي لن تتكرر في زمن العولمة والحياة المعاصرة .

ونتيجة شهرته بين الأصدقاء من اهل بلده في حبه الفريد لعامودة كانوا يسمونه المختار الخاص لهم .. فيقدم له صديقه السيد زهير عبدلكي خدمة رائعة وهي اقامة حفل عشاء وفني لأهل مدينة عامودة في دولة السويد فسميت حفلة اهل عامودة في أحدى صالات مطاعم ضواحي العاصمة ستوكهولم .

الغربة في سنواتها المريرة تتخطى الإحساس وتمضي مغتصبة منه عمرا مضى ، غير قابل الاسترداد ، ومثلما تسرق الكوابيس الأحلام الجميلة ، تتسلل حلاوة الأيام ونغماتها عبر نوافذ الهجرة .

وفي قطار الغربة لا تجد فيه الزاد إلا ما أختزنته من عواطف مدفوعة القيمة مسبقا والتي عبرت معك الحدود في نفس الحقيبة المليئة بالذكريات التي يجتر بعضها البعض ، كونها حبوب مسكنة نتناول منها عند اللزوم لنخفف بها آلام الغربة لكنها لا تشفي ابدا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا خصّ الرئيس السنغالي موريتانيا بأول زيارة خارجية له؟


.. الجزائر تقدم 15 مليون دولار مساهمة استثنائية للأونروا




.. تونس: كيف كان رد فعل الصحفي محمد بوغلاّب على الحكم بسجنه ؟


.. تونس: إفراج وشيك عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة؟




.. ما هي العقوبات الأميركية المفروضة على إيران؟ وكيف يمكن فرض ا