الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية والتنمية

جاسم محمد دايش
كاتب وباحث

(Jasem Mohammed Dayish)

2018 / 2 / 12
مواضيع وابحاث سياسية



مقدمة
أذا كانت الديمقراطية هي الجزء السياسي من حقوق الإنسان , فأن إعلان " الحق في التنمية " الذي صدر عام 1986 والتي تضمنتها الاتفاقية الثانية التي حملت اسم (العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ) الذي تم أعداده وإصداره بفعل تأثير البلدان النامية التي تعاني من مشكلات ذات طابع اقتصادي واجتماعي وثقافي يستلزم صيانة حقوقها وحقوق أفرادها في هذا المضمار , وقد وثق الأواصر المشتركة بين الديمقراطية والتنمية وحقق معادلة سياسية أساسية , مفادها انه لا انفصام بين الديمقراطية والتنمية ولا سبيل للتباعد بين المفهومين على صعيد الممارسة مهما كانت الذرائع والحجج المطروحة , ومع صحة منطقية هذه المعادلة إلا انه من الضروري تحديد طبيعة العلاقة بينهما من بعض الزوايا :-
أولاً :- الامتداد التاريخي للمفهومين .
أي من المفهومين أسبق من الآخر ؟ هل الديمقراطية أسبق من التنمية أم العكس ؟ أن الديمقراطية لا شك أسبق من التنمية وذلك من خلال تعريفها عند الإغريق وهو (حكم الشعب )ثم أكده أرسطو ومن بعده (إبراهام لنكولن)الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية في الفترة ما بين 1861م إلى 1865م .
أما مصطلح " التنمية " فأصل المصطلح ظهر مع بدايات الحديث عن نظريات التنمية لتجاوز ظاهرة التخلف , وسواء رجعنا ذلك إلى بدايات نشأة النظام الرأسمالي أم بدايات ظهور الحركة الفكرية الاشتراكية أم إلى بدايات ظهور التيار العام الذي وقف أمام سلبيات الظاهرة الاستعمارية ’ فان المتحقق , هو أن مفهوم الديمقراطية أسبق بكثير من مصطلح التنمية , إن المصطلحين ظهرا في عصر امتاز بمعطيات سيئة , فالديمقراطية ظهرت في عصر الإغريق الذي اعترفت فيه مؤسسات دولة المدينة بالتمييز الطبقي والابتعاد عن فكرة المساواة .
أما التنمية فهي الأخرى ظهرت في وقت مليء بسلبيات التخلف بكل أشكاله وإذا كانت الديمقراطية الإغريقية قد اعترفت بهذا التفاوت وأقرته عبر كتابات فلاسفتها ومفكريها . وأكد ذلك كتاب في الجانب الرأسمالي على أن الدولة تكون فقيرة بسبب عدم حيازتها لسبل الاستثمار والإبداع , وأن الخيار التنموي الرأسمالي هو السبيل للخلاص . وهناك أيضاً التجربة الاشتراكية والماركسية ومن ثم الصينية , امتلكت وسائل النجاح وخلقت دول قوية ولكن في ظل غياب الديمقراطية وعلى حساب حقوق الإنسان وتغييب فرص النجاح البشرية .
أما الخيار الرأسمالي فقد أوجد صيغة من الديمقراطية ليست الوسيلة الأساس في دول العالم المتقدم وحسب بل هي خياراً مفروضاً على كل دول العالم خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي , والمأخذ هو انه اوجد نوع من ديمقراطية القلة (الأقلية) وهذا يتعارض مع مبدأ الديمقراطية من حيث الأساس الذي يقول بحكم الأغلبية .

ثانياً :- أهمية كل من المفهوميـــن .
أن الديمقراطية أداة للحرية وأداة للتنظيم المؤسساتي وأداة للمشاركة لغرض أن تكون الديمقراطية منهجية في التفكير ومجموعة من القيم ورصيد من التشريعات لتسوية الخلافات بصورة سليمة ونبذ العنف .
مع تعدد القوانين والتشريعات التي صدرت عبر عوامل متعددة إلا إنها أن فكرتها الأساسية هي حماية الكائن البشري منذ ولادته حتى وفاته الذي كرمه الله في الأرض والسماء (( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً )) " سورة الإسراء " آية 70 .
أن تنوع الحقوق شيء طبيعي يتفق مع اختلاف المجتمعات الإنسانية بشكل عام والمجتمعات السياسية بشكل خاص , فلكل مجتمع خياره الديمقراطي والتنموي , حسب طبيعة ثقافات ومعتقدات الشعوب لذلك فإن الخيار الديمقراطي ينبغي أن لا يوجه اهتمامه لمعالجة العيوب السياسية وحسب بل كل العيوب الأخرى , الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى النفسية , وذلك اتساقاً مع مبدأ تكاملية الحقوق وشمولية مفهوم التنمية . لأن التنمية بمفهومها الواسع هي التنمية الاقتصادية , التنمية الاجتماعية , التنمية الثقافية . وعليه فإن الديمقراطية المطلوبة هي من النوع الذي يحقق هذه المهمة .
إذن فالتنمية ما هي إلا عملية تغيير حضاري , وهذا التغيير الحضاري بالغ التعقيد , لذا فإن عملية التنمية تتطلب تبديلاً اجتماعياً للواقع التاريخي الذي يعيشه المجتمع المتخلف فيتناول أساليب الإنتاج الاقتصادي وإنماء السلوك الاجتماعي وتبديل التجمعات الفكرية والقيميّة التي تعوق التحديث والتقدم ويلازم ذلك أساليب محددة ومسالك لتحقيق هذا التغيير المنشود , فإلانسان أساس مهم ورأسمال أكيد في عملية التنمية , إذا ً ما أحيط بالعناية المكانية والتدريب المستمر واكتملت له الحلول التيس تعالج معوقات الصحة والتعلم والمال والثقة وزيادة معدل الرفاهية .
الارتباط بين التنمية الاقتصادية وأي تحول ديمقراطي بدرجة من الأهمية لا تقل عن درجة ارتباطها بالتنمية الاجتماعية والثقافية والسياسية , لأن التنمية الاقتصادية تؤدي الى نمو الطبقة الوسطى التي يمكن أن تكون قيمتها مؤيدة للديمقراطية , ويؤثر حتماً على علاقات الطبقات بعضها مع البعض الأخر . مما يخلق هوية سياسية مشتركة تتأسس عليها المراحل الأساسية من عملية التحول الديمقراطي .

الخاتمة
تتجلى العلاقة الوثيقة بين الديمقراطية والرفاهية (التنمية) عندما نقارن بين قيمة الفرد في بلدان العالم الثالث عما هي عليه في بلدان العالم المتقدم , وهي القيمة التي تنبع مع احترام عقلية المواطن انطلاقاً من اعتباره حجر الزاوية في أي تقدم وازدهار يحققه المجتمع وهذا الكلام ليس بجديد ولكن المشكلة تكمن في ضعف تعزيز روح المواطنة مما أدى إلى فقدان الإحساس بالمسؤولية تجاه قضايا الوطن والأمة وليس أدل على ذلك إلا هجرة الكفاءات للبحث عن مجتمع وواقع جديد لأسباب معينة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - عقيلة عبد الحسين الدهان , مفهوم الديمقراطية وتطبيقاتها في العراق , وزارة الثقافة , دار الشؤون الثقافية العامة , بغداد , ط1 , 2013 .
2- عبد الجبار احمد عبد الله , الديمقراطية والتنمية البشرية , مجلة الإسلام والديمقراطية : لماذا نختار الديمقراطية , العدد (14) , السنة الثانية , بغداد , آذار 2006 .
3- سعد علي حسين , أسس التنمية الاجتماعية في العراق , مجلة النبأ , العدد 79 , تشرين الثاني لسنة 2005 , , بغداد , 2005 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة