الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المختبر وغياب وظيفته الاستكشافية في تدريس العلوم

عصام عبد العزيز المعموري

2018 / 2 / 12
التربية والتعليم والبحث العلمي


المختبر وغياب وظيفته الاستكشافية في تدريس العلوم
الأستاذ الدكتور عصام عبد العزيز المعموري
في ظل النظام الطبقي الذي تميزت به العصور الوسطى كان للفلاسفة والحكام طبقة تميزهم عن غيرهم وكان مهمتهم التفكير وابتداع النظريات الفلسفية وكان العمل اليدوي من نصيب عامة الشعب لذلك اقترنت تسمية ذوي الياقات البيضاء White Collars Men بأولئك الفلاسفة والحكام ، وتسمية ذوي الياقات الزرقاء Blue Collars Men بعامة الناس ، وكانت نتيجة ذلك سيادة الدراسات الفلسفية على العلوم الأخرى وكانت العلوم تدرّس نظريا" فقط ولم يدخل التجريب المختبري الا على يد عالم الكيمياء الفرنسي لافوازيه، ومنه انطلقت العلوم التجريبية بشتى الاختصاصات .
كنا نتعلم في اختصاص طرائق تدريس العلوم مبادى عديدة تتعلق بوظيفة المختبر في تدريس العلوم منها أنه لا يمكن تصور أي تدريس للعلوم دون استخدام المختبر وأن المختبر هو القلب النابض في تدريس العلوم وأن للمختبر وظيفتين هما توكيدية (توضيحية )واستكشافية (استقصائية ) وأنه في ظل الفلسفة الحديثة للمختبر فانه ليس مهما" أن تنجح التجربة أو تفشل طالما أن الهدف من وجود المختبر هو استثارة التفكير وتحفيز عملية التعلم ، حتى أنه في التدريس الابداعي للعلوم يتم التخطيط لإجراء تجربة فاشلة لتحويل ذلك الفشل الى موقف تعليمي جيد يتقصى فيه المتعلم أسباب فشل تجربته ليمارس المتعلم بنفسه كل خطوات أسلوب حل المشكلات (الشعور بالمشكلة ، تحديد المشكلة وتوضيحها ، جمع المعلومات حول المشكلة ، وضع الفرضيات ، اختبار صحة الفرضيات ، الوصول الى الاستنتاج والتعميم ) وهذه الطريقة تثير اهتمام المتعلمين بموضوع التجربة لأنها تعمل على خلق حالة من الحيرة والشغف عندهم وبذلك تزيد من دوافعهم للبحث عن حل للمشكلة ، اضافة الى انتقال أثر التعلم الى مواقف أخرى خارج المدرسة يطبق فيها نفس خطوات حل المشكلات وبذلك نغرس في المتعلم اتجاهات علمية مرغوبة تسعى الى تحقيقها التربية العلمية.
يقول تامير Tamir وهو واحد من أبرز منظري التربية العلمية عن دور المختبر في عملية التعلم : ( ان المختبر بنشاطاته العملية والتقنية يزيل الحاجز بين عمل الدماغ وعمل اليدين ) حيث يتفاعل فيه التخطيط والتعليل والتفسير وحل المشكلات مع الأعمال اليدوية والمشاهدات ،ويعرف المتخصصون في التربية وعلم النفس أن هنالك علاقة وثيقة بين استعمال الحواس والتعلم ،فالمتعلم يكتسب مهارات وخبرات أكثر عندما يستخدم أكثر من حاسة واحدة من حواسه في عملية التعلم وقد توصلت البحوث الميدانية التي أجريت في هذا المجال مساهمة الحواس الخمس بالنسب المئوية الآتية في عملية التعلم :
اننا نتعلم 83% عن طريق حاسة البصر و11%عن طريق حاسة السمع و3.5 %عن طريق حاسة الشم و1.5 %عن طريق اللمس و1%عن طريق التذوق وأننا نستطيع تذكر 10%مما نقرأ و20% مما نسمع و30% مما نشاهد و50% مما نسمع ونشاهد في الوقت ذاته و70%مما يرويه الفرد نفسه أو يقوله شخصيا" و90%مما نرويه اثناء أدائنا عملا" معينا" ،ومن ذلك كله ندرك أهمية استخدام المختبر في عملية التعلم لأن فيه يتم استخدام العديد من الحواس فتصبح المعلومة عصية على النسيان .
ان التجريب المختبري لا يعني بالضرورة اجراء التجربة في المختبر وانما يمكن اجراء التجارب داخل الصف أو خارجه أو في البيت .
واستنادا" الى نظرية العزو Attribution Theory في علم النفس فان الأفراد يعزون فشلهم في شتى مجالات الحياة الى عاملين خارجي وداخلي ويسمى اولئك الذين يعزون فشلهم لعوامل خارجة عن ارادتهم بالأفراد من ذوي العزو الخارجي أما اولئك الذين يعزون فشلهم الى أنفسهم فيسمون بالأفراد من ذوي العزو الداخلي ، وعندما نتقصى أسباب عدم استخدام المختبر في تدريس العلوم المختلفة ترى أن أكثر المدرسين من ذوي العزو الخارجي حيث يعزون عدم استخدامهم المختبر لأسباب عديدة منها أعباء المدرس المثقلة بعدد الحصص الكثيرة وأنه مطالب بإكمال المادة المقررة وكثرة عدد الطلبة في الصف الواحد وعدم وجود مساعد مختبر يقوم بتحضير التجربة للمدرس وتجنب فشل التجربة أمام الطلبة وصعوبة ضبط الطلبة في قاعة المختبر وغير ذلك من المبررات ولكنني من خلال تجربتي في تدريس الفيزياء لفترة طويلة لاحظت أن هنالك ما يسمى بالتكنو فوبيا أو رهاب التقنية Techno Phobia لدى المدرسين من استخدام الأجهزة اضافة الى اهتمام مشرفي المختبرات في المدارس الثانوية بنظافة المختبر وحسن ادامة أجهزته فقط دون الاهتمام بعدد ونوع التجارب التي أجريت فيه ، وحتى لو أجريت هذه التجارب في مختبراتنا فإنها تجارب توضيحية أو توكيدية فقط والتي تهدف الى التحقق أو التأكد من معلومات سبق أن تعلمها المتعلم وفي هذا النوع من التجارب يزود الطلبة بخطوات اجراء التجربة وكذلك الخلفية النظرية للتجربة ،وهذا النوع من التجارب هو السائد أو الوحيد في تنفيذ التجارب في مدارسنا وربما في كلياتنا العلمية المختلفة في وقت نحن فيه أحوج ما نكون الى استقصاء المعرفة وأن يكون دور المدرس هو الموجه والمرشد فقط اثناء اجراء التجربة.
أما في ظل المختبر الاستكشافي الذي ندعو الى استخدامه في تدريس العلوم في مدارسنا وجامعاتنا فيوضع الطالب فيه دائما" مكان الباحث أو المكتشف فتصبح العملية التعليمية مبنية على حب الاستطلاع والاهتمام والتجريب وليس تأكيدا" لمعلومة يعرفها المتعلم سلفا" قبل اجراء التجربة كما هو الشأن في المختبر التوكيدي او التوضيحي .
لكي يؤدي المختبر الاستكشافي دوره في الارتقاء بتدريس العلوم فعلى المدرس أن يتيح لطلبته الحرية في التخطيط للتجربة والقيام بالعمل والتوصل الى النتائج وأن تكون ارشاداته وتوجيهاته بحدود ضيقة ويعطي بعض التلميحات كلما لاحظ وجود بعض معيقات اجراء التجربة من قبل طلبته ،ولكي تساهم تجارب هذا النوع من المختبر في تحقيق أهداف تدريس العلوم ينبغي على المدرس أن يكون قادرا" على تخطيط وتنفيذ وتقويم تجارب مفتوحة النهاية حيث لا توجد اجابة واحدة صحيحة للنشاط العلمي أو التجربة المختبرية وهذا يفرض على كل طالب أن يجد بنفسه اجابته الخاصة به التي تميزه عن غيره وهذا كله يرتقي بالتدريس الى تدريس ابداعي يتعلم فيه الطالب أنه لا يوجد حل واحد فقط لأية مشكلة بل هنالك العشرات أو المئات من الاجابات الصحيحة لأية مشكلة وأن المعلومات الموجودة في الكتاب المدرسي ليست مقدسة وانما تخضع جميعها للاختبار والفحص والتمحيص Testability ، وكما يقول د. علي الوردي : (ان ما يميز العلم عن العقيدة هو وجود الشك فان وجد الشك وجد العلم وان غاب وجدت العقيدة) وان ما نقصده بالشك هو الشك العلمي الذي يفترض أنه لا تضاف أي معلومة الى رصيد المعرفة العلمية الا بعد اختبار مصداقيتها .
ان التعلم بالاستقصاء جاء كردة فعل للطريقة التقليدية للأنشطة المختبرية ويتميز الصف الدراسي الذي يطبق التعلم بالاستقصاء بعدة مميزات أوردها المركز القومي للمصادر العلمية في الولايات المتحدة الأمريكية منها اندماج المتعلمين بفاعلية في العملية التعليمية وجلب العالم الواقعي لغرفة الصف وتشجيع العمل الجماعي ومراعاة أنماط التعلم المختلفة والتكامل بين مواد المنهج المختلفة وبدل الاعتماد على الورقة والقلم فان الصفوف الدراسية التي تطبق التعلم بالاستقصاء تتيح فرصة للمدرس أن يلاحظ طلبته اثناء عملهم ويقيّم مدى استيعابهم للمفاهيم العلمية ، اضافة الى أن التعلم بالاستقصاء ينمي الذكاءات المتعددة.
وهنالك نوعان من الاستقصاء هما الاستقصاء الموجه Guided Inquiry وهو اعطاء المتعلم سؤالا" بحثيا" ومجموعة أدوات والطلب منه تصميم تجربة من مجموعة الأدوات المعطاة للإجابة عن السؤال المختبري ثم الشروع في تنفيذ هذه الخطوات ، والنوع الثاني هو الاستقصاء المفتوح Open Inquiry وهو طرح موضوع علمي معين واعطاء المتعلم مجموعة أدوات والطلب منه التفكير في سؤال بحثي أو مشكلة متعلقة بالموضوع العلمي ثم تصميم تجربة للإجابة عن هذا السؤال ثم تنفيذ هذه الخطوات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في