الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأجيل المؤجّل/ قصة

محمود شقير

2018 / 2 / 13
الادب والفن


هو الحلم المنغص إياه، يزورنا لليلة السابعة على التوالي. نهبّ من نومنا مجفلين، ولا نشاء أن نخبر أحداً بما يعتمل في صدورنا، نقف قرب النافذة المشرعة على طقس ليلي جاف، نراقب القمر المراوغ في السماء، نتأمل أضواء المدينة الكابية، ثم نستعيد حلمنا الذي لا يروق لنا، فكأنه نذير بأيام آتية لا سرور فيها ولا أفراح.
نشرب الماء القراح لعله يهدىء من وطأة الانزعاج الذي ألم بنا، ندلف إلى جناح زوجاتنا العديدات: إنهن مثل أبقار سمينة لا تتوقف عن المضغ والاجترار طوال النهار، نُلفي الأبواب مفتوحة على مصاريعها كما تقضي بذلك تعليماتنا التي أصدرناها منذ أن لازمتنا ليالي الضجر، نتفقد الزوجات النائمات في أسرتهن الرصينة، نسّرح النظر بحياد تام هنا وهناك على ضوء القمر: إنهن أقاليم من اللحم الذي يروي عن صولاتنا وجولاتنا، فكأنهن تاريخ مضى وانقضى، يداهمنا الأسى ممزوجاً بمشاعر غامضة، ولا ندري متى نظفر بالراحة الكبرى في هذه الحياة.
نمضي إلى جناح المحظيات، نتأملهن أيضاً بحياد، فقد طالت صحبتهن لنا حتى لم يعد فيهن ما يبهج القلب، نوطد العزم على اتخاذ قرار يتم بمقتضاه تسريح كل المنتسبات إلى هذا الجناح من كل الأجناس والألوان، لا سيما وأن بعض الموتورين من خصومنا قد غمزوا ولمزوا هذا الجانب من حياتنا المليئة بالصخب، إذاً نسرحهن بإحسان ومعروف، ولن نتعاطى بعد الآن الخمرة التي حرّمها الله، وفي الصباح المبكر سنجعل المدينة تصحو على قرار قاطع لا رجعة فيه، يقضي بتكسير كل ما في الحوانيت اللعينة من زجاجات مخزونة، تعبيراً عن انتفاضة مجيدة ضد شرور هذه الدنيا. وإمعاناً منا في سدّ أفواه الخصوم، سندعو كل ليلة ثلاثين من فقراء المدينة لتناول العشاء على مائدتنا العامرة، والاستماع معنا إلى آيات من الذكر الحكيم يتلوها بالتناوب عدد من المقرئين الأفذاذ.
نغادر جناح المحظيات ونحن أهدأ نفساً وأطيب مزاجاً، ندخل المكتب المهيب الذي نصّرف منه الحلول لكل المشكلات، نتصفح بفتور بعض التقارير والسجلات: هنا مشروع قدمه لنا مستشارنا القحب الذي لا يشبع ولا يكلّ من النهب، يقترح علينا فيه خطة لتكريس الأمن في ربوعنا التي يزعمون أنها غافية على بركان. وثمة على غلاف إحدى الدوسيهات – وبالخط الكوفي – عنوان جذاب: "أنجع الوصفات لمنع وقوع الانتفاضات" وهي دراسة قدّمها لنا دَعيٌ أحمق، أخفق في قرض الشعر، فارتمى على أقدامنا يقرض خيراتنا دون حساب. ننفض أيدينا من كل هذه الترهات، ونقول: في الصباح المبكر أيضاً نجزّ عنق المستشار ونضرب الشاعر المأفون على قفاه أمام الناس.
نسارع فوراً إلى إحدى الغرف القصية حيث ترقد الخادمات الثلاث اللواتي جلبناهن للسهر على راحتنا منذ ثلاثة أيام، ونقول لا بد من إلقاء نظرة عليهن وهن نائمات. فتلك هواية تطيب لنا وترتاح لها نفوسنا. إحداهن – بفعل الطقس اللاهب – إنزاح عن جسدها الغطاء، فانكشف فخذها الذي التمع بياضه تحت ضوء القمر، ننبهر لحظة بما نرى، غير أننا نعتصم بانضباط لا يلين، ننشر الغطاء فوق الجسد، ثم نخرج إلى إحدى الشرفات قريباً من جناح الخادمات، نتأمل القمر المراوغ والمدينة التي تغفو في خبث مبطن، تستبد بنا مشاعر مكتومة لا ندري من أين انفلتت، نعود مرة أخرى لتأمل الخادمات، نفاجأ بهن جميعاً وقد أزحن الأغطية عن أجساد لها رونق الفضة وصلابة النحاس، نهمّ – كما من قبل – بنشر الأغطية فوق الأجساد، غير أننا هذه المرة لا نقدر على ذلك، لأننا اكتشفنا – أو هكذا هُيء لنا – أن الخادمات لم يكن نائمات، وأنهن فعلن ما فعلن عن قصد مدروس.
نغلق الباب خلافاً لكل تعليماتنا السابقة، نكتفي بضوء القمر المتسلل إلينا عبر الشباك، نمعن في رحلة الاكتشاف الليلية، ونظل على هذا الحال حتى الصباح، فلا نفطن إلى شيء، وها هي ذي خمسمائة ليلة تمضي وما زلنا نؤجل اتخاذ القرارات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع