الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقطع من روايتي «في قبضة الحليف»

ضيا اسكندر

2018 / 2 / 16
الادب والفن


لما كان المهجع ضيقاً لهذا العدد، فقد اتفقنا أن ننام متعاكسي الاتجاه (عقب ورأس)؛ فعلى جانب، يكون الرأس محاطاً بزوجين من الأرجل وعلى الجانب الآخر، تكون الرجلان محاطتين برأسين. وذلك بغية الاستفادة القصوى من المكان.
فقد جرّبنا جميع الوضعيات ولم نجد أفضل من هذه الطريقة.
نادراً ما يصدف أن يرقد الجميع في وقت واحد، بسبب الضيق الشديد في المكان. إذ يتعذر استيعاب كل هذا العدد، لذلك كان النوم يتم على دفعات وبأوقات مختلفة من اليوم حسب الشاغر. ومع ذلك فقد يصدف أحياناً أن يهجع الجميع في وقت واحد، عندها يكون المشهد قد وصل إلى ذروة المأساة بأشكاله السُريالية المحزنة والمخيفة معاً.
كانت الساعة الخامسة صباحاً عندما استيقظتُ بسبب حاجتي الماسّة للتبوّل! ولما كان المهجع يفتقر إلى مرحاض، وموعد فتح الباب للخروج إلى دورة المياه ليس قبل السابعة، فإنه من الصعوبة الانتظار حتى ذلك الوقت. ولا بدّ من استثمار تنكة البول المتموضعة في زاوية المهجع قرب الباب. والوصول إلى التنكة التي تبعد عني مسافة ثلاثة عشر جسداً نائماً، يتطلب مجهوداً كبيراً وحذراً فائقاً، بسبب تلاصق هذه الأجساد وقلة المساحات الأرضية الظاهرة لوضع القدم لدى التنقل..
نهضتُ واقفاً أستطلع الفراغات الضيقة بين الأجساد.. إلا أن مشهداً لفت نظري وجعلني أتسمّر في مكاني.. تمنيت خلالها أن أكون فناناً تشكيلياً لأتمكن من تجسيد هذا المشهد بلوحة توضح حجم المعاناة التي نحياها.
بدا لي المهجع كمستودع لتخزين البضائع، وقد فرشت أرضيته بتلك الأجساد الملفوفة بالبطانيات العسكرية، وقد اتخذت وضعيات تشبه وإلى حد كبير مشهد ما بعد المجزرة! قلت في نفسي: "هذه صبرا وشاتيلا جديدة.. ولكن هذه المرة اقترفتها أيدي الحلفاء!"
اجتاحتني قشعريرة سرت في جميع أوصالي، وغمرتني تساؤلات حزينة عن ذنب هؤلاء والثمن الباهظ الذي يدفعونه طلباً ونشداناً للديمقراطية.. شعرت برغبة فضولية بمراقبة هذه (الجثث) وتأملها!
كل ما هو حولي يضجّ بالكآبة والقهر؛ فهذا يشخر بحشرجة المحتضر جرّاء ارتياح رجل جاره على رقبته! وهذا ألقى يده على بطن جاره، ورجله على فخذ جاره الآخر! وذاك محني الرأس إلى الوراء وقد فتح فمه والزبد عالق على شفتيه! وآخر مطمور الرأس بقطعة ثياب قذرة إمعاناً بمزيد من الدفء! والبعض منهم غطى عينيه بمحرمة أو بكمّ قميص اتقاءً لنور اللمبة دائمة الاشتعال! فتبدو وجوههم الشاحبة (المعصوبة) كمن نُفّذ فيهم حكم الإعدام! وبين فينة وأخرى تنتفض إحدى هذه (الجثث) إيذاناً بانتهاء كابوس. وتصدر أخرى أنيناً موجعاً كعجوز وحيدة فقدت رفيق عمرها معلنةً خضوعها لكابوس جديد.
لن أشرح طريقة الوصول إلى تنكة البول، لأنني بذلك سأذكر ضحايا الدعس البريء على العديد من تلك الجثث.. وتأفف البعض، واستيقاظ البعض مذعوراً..! وعدم انتباه البعض الآخر بسبب نومهم الثقيل، أو بسبب ضعف حركة الدعس المزعج..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا