الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاقة الشعوب المقهورة بالاسلام

وليد يوسف عطو

2018 / 2 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


علاقة الشعوب المقهورة بالاسلام

يقول برنارد لويس ان الفتوحات العربية هي توسع للامة العربية وليس للاسلام , بسبب الاكتظاظ السكاني .وقد حصلت حالات تمدد عربية في القرنين السادس والسابع الى مناطق الهلال الخصيب . وكانت هنالك مدن مثل بصرى وغزة تضم نسبة مهمة من سكانها من العرب.

ساعد في نجاح الفتوحات العربية ضعف الامبراطوريتين الفارسية والبيزنطية .يرى غيبون انه لو ولد محمد في ايام القيصر تراجان وقسطنطين او الملك شارلمان ,لتمكن هؤلاء من صد هجمات السراسنة العراة ( اي المسلمون ).هنالك اسباب اقتصادية ودينية ودوافع سياسية وضعت سوريا في راس اولويات محمد والخلفاء ,منها اهمية توحيدالقبائل العربية في كيان ىسياسي مركزي اثناء الصراع مع قريش وبعد فتح مكة .

لقد اتضح ان بقاء النظام الاسلامي الجديد ( سراسنة , هاجريون , اسماعيليون , عرب , طائيون ومنها جاءت كلمة طاجيك )يتطلب ضم القبائل الرحل في الاجزاء الشمالية من الحجاز والمدن التي يقطنها الحضر .
ان السرايا التي بعث بها النبي محمدالى الجنوب السوري (اطلح ,مؤتة ,تبوك , دومة الجندل )تشير الى ان مؤسس الاسلام والخلفاء الاوائل شعروا بالحاجة الى حسم الموقف في سوريا لمصلحتهم , ليس فقط لاسباب اقتصادية ودينية فحسب , بل لاسباب سياسية وستراتيجية . حيث ان السماح بالتقاط بيزنطية انفاسها بعد حربها ضد الفرس سيؤدي الى منع توحيد القبائل العربية التي ستجد في الامبراطورية البيزنطيةسيدا قويا يصعب التحرر من قبضته.لقد كان الترابط بين نتائج حروب الردة وبين الفتوحات موضع اهتمام عدد من المؤرخين .

يقول برنارد لويس ان الفتحين , اي الذي جرى داخل الجزيرة العربية والاخر الذي شمل المقاطعات المجاورة لكل من سوريا والعراق ومصر ,كانا متزامين ومترابطين وليس متتابعين .
يقول الباحث حسان عيتاني في كتابه ( الفتوحات العربية في روايات المغلوبين – ط 1-2011 – دار الساقي – بيروت ):

لعل القبائل العربية لم تكن لتقبل بخضوعها للفتح , حتى لو كان على ايدي عربية , لو لم تتح لها الفتوحات في الشمال الحل الجذاب لمشكلاتها الاقتصادية في شبه الجزيرة العربية.وكانت الحملات الاولى على شكل غارات تهدف الى السلب , فيما جاءت الحملات اللاحقة بعدما تبين ضعف العدو حيث وفر الاسلام للفاتحين ثقة بالنفس ورمزا للنصر والوحدة .

وربما ان شخصيات مثل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص والتي ادت الادوار الاخطر في الفتوحات , كانت صلتها بالايمان صلة اداتية , فيما قبع الاكثر تدينا في الصفوف الخلفية مع استثناءات قليلة .ان عدم فرادة الفتوحات العربية باعتبارها ظاهرة تتكرر منذ فجر التاريخ , منذ هجرات الساميين القدامى التي جرت لاسباب اقتصادية وبيئية في المقام الاول , تلقى سندا قويا لافي الاسئلة التي تطرحهاغزوات بني سليم وبني هلال لصعيد مصر وشمال افريقيا , والتي لم يكن اصحابها في حاجة الى مبررات ايديولوجيةاو دينية لينتقلوا من شمال ووسط شبه الجزيرة العربية ومن محيط المدينة المنورة الى صعيد مصر ومن ثم الى شمال افريقيا وتونس وهي الغزوات التي يحملها ابن خلدون ,على ماينقل برنارد لويس عنه مسؤولية تدمير حضارة كانت مزدهرة بين السودان والبحر الابيض المتوسط.

يكتب الباحث حسام عيتاني (بعد مرور عاصفة الفتوحات الاولى ,ظهر لشعوب البلدان المفتوحة ان العرب يريدون البقاء في الاماكن التي احتلوها,او على الاقل يريدون ان يمارسوا سلطة تضمن لهم مصالحهم الماديةوتقدم دينهم على الاديان السابقة .الرغبات العربية هذه انطوت على تغييرات مادية وثقافيةفي واقع المغلوبين).

لم تعد المجتمعات المغلوبة تواجه مسالة تتعلق بمواجهة عسكرية او حصار في هذه المدينة او تلك , بل باتت المسائل الاهم تتعلق بنوعية ملكية البيوت التي يقيم فيها جنود الفتح والاراضي التي تقطعهم اياها الدولة الاسلامية وحقوق الرعي والجزية والخراج وموقع من اسلم من ابناء المناطق التي احتلها العرب .

وكان على المجتمعات المفتوحة ان تبتكر حلولا تعيد بها تنظيم امورها الداخلية التي قرر العرب الا يتدخلوا فيها تدخلا مباشرا ,لكنهم كانوا يفرضون رقابة صارمة على سيرها لئلا تخرج الىى الحيز السياسي الذي ظل ارضا حراما على غير المسلمين .

قامت المؤسسات المسيحية والزرادشتية , وبدرجة اقل اليهودية برسم حدود علاقاتها مع المحتلين اولا ومع من يعلن اسلامه من سكان البلاد الاصليين ثانيا .وهذا تطلب انتاج منظومة واسعة من الوسائل القانونية واللاهوتية والايديولوجية تهدف الى الحفاظ على وحدة الجماعة وعلى مرجعياتها.

في المناطق المسيحية كانت الشكوى قائمة من اعمال الخلفاء والامراء وعمالهم .فالقول بتشدد عمر بن عبد العزيز في معاملة المسيحيين لم يقف عند حدود كتاب الحوليات بل انسحب الى ماكتبه بطريرك انطاكية الارثوذكسي والمؤرخ ميخائيل السرياني الذي قال ان الخليفة بدا في الاساءة الى المسيحيين منذ توليه حكم الطائيين (اي المسلمين )وذلك لسببين , الاول اراد تاكيد الالتزام بقوانين المسلمين والثاني سعى الى الانتقام لاخفاق العرب في احتلال القسطنطينية .

وقد عمل عمر على حرمان المسيحيين من كل شيء لاجبارهم على اعتناقهم للاسلام .كما امر عمر بمنع المسيحيين من الشهادة امام القضاة ضد المسلمين , ومن امتطاء الخيول المسرجة ومن رفع الصوت اثناء الصلاة ومن ارتداء انواع معينةمن الملابس والتشدد في منع المسلمين من شرب النبيذ وحتى عصير العنب.كان استدعاء الخليفة والامراء لرجال الدين المسيحيين ومحاسبتهم من الامور الشائعة في كنائس سوريا والعراق ومصر . كان من اسبابها تفسخ الكنائس وصراعاتها الداخلية التي لاتنتهي .

يشير ميخائيل الكبير الى خلافات بين سكان خلقدونيين واخرين من اصحاب الطبيعة الواحدة في بلدة سرمدا اثناء تدشين كنيسة جديدة في القرية .كما يشير الى تدخل امير حلب المسلم لفض نزاع بين اتباع بيت مارون وبين ( المكسيميين )حول ملكية الكنيسة الكبيرة في المدينة والذي ادى الى نشوب القتال بين الجانبين والى صراعات داخل الكنيسة . فقام الامير بتوزيع الحراس اثناء القداس بعد تقسيم المكان الى قسمين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاخ الاستاذ وليد1
na sha ( 2018 / 2 / 17 - 05:21 )
في رأيي المتواضع قصة (الفتوحات الاسلامية) الرسمية قصة مختلقة وغير معقولة لاسباب منطقية لا تحتاج الى تفكيرعميق.
دائما ما يشاع ان العرب هاجرو من جزيرة العرب واستوطونو شمالها في العراق والشام وشمال افريقيا. هذه الاشاعة في اعتقادي غير صحيحة لسبب بسيط جدا وهو: من اين اتت الجزيرة العربية بكل هؤلاء الناس ليستوطنو كل هذه المساحات الشاسعة واين اختفى السكان الاصليون ؟
كلنا يعلم ان الجزيرة العربية وحتى اجزاء شاسعة من الصحراء في الاردن والعراق وسوريا وسيناء ومصر مساحات هائلة تفتقد الى الماء والخصوبة لانتاج الغذاء ودعم استمرار الحياة وتكاثر البشر . من اين جمع محمد (ومن جاء بعده) كل هذه الاعداد من البشر ليشكل جيوش يحتل فيها نصف العالم القديم خلال مدة قصيرة جداً.
الحقيقة في اعتقادي ان ما حدث ما هو الا تفاعلات اجتماعية طبيعية وتغيرات طرأت على هذا الجزء من العالم لاسباب عديدة جدا لا يمكن حصرها لسبب ضعف فلان او قوة فلان او حاجة فلان .
تابعني من فضلك


2 - الاخ الاستاذ وليد2
na sha ( 2018 / 2 / 17 - 05:45 )
لاحظ تقارب اللغات الآرامية والعبرية والعربية مع بعضها البعض واشتراكها بكثير من الجذور وحتى الخط والكتابة والاتجاه من اليمين إلى اليسار
ولاحظ ايضا لماذا تمكن العرب من تعريب العراق وبلاد الشام والشمال الأفريقي ولم يتمكنو من تعريب الفرس والاتراك وباقي الشعوب المغلوبة؟
هذه أسئلة تحتاج إلى إجابات علمية تستند على الاركيولوجي وعلم الجينات والعلوم الاجتماعية . المسألة ليست بتلك البساطة ولا بد من مراجعة التاريخ وكتابته بطريقة علمية تكون أقرب إلى ما حدث في الواقع أما القصص والحكايات الحالية والنقل الشفاهي وعنعنته فلا يمكن أن تكون وصف لما حدث. خلط الدين مع التاريخ وتقديسهما سببا تجهيلا وتوهانا فكريا ندفع مع باقي شعوب العالم اليوم ثمنا باهضا لما الت إليه الأوضاع في الشرق الاوسط
لا حل لمشاكل الشرق الأوسط إلا بكشف كل الملابسات والمجاهيل التاريخية والإجتماعية والدينية
تحياتي


3 - الاستاذ ناشا المحترم
وليد يوسف عطو ( 2018 / 2 / 17 - 14:59 )
اسعدني حضوركم وتعليقكم على مقالتي ..

اما بعد..

اتفق معكم في التحليل لقصة الفتوحات العربية الاسلامية والتي تبدو لنا على طراز

قصص الف ليلة وليلة ...

لذا تحولت منذ فترة الى الكتابة استنادا الى الانثروبولوجيا

اتابع القراءات والفيديوات الخاصة بقصة الاسلام

ختاما اتمنى لكم وافر المودة والتقدير


4 - الصديق يوخنا دانيال من الفيسبوك
وليد يوسف عطو ( 2018 / 2 / 17 - 15:02 )
اتفق معكم تماما في تحليلكم لقصة الاسلام

متمنيا لكم وافر الصحة والمودة وكتابة البحوث والمقالات

نلتقيكم على خير دوما


5 - اول اطلس جيني لتاريخ الاختلاط البشري
حميد فكري ( 2018 / 2 / 17 - 23:43 )
تحية طيبة للسيد وليد عطو وللسيد ناشا . هناك فعلا دراسة علمية تخص موضوع تمازج الاعراق عبر تاريخ الانسان ،نشرت في المجلة العلميةالشهيرة (ساينس ) بعنوان /اول اطلس جيني لتاريخ الاختلاط البشري /.وقد ضمت اربع دول عربية ،من بينها مصر التي ،تبين ان نسبة حضور الدم /الجين العربي فيها هي نسبة 17بالماءة ، ،اما لبنان ،فالنسبة تصل فيها الى 44 بالماءة،هذه النسبة تنحدر الى 4بالماءة في تونس ،و2،9بالماءة في المغرب ،. اذن انتشار العرب ،خارج حيزهم الجغرافي التاريخي ،هو حقيقة تاريخية وعلمية ،والاسباب منها ماهو مرتبط بالغزو او ما يطلق عليه بالفتوحات الاسلامية ،،واخرى تتعلق بالهجرات .لكن مع ذلك يبقى هذا الحضور -اي العربي-ضعيف للغاية ،في التركيبة الجينية للشعوب الشرق اوسطية وخصوصا في شمال افريقيا ،،فالمغاربة مثلا ،اكثر تمازجا جينيا مع جيرانهم الاسبان ،من غيرهم العرب ،.يبقى السؤال المطروح اذن هو على اي اساس نحدد هويتنا هل على اساس جيني ،ام على اساس ثقافي ام تاريخي واقعي (التمازج الحاصل فعلا ) ؟


6 - الاستاذ1حميد فكري المحترم
وليد يوسف عطو ( 2018 / 2 / 18 - 00:56 )
اسعدني حضوركم وتعليقكم على مقالتي

اضافتك لاصل المقال تعطي لمقالتي اهمية اضافية

باعتقادي ان هويتنا هي هوية ثقافية ولا تقوم على اساس جيني والدليل ان

العراقيين فقدوا صلتهم بالسومرية لانهم لم يستطيعوا تجديد لغتهم السومرية

وعدم تطوير الحرف رغم وجود الجذور الثقافية لدى العراقيين حتى هذه اللحظة

ختاما تقبل مني وافر مودتي وتقديري


7 - العزيز وليد يوسف عطو
نضال الربضي ( 2018 / 2 / 18 - 12:37 )
تحية طيبة لك أخي وليد و للحضور الكريم،

البحث عن الإسلام التاريخي عملية صعبة جداً لأننا لا نملك مخطوطات نصية تعود إلى فترة بداية الإسلام مفتوحة للدراسة، و لا يوجد بعثات تنقيبية أثرية تدلنا على حركة المجموعات البشرية.

لا يمكن الاعتماد على الرواية الدينية لإنشاء تصور تاريخي صحيح، لأن التاريخ بطبيعته يتكلم عن حقائق عليها أدلة، و لا شأن له بتصورات أو قناعات البشر سواء التقت مع الحقائق أو افترقت.

لدينا بعض الروايات هنا و هناك تطرح أسئلة مثل: لماذا لم تدعوا جيوش الجزيرة الغازية الشعوب للإسلام؟ لماذا كانت الجزية تؤخذ من الذي يتحول إلى الإسلام و قد صار مسلما ً ليس عليه جزية، حتى منعها عمر بن عبد العزيز؟ كم عدد الجيوش الغازية و كيف تمكنت من السيطرة على هذه المناطق الشاسعة بهذه السهولة؟

كما أننا يجب أن نسأل أنفسنا:
كيف تحولت لغة بلاد الشام إلى العربية من اللغات الأخرى التي كانت سائدة؟
أم أن العربية الحالية التي بين يدينا ليست إلا لغة متطورة عن تلاقي السيريانية و الآرامية و العربية القديمة؟ و سيلقي هذا الضوء على النص الديني ليفجر مفاجأت تقلب القناعات السائدة.

هذا الجهد لم يبدأ بعد.
دمت بود!


8 - تصويب
حميد فكري ( 2018 / 2 / 18 - 13:13 )
الدراسة ضمت مايناهز 12 مجموعة عربية،وليس 4.لكنني اردت الاشارة الى 4فقط كمثال .
مع الاعتذار الشديد .
وتحية للجميع


9 - الاخ نضال الربضي المحترم
وليد يوسف عطو ( 2018 / 2 / 19 - 14:46 )
استمتع بقراءة الابحاث الحديثة واليوتيوبات حول نشؤ الاسلام مثل برنامج صندوق الاسلام للباحث حامد عبد الصمد

كتبت عن جميع هذه المواضيع والتساؤلات ..

استعرضت جانبا من كتاب الباحث الفلسطيني الدكتور سليمان بشر ....

( مقدمكة في التاريخ الاخر :نحو قراءة جديدة للرواية الاسلامية وابحاث عدد من المستشرقين

وكتاب ميخائيل الكبير حول نشؤ الاسلام .بحسب مااورده ميخائيل الكبير والاكتشافات الحديسثة فان كلمة محمد ومسلم ظهرت بصورة متاخرة ولم تكن معروفة

في مقالي القادم اقدم وجهة نظر باحث يعارض هذه النظرة واختلف انا معه بان البيزنطيين حاولوا تحقير العرب المسلمين باطلاق لقب السراسنة عليهم

لازالت الابحاث حول الاسلام في بدايتها

ختاما لكم وافر الود والتقدير اخي نضال


10 - الاستاذ حميد فكري المحترم
وليد يوسف عطو ( 2018 / 2 / 19 - 15:51 )
شكرا على التوضيح

لكم مني وافر المحبة والتقدير والاحترام

اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي