الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سد النهضة ومأزق الأمر الواقع

محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)

2018 / 2 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


اقام معهد الدراسات الافريقية والاسيوية ندوة بقاعة الشارقة بالخرطوم في الثالث عشر من فبراير الجارى تحت عنوان ”سد النهضة وآثاره المائية والاقتصادية على اثيوبيا والسودان ومصر“؛ وتجئ الندوة في إطار الاهتمام المتزايد الذى يوليه السودانيون للآثار المترتبة على قيام السد.

تباينت أراء الخبراء المتحدثين في الندوة حول الآثار المائية والاقتصادية والبيئية للسد الإثيوبي على السودان، وضاعت الفرصة للوصول لاتفاق "شعبي" حول ما يمكن عمله لصون حقوق السودان المائية وسلامة أراضيه وساكنيها، على خلفية أن السد أصبح أمراً واقعاً بعد أن أكملت إثيوبيا بناء 70% من إنشاءاته. فإثيوبيا تعمدت منذ البداية الشروع في بناء السد بدون مشورة السودان ومصر اللتين تتأثران مباشرة من قيامه.

جاء الموقف المؤيد لقيام السد مغالٍ في تقديره للفوائد التي يرفدها السد على السودان؛ فأين دراسات الجدوى التي تدعم الفوائد المائية (تنظيم انسياب مياه النيل الأزرق) والاقتصادية ( الكهرباء الرخيصة) وعدم مخاطر فنية وبيئية قد ترجع لتصميم السد. وتشبُث المدافعين عن هذا الموقف بآراء لا تدعمها الطريقة التي اتبعتها إثيوبيا في تشييد السد، لم ولن يساعد في بلورة رأى صحيح من الموقف الذى على السودان اتخاذه خدمة وحماية لمصلحته. كما أن الركون إلى أن السد لن تكون له سلبيات على السودان يسلب البلاد المقدرة على تعزيز موقفها التفاوضي في أي محادثات قادمة. فما زالت هناك سانحة لما يكمن عمله في مضمار مراجعة الاتفاق المبرم مع إثيوبيا بما يحمى الحقوق المائية للسودان ومصر.

إن إجراءات التخطيط والشروع فى تنفيذ سد النهضة الإثيوبي جانب إعدادها التقيد بالقواعد المهنية السليمة؛ وتمثل هذا في منهجية غير احترافية (unprofessional) ولا تلائم أى مشروع ناهيك أن يكون المشروع بحجم سد النهضة العملاق.

والفقرة التالية تشتمل على العيوب المنهجية فى دراسات جدوى قيام السد وخطة تنفيذه، أوردها كاتب المقال في مقال سابق بعنوان” سد النهضة: غموض الإتفاق الإطاري.... بؤس الدراسات -21 ابريل 2015“:

1. تجاهل العوائق (encumbrances) القانونية-العرفية الدولية التى تحدد إستعمال مياه الانهار الدولية والانتفاع بها الذى تجلى فى إنكار إثيوبيا لحق دولتى السودان ومصر، اللتين يمر عبرهما النيل الازرق، فى المشاركة بطريقة مناسبة فى عملية دراسة وتنفيذ المشروع.
2. قصور دراسات الجدوى وعدم الشفافية حيال السودان ومصر فيما يتعلق بتفاصيلها؛ فقد عكس تقرير فى مايو 2013 للجنة الخبراء، التى أنشأتها إثيوبيا بالاتفاق مع مصر لمراجعة دراسات السد، أن دراسات السد الفنية والبيئية وتقويم المخاطر (risk assessment) ناقصة وتفتقد للعمق وتحتاج لمراجعة وتحديث فى ضوء معلومات جديدة تحصلت عليها اللجنة. وتجدر الإشارة الى أنه لا يوجد مؤشر الى أن تكلفة إنتاج الكهرباء من سد النهضة ستكون أدنى مقارنةً بخزان أقل حجماً نسبياً، وهذا يُعزى لرفض إثيوبيا إطلاع الاطراف المعنية بالوثائق الخاصة بالدراسات المالية والإقتصادية التفصيلية للمشروع.
3. عدم إكتمال الخطة المالية لتنفيذ المشروع بعد أن أحجمت مؤسسات التمويل الدولية عن تمويل السد، نتيجة للنزاع الدائر حوله، وفقدانها لشروط التمويل الميسرة لتلك المؤسسات لجأت إثيوبيا الى إستجلاب القروض التجارية من الصين وإصدار سندات حكومية محلية للإكتتاب العام للجمهور، وجاء معظم الإكتتاب عن طريق إلزام البنوك التجارية المحلية على شراء السندات. وحتى هذه اللحظة غير معروف .... ما إذا كان قد أثر فقر المصادر المالية على جودة المستلزمات الضرورية لبناء السد من معدات ونظم تكنولوجية.
4. فى التنفيذ لجأت إثيوبيا الى دفع الاطراف المتأثرة بالسد والمموليين لقبول المشروع، بالمواصافات التى حددتها بنفسها، إعتماداً على سياسة الامر الواقع. فلم تكن إثيوبيا جادة فى إشراك السودان ومصر فى إنشاء السد إذ لم تطلعهما على خططها ليس فقط عندما كان المشروع فكرة، بل حتى بعد البدء فى تنفيذه الذى فاجأت به العالم فى 2011. وهذا التصرف، تنفيذ المشاريع بسياسة الأمر الواقع، يجافى كل ما هو متعارف عليه فى إعداد وتنفيذ المشاريع. فليس غريباً المشاركة فى ملكية أو تمويل المشاريع تحت التنفيذ ولكن هذا يكون فى حالة المشاريع ذات الجدوى الفنية والإقتصادية العالية التى تستجيب لما يتوقعه الذين يمكن أن يشاركوا فيها. وعليه فإن المشاركين المتوقعين لن يشاركوا بحكم الأمر الواقع فى أى مشروع بل بالفائدة التى يحققها لهم. إذن القاعدة هى أن أفق دراسة المشاريع لا يمكن أن يغيب عنه أثر المشروع على الأطراف الأخرى: المستهلكين، المستثمرين الآخرين، الخ. وهذه قاعدة بديهية لا تحتاج لإثبات.
5. إن الشروع فى بناء السد على أساس دراسات ناقصة يجعل إحتمال قيامه على اسس غير سليمة كبيراً، كما أن التصرف الأحادى فى تنفيذه وبشكل مبتسر، على اساس الأمر الواقع، يفتح الباب أمام فوضى إستخدام مياه النيل مما يؤدى لأضرار مدمرة على الدول المشاطئة للنهر.“- إنتهى.

وهكذا فإن الخلل في دراسات المشروع الفنية والاقتصادية ودراسات الأثر البيئي (environmental impact assessment) لا يدعم الافتراضات الإيجابية المتعلقة بجوانب المشروع. وعليه نرى أن الجدال حول إيجابيات وسلبيات السد فيما يخص السودان لا معنى له في هذه المرحلة النهائية من اكتمال العمل في بناء السد والتهيؤ لتشغيله. وأقصى ما يمكن إنجازه، في هذه المرحلة، لوقاية السودان من أي اخطار متوقعة نتيجة لقيام السد، الوصول مع إثيوبيا لإطار قانونى تتم فيه مراجعة بعض بنود” إتفاق إعلان مبادئ حول سد النهضة الاثيوبي بين السودان وإثيوبيا ومصر - مارس 2015“بهدف:

* تقييد إثيوبيا من القيام باى إجراء تهدف من ورائه إستخدام السد لمنع تدفق إنسياب المياه في النيل الازرق خارج ما هو متفق عليه في المادة 4 من الإتفاق (بضمان مناسب).
*مراجعة الاتفاق حول تشغيل السد باشراك السودان ومصر يشكل فعال في الاشراف على عمل السد إذ أن المُتفق عليه في المادة 5 من الاتفاق- إنشاء آلية تنسيقية مناسبة بين الدول الثلاثة فيما يخص إدارة المشروع -لا يمنح الدولتين القدر الضرورى من مراقبة إدارة السد.

-----------------
** أدناه البندين 4و5 في " إتفاق إعلان مبادئ حول سد النهضة الاثيوبي" المشار إليهما في الفقرة الأخيرة من المقال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة جديدة من برنامج السودان الآن


.. أطباق شعبية جزائرية ترتبط بقصص الثورة ومقاومة الاستعمار الفر




.. الخارجية الإيرانية: أي هجوم إسرائيلي جديد سيواجه برد إيراني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي حانين وطير حرفا جنوبي لبنان




.. إسرائيل وإيران لم تنتهيا بعد. فماذا تحمل الجولة التالية؟