الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاربة حداثية للتراث *

احسان طالب

2018 / 2 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هل حقا ما ترك الأول للآخر شيئا وهل سد أفق البحث وأغلقت أبواب الاجتهاد وصار منتهى الإبداع هو الإتباع و التقليد ؟. مازالت إشكالية مزج الموروث ومنجزه الحضاري داخل حركة نهضوية إصلاحية تجديدية متعذرة الحل، بعيدة المنال دونها ركام هائل من القراءات الظرفية والوصاية التاريخية ، تسور التطلع نحو نهضة مؤسسية تقبل البحث النقدي والتحليل النصي التاريخي ضمن سياقات معرفية علمية مفتوحة الآفاق حيادية النتائج تتسق مع التقدم والتطور العلمي الفلسفي في إطاره الإنساني المحض.
تتحرك الأفكار و النظريات داخل الكيان البشري وفق ديناميكية اجتماعية، واعية وكامنة تتداخل عوامل شتى في صياغتها وصنعها، يقف على رأس تلك العوامل في المجتمعات المرهونة لماضيها ولتاريخ منجزها الحضاري القديم، الموروث السلفي الحي المحرك والمحرض لغالب توجهاتها وتطلعاتها الفردية و الجمعية. من هذه الزاوية كانت المقاربة الحداثية للتراث مسألة حيوية لا مفر من الخوض فيها بهدف تخطي الآثار الغير مرغوبة للارتماء في أحضان الوهم بامتلاك مستلزمات الريادة وأسباب السيادة.
ولعل التفكير الايجابي الخلاق عنصر عمادي لتلك المقاربة المأمولة، وأول محفزاته الرغبة الداخلية في الخلق و الإبداع و الإتيان بجديد ، ولا تتولد تلك الرغبة إلا من خلال الثقة الذاتية بالنفس والإقرار بوجود أمر يحتاج لحل أو قضية مازالت عالقة لم يقدم لها الآخرون القدر الكافي واللازم من الطرح والمعالجة ، على المستوى الشخصي ـ الفردي ـ و المجتمعي على حد سواء .
عندما نقول بأن الأولين سبقونا في كل شيء وما ترك السلف للخلف شيئا يرتد ذلك سلبا وقيدا يثقل التفكير ويقعده عن البحث والتطلع المبدع الخلاق، ولا يفهم من معارضتنا لتلك المقولة الشائعة الضرب عرض الحائط بالمنتج المعرفي المنقول أو الإعراض عنه؛ بل هي دعوة للاستفادة منه والاتكاء عليه والانطلاق نحو آفاق التجديد و الابتداع . فالثقة المطلقة بالأسلاف تبعث على زيادة الثقة بالنفس وهي من عوامل التفكير الإيجابي إلا أنها تتحول إلى عامل مرضَيّ معيق و مكبل حالما تتجاوز الفخر والاعتزاز إلى القناعة والتصديق بوصول السلف لكل الحلول والأطروحات المناسبة للماضي والحاضر والمستجد مستقبلا.، والخوف الأساس هنا هو تحول القناعة بتوفر مطلق الحق والحقيقة في الماضي إلى وهم كبير يغلف التفكير ويحرفه نحو الاستكانة والخنوع بدعوى اللاجدوى المنبثقة من التعظيم والإجلال اللامتناهي بالمبحوث والمدروس في مضارب الأقدمين والسالفين .
الوهم بامتلاك الحقيقة المطلقة والعلم الشامل والمعرفة الكلية تَحول دون التفكير الايجابي و الإبداع ، حيث ينزلق حامل ذلك الوهم نحو الإحباط والاكتئاب بسبب التناقض القائم بين القناعة الداخلية بمشروعية وصوابي وكمال ما نقله الأسلاف وبين الحاضر المثقل بأزمات وإشكالات فردية شخصية ومجتمعية ووطنية لا تساعد الأفكار المعلبة المتوفرة في الموروث على تجاوزها والنهوض من براثنها، فيغرق الوجدان بالتشاؤم و العجز، وتميل المجموعات إلى الانخراط في مشاريع اجتماعية إحيائية يربطها التشدد والتعصب.
ويشكل النزوع الفعال لإشغال الفكر وتحريضه وتحفيزه للتوق نحو التفاؤل والثقة بالقدرة على الإضافة والتجديد حافزا عقلانيا ونفسيا نحو الاستفادة من المهارات والإمكانات الفردية والمجتمعية المتاحة، مما يجيز فسحة من الأمل والتفاؤل المباح بالقدرة على المساهمة الفاعلة بمشاريع معرفية واجتماعية تنويرية.
في هذه البيئة الفكرية والنفسية والاجتماعية تدور فصول كتابنا سعيا وراء إضافة جادة نأمل منها السير خطوة إلى الأمام على طريق النهضة والتغيير .
*مقدمة الطبعة الأولى من كتابي العدل والنساء إشكالية النص .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة