الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأستاذ الدكتور في السجن بدون محاكمة ما يدل على أنه سجين أفكاره:

محفوظ أغ عدنان

2018 / 2 / 19
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


انقضى اليوم التاسع عشر، ولا يزال الدكتور طارق رمضان حبيسًا في زنزانة (Fleury merogis) بلا قرينة تدين الرجل، مع إصرار على ما يبدو من حرمانه من أبسط حقوقه كسجين تحت الاستجواب على ذمة قضية ما، نتيقن من تلفيقها، وإلا فلماذا لم يسمح له حتى الآن بالمثول أمام المحكمة.
ويطرح التساؤل الواضح نفسه، إذ كيف يزج بإنسان إلى السجن قبل محاكمته؟! دون أن تُطرف عين العدالة الفرنسية التي تتشدق بالعدالة وإقامة الحقوق والحرص على الحريات وحقوق الإنسان مهما كان دينه او عرقه أو جنسه!!
أود في مطلع الحديث أن أشير إلى أن الدكتور طارق رمضان ليس رجلاً موصومًا بأي عار من قبل، فالرجل يعمل أستاذًا بجامعة أكسفورد، ومشهود له بمواقفه اليسارية الداعمة للمستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها والمناهضة لكل صور الاستعمار قديمه وجديده، وكذا الامبريالية الدولية التي لا يهمها غير مصالحها فقط، ولا تُخفى مواقفه الإنسانية عبر تاريخه الطويل في مجاله العلمي أو الدعوي.
لقد تابعت مناقشات الدكتور رمضان منذ أكثر من عشر سنوات، وكان لقاء تليفزيوني شاهدته على اليوتيوب يرجع تاريخه إلى تسعينيات القرن المنصرم، ناقش فيه الفترة الاستعمارية للجزائر مع أكاديمين وصحفيين وسياسيين فرنسيين، وفضح الدكتور طارق خلال اللقاء الجرائم التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية في مستعمراتها السابقة ولا سيما الجزائر ومن بعدها مدغشقر.
لقد استرعى انتباهي في ذلك اللقاء قول أحد المناقشين بأن فرنسا لديها أعداء من الداخل، وكانت أصابع ذلك الرجل تتجه نحو الدكتور طارق رمضان في اتهام صريح ومُبطن في نفس الوقت، بغرض النيل من الرجل بعد ما كان منه في ذلك اللقاء بما يدين الدولة الفرنسية الاستعمارية.
توالت اللقاءات مع الدكتور رمضان في التلفاز الغربية عموما والفرنسية بشكل خاص وبطريق أكثر بعد ذلك اللقاء، وخلال ما تلا من لقاءات ناقش فيها سياسيين (من بينها شخصيات يمينية كالرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا سركوزي) وأكادميين وصحفيين وغيرهم ممن يهتمون بالشؤون الأفريقية والإسلامية، وسطع نجم الرجل في الإعلام الأوربي بشكل عام، وبات حديثه ملء الأسماع في أوربا بأسرها.
ويجدر التذكير بأن ما تناوله رمضان في محاضراته ولقاءاته العامة جاء على رأسها قضية الإسلام في أوروبا على أساس أنها أيضًا دار إسلامية، وأن الإسلام ليس متناقضًا مع الديمقراطية والحضارة العصرية، بل كان الرجل يدعو مسلمي أوربا إلى أن يساهموا في تلك الحضارة الغربية العصرية كمواطنين أساسيين لا كمواطنين من الدرجة الثانية. لعل ما أحدثه من حراك في الوسط الأوربي، وفي معالجة قضايا الإسلام الأوربي، هو ما حدا بفئة من المثقفين الفرنسيين المعارضين لطارق أن يجعلوا منه إرهابيًا (وهو بعيد عن ذلك) واستماتوا في محاولة ربط أفكاره ودعواه بالأحداث المؤسفة التي حدثت في فرنسا كأحداث شارلي الأسبوعية وباتكلان. واتهموا طارق بأنه يؤيد الإرهابيين لأنه لم يقل "أنا شارلي"، ولم يشفع له إدانته للحادث الإرهابي وإعلانه تبرأ الإسلام من هؤلاء على موقعه الرسمي العملي، وأدان بشدة تلك الأحداث المؤسفة، وصرح بأن الاسلام بريء منها، وكرر ذلك مرارًا وتكرارًا أنه يدين العملية الإرهابية ضد شارلي إيبدو، ولكنه لم يقل "أنا شارلي".
ومما يُذكر أنه تمَّ الكشف عن أن هندا عياري اشتغلت في تلك الصحيفة الأسبوعية مما يزيد الشك في كل ما حدث، ويدعو إلى الطرافة حول الأمر كله.
اشتُهر عن طارق رمضان دعوته ومحاولاته المتكررة للتحرير الفكري وما أسماه بـ"وضع معالم محددة لتحرير الوعي الإسلامي المعاصر" وإسلام يدعو إلى "الإصلاح الجذري"، كما أطلق عليه في كتابه، بدلاً مما يسميه الفرنسيون بـ"الاندماج" لأن مصطلح الاندماج يعني بأن هناك أجنبي مختلف يندمج مع ثقافة المختلف، في حين أن رمضان يريد أن يقول: المسلمون في أوروبا مواطنون مثلهم مثل المسيحيين واليهود وغيرهم.
إن التحرر الفكري، هو السبيل الوحيد الذي يمكن أن يخرج مسلمي الغرب بشكل عام وأوروبا بشكل خاص من "الوضعية الدفاعية إلى رؤية أكثر انفتاحًا وأكثر شمولية ومصداقية" وكل ما يتعلق بذلك من القيام بأعمال ثقافية وفنية وفكرية لها طابعها الإسلامي وهويتها الأوروبية-الغربية، ويرى مثلاً عدم ترك الفن كالموسيقى مثلاً، ومن ذلك دعوته لصديقه كات ستيفنس ( يوسف إسلام) بالعودة إلى فن الموسيقى بعد أن توقف الأخير عن أدائها منذ إعلان إسلامه ظنًا منه حرمتها، واللافت أن الأخير رجع إلى الفن من جديد وبنظرية جديدة متأملاً فيها جمالياتها وروحانياتها، مسترجعًا طاقاته وقدراته الإبداعية التي كان يتمتع بها في سنوات السبعينيات.
تكثر كل يوم الأدلة في عقلي وأمام المنطق الذي أحترمه، وكلها دلائل تشير إلى أن القضية المفترية على الدكتور طارق رمضان ما هي إلا سياسية بحتة قام بها أعداؤه، لأنهم لم يتمكنوا من النيل منه أثناء المناقشات منذ أكثر من عشرين عامًا، ففبركوا هذه الحادثة الرخيصة. وإلا فكيف يتم زج الرجل بالسجن قبل محاكمته؟! وهذا الافتراء يمكن أن يساعد فيه بعض المسلمين الذين يرون من طارق أنه "خارج عن دائرة الإسلام أو على الأقل أنه يتساهل مع ثقافة الغرب" وهو ما عليه جل السلفيين. ولا يمكن أن ننسى أيضًا معارضة طارق رمضان لأنظمة العالم الإسلامي كما هو الحال في مصر والسعودية ودول أخرى وهو ماجعل الإعلام العربي والمصري منه أكبر ما يقول عن طارق رمضان أنه حفيد حسن البنا، علمًا أن رمضان ليست له أدنى علاقة بالإخوان المسلمين في مصر، بل كان ممن نقد حكمهم لمصر.
ومما سبق أدعوا كل أحرار العالم ومن بينهم الفرنسيين الذين ما زالوا يعتقدون بالعدالة وبحرية التعبير، أدعوهم للقيام دفاعًا عن الدكتور طارق رمضان، وذلك دفاعًا عن المبادي الإنسانية التي تدعي فرنسا أنها تدافع عنها. فعلى الأقل هذا ما درسناه في المدارس حول الثورة الفرنسية، إذ تربينا وتعلمنا على أن الدفاع عن مفكر وإصلاحي يؤمن بالتعددية الثقافية والتعددية العرقية، واللتان لا يمكن العيش إلا بالقبول بهما، ويرفض العنصرية وكراهية الأجانب والإسلامفوبيا، وهو ما يؤكده قول رمضان في هذا الصدد:
"لقد ركزت على أربعة فروع من المعرفة في كتابي من أجل فلسفة تعددية لاستيعاب الآخر، والتي يجب على المدارس الوطنية أن تتصالح معها وهي: التاريخ الذي أشرتم إليه آنفا، والفلسفة؛ بحكم أنها تدعو إلى البحث وفهم جوهر الأشياء، وتاريخ الأديان، لأنه لا يمكن تجاهل دراسة المعتقدات وتطلعات المجتمعات في عالم يشهد تعددية ثقافية، إضافة إلى الفن لكونه تعبيرًا عن العلاقة مع الذات المبنية على أساس الخيال والإبداع."
يا كل أحرار العالم حان الوقت لتنتصروا للمباديء التي تنادون بها، وإلا سينال الجميع عار سيلاحقهم حتى آخر العمر. يا أحرار العالم ساهموا في نصرة الحق والعدالة في استرجاع للرجل حريته التي منع منها ظلما وعدوانا. يا من تقتنعوا في مبدأ: المتهم بريئ حتى تثبت إدانته ارفعوا أصواتكم لنصرة رجل تم سجنه لأنه دعم في كل تاريخه القضية الفلسطينية، ورفض احتلال العراق وليبيا وأفغانستان والتواجد الغربي في أفريقيا متمثلا في قواعد عسكرية استعمارية وشركات عملاقة تستخرج خيرات دول العالم الثالث تاركة مجتمعات تلك الدول تموت جوعا أذكر شركة اليورانيوم (أريفيا) في النيجر وتوتال في مناطق متعددة في العالم الثالث. أليس صاحب هذه المواقف يستحق الدعم ولو بكلمة؟؟!
ومن هذا المنطلق ومن مبدأ انساني أعلن وأؤكد تأييدي اللامشروط للأستاذ الدكتور طارق رمضان مع قناعة كاملة من براءته كبراءة يوسف عليه السلام من تهمة امرأة عزيز مصر، بل إنه سجين آرائه التي لا يقبل بها النخب السياسية في أوروبا والغرب.
أنا طارق رمضان، أنا مع كل سجين سياسي سجن للحد من آرائه النيرة التي لا تعجب الظلاميون والديكتاتوريون والصهاينة واليمينيون المتطرفون ومن على شاكلتهم من أعداء التعدد الفكري والأيديولوجي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص