الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عفرين وحسابات القوى المتصارعة

صالح بوزان

2018 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


إن دخول قوات تابعة للنظام السوري إلى عفرين باتفاق بين قوات وحدات حماية الشعب الكردية منعطف جديد في الأزمة السورية. هناك العديد من التقارير والتقديرات العالمية أشارت مؤخراً إلى أن الأزمة السورية ستزداد حدة في المرحلة القادمة. خصوصاً أن الصراع تحول بكامله إلى صراع روسي ـ أمريكي، وتركي- كردي، وايراني- اسرائيلي. القوى السورية المختلفة على الأرض بما في ذلك الجيش السوري غير قادر على حسم الأمور. فالأزمة السورية أصبحت أزمة دولية، وتاريخ الحل يحددها اللاعبون الكبار. الذين يتهجمون على هذه الاتفاقية، خصوصاً من جهة الائتلاف السوري المعارض والمجلس الوطني الكردي ومن يتبعهما مباشرة أو غير مباشرة من النخب السياسية والثقافية كانوا يرغبون أن تبقى عفرين منعزلة حتى يتمكن الجيش التركي وميليشيات ما تسمى بالجيش الحر من احتلالها.
عند دراسة ملابسات هذه الحرب الغادرة على عفرين نستطيع أن نبرز أهم الوقائع التالي التي أدت إلى هذا الاتفاق بين وحدات حماية الشعب والنظام السوري:
1- الشعب الكردي في سوريا ومع جميع قواه السياسية بدون استثناء كان على قناعة في بداية الثورة أن اسقاط النظام بالقوة العسكرية الداخلية غير وارد. وهذه كانت قناعة المعارضة السورية أيضاً. لذلك وضعت المعارضة آمالها على أمريكا لإسقاط النظام بالقوة العسكرية. تجنب الكرد الدخول مع النظام في مواجهة عسكرية، وبعض المناوشات التي كانت تحدث هنا وهناك بينهما كانت تأتي من جانب الجيش السوري وليس من جانب المقاتلين الكرد. الهجوم الذي حدث على المناطق الكردية جاء من قبل ما كان يسمى بالجيش الحر ومن ثم من قبل المليشيات الاسلامية الجهادية المختلفة، ولا سيما من قبل القاعدة وداعش.
2- من أهم الاستراتيجية السياسية التي وضعتها قوات حماية الشعب الكردية منذ البداية، أن الشعب الكردي يريد العيش في سوريا ديمقراطية فدرالية موحدة. فهي مع الحل السلمي لتغيير النظام. ولهذا تجنبت فتح أي صدام مع الجيش السوري. ومن ناحية أخرى صرحت منذ البداية أنها ضد فكرة الانفصال من أي طرف كان. وخلال سنوات الحرب الأهلية في سوريا، برهنت هذه القوات أنها قوة كردية وطنية. لم يأت موقفها هذا لأسباب تكتيكية أو لإخفاء نوايا مضمرة، بل كانت القوة الوحيدة التي تشكلت خلال الأزمة السورية كقوة سورية وطنية تحمي أجزاء من الوطن. وبما أنها كانت كذلك فمن واجبها الوطني تحرير المناطق التي يسيطر عليها داعش والميليشيات التكفيرية. وهذا ما فعلت على أرض الواقع.
3- منذ الدخول الروسي عسكرياً إلى سوريا، برز صراع بين روسيا وأمريكا على الأرض. سعت القوات الكردية عدم الدخول في هذا الصراع. لذلك وجدناها تتعامل مع روسيا وأمريكا على قدم المساواة. وللحقيقة لم تفرض أمريكا على القوات الكردية أن تصطف معها ضد روسيا أو ضد النظام السوري. لكن الروس حاولوا التأثير على القوات الكردية لتقف معها ضد أمريكا. فقدمت في البداية مقترحات مغرية حول حقوق الشعب الكردي في سوريا. لكن القوات الكردية لم تقع في الفخ الروسي. وعندما وصل الروس إلى قناعة أن هذه القوات لا تريد أن تصطف معها ضد امريكا، دخلوا في بازار رخيص مع تركيا. لاحظنا كيف قدم الروس جرابلس والباب لتركيا ضد إرادة الحكومة السورية وضد إرادة القوات الكردية. وعندما وصل الروس إلى قناعة أن كل ذلك لم يؤثر على استراتيجية القوات الكردية سمحوا لتركيا باجتياح عفرين.
3- لا توجد حتى الآن ملامح لحل الأزمة السورية لدى اللاعبين الأساسيين، لا داخلياً، ولا اقليمياً ولا دولياً. وبالتالي جميع الأطراف السورية تسعى لتقوية موقعها في مفاوضات الحل النهائي. أدركت وحدات حماية الشعب الكردية أن تركيا وروسيا تسعيان لإضعاف الكرد على طاولة المفاوضات القادمة، وكل طرف لأهداف خاص به. يريد الروس من وراء هجوم تركيا لعفرين إضعاف أمريكا والكرد معاً في سوريا، وربما لخلق شرخ في تحالفهما شرق الفرات. أما تركيا فلها هدف واحد وهو ألا يحصل الكرد على أية حقوق في سوريا المستقبل.
4- كانت تقديرات وحدات حماية الشعب أن المجتمع الدولي، في حال استمرار الحرب على عفرين لمدة أطول، سيتحرك لوقف هذه الحرب. الجميع يعلم، ولا سيما أمريكا والدول الغربية، أن هجوم تركيا على عفرين تم بتحريض وموافقة روسيا فقط. كان متوقعاً أن يلعب وزير خارجية أمريكاً دوراً ملموساً لفرض وقف الحرب على عفرين في زيارته الأخيرة لتركيا، لأنها تجري لصالح الروس ضد أمريكا في سوريا. لكن أمريكا لم تجد لها مصلحة في تأزيم العلاقة مع تركيا أكثر مما هي عليها، بسبب عفرين. فهي مازالت تسعى لاحتواء تركيا لكي لا تنزلق أكثر باتجاه الروس. ولهذا اضطرت وحدات حماية الشعب البحث عن بدائل أخرى.
5- كما نعلم، في كل الحروب المصيرية تبحث الأطراف المتحاربة عن حلفاء لتقوية جبهتها القتالية. لا تستند هذه التحالفات دائماً على اتفاقيات استراتيجية، بل تجري التحالفات في الغالب حول أمور الحرب بالدرجة الأولى. وهذا ما كان وراء الاتفاقية التي جرت بين الاتحاد السوفييتي والمانيا النازية عشية الحرب العالمية الثانية. لا تستطيع أية جهة عقد اتفاقيات مع جهة أخرى دون تقديم بعض التنازلات.
6- المعارضة السورية بجميع تشكيلاتها تتفاوض مع النظام للوصول إلى حل مشترك. وإذا عدنا إلى مقترحات هذه المعارضة لحل الأزمة السورية في بدايات الثورة ومقارنتها مع مقترحاتها الراهنة نجد أنها تخلت عن الكثير من مقترحاتها السابقة. وإذا كان المجتمع الدولي في البداية وقف إلى جانب المعارضة السورية، فالداعم الرئيسي لها اليوم انحصر بتركيا. لكن تركيا خلال السنوات الأخيرة انحرفت 180 درجة في موقفها من النظام. تركيا تقبل اليوم ببقاء النظام ورأس النظام، وتبيع المعارضة بالتقسيط على الأرض وفي المؤتمرات الدولية بأرخص الأثمان. كل ذلك من أجل تحقيق الهدف الوحيد الباقي لديها، وهو حرمان الكرد من أية حقوق في سوريا.
7- الملفت للانتباه أن المعارضة السورية تتفاوض مع النظام في كل المؤتمرات الخاصة بسوريا بتوجيه مباشر من تركيا. وتركيا هي التي تحدد لها ماذا تقول وماذا تطلب. ولم تقبل هذه المعارضة قطعاً أن يشارك حزب الاتحاد الديمقراطي في هذه المؤتمرات، وأيضاً بتوجيه من تركيا. وبالتالي من حق حزب الاتحاد الديمقراطي أن يتفاوض مع النظام وإيجاد القاسم المشترك بينهما، دون وصاية من أحد، وبعيداً عن أية جهة أجنبية. خصوصاً بما يتعلق بالقضية المصيرية الراهنة في عفرين والتي تتعرض لهجمة بربرية من قبل تركيا وميليشيات المعارضة السورية .
8- كانت مقاومة أبطال عفرين كشعب وكمقاتلين ملحمية، وتم صد أقوى جيش في الشرق الأوسط لمدة شهر كامل ومازال. لكننا نعلم أن عفرين محاصرة بالكامل، وهي منطقة صغيرة، ولا توجد أية جهة تمد المقاتلين بالسلاح الضروري، وبالتالي فاحتمال تدمير تركيا لعفرين بالطائرات والصواريخ والمدفعية الثقيلة وارد. وهنا يبرز موضوعية تصرف حزب الاتحاد الديمقراطي بهذا الاتفاق العسكري مع النظام، رغم كل ما نعرفه عن طبيعة النظام السوري ما مارسه خلال السنوات السبع.
9- جميع الكرد على قناعة كاملة لو دخل الجيش التركي وميليشيات المعارضة السورية الاسلامية إلى عفرين سيؤدي إلى نهب عفرين بالكامل، وإلى تغيير ديمغرافي واسع، وإلى فرض واقع اجتماعي غريب على الشعب الكردي في عفرين، مما يعني فرض فكر رجعي وسلوك سلفي على الشعب الذي تحرر من هاتين الآفتين تاريخياً. لو نظرنا إلى حالة الشعب السوري الراهنة من خلال مقاطع الفيديو والقنوات التلفزيونية في المناطق التي تسيطر عليها مختلف المليشيات الاسلامية وميليشيات ما يسمى بالجيش الحر نجد وكأننا ننظر إلى الشعب الأفغاني في عهد الطالبان. فقط في المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب وخاصة في المناطق الكردية تجد نهضة ثقافية واجتماعية ولا سيما بروز دور المرأة. ففي هذه المناطق نجد التآخي القومي والديني والمذهبي.
10- يتصرف الروس في سوريا كمستعمرين وليس كما ادعوا أنهم جاؤوا للحفاظ على الدولة السورية ووحدة أراضيها. فكما قدم الاستعمار الفرنسي لواء اسكندرون هدية لتركيا في القرن الماضي، قدم الروس جرابلس والباب إلى تركيا بدون إرادة الشعب السوري، وبدون موافقة النظام السوري أيضاً. والآن أرادوا تقديم عفرين أيضاً لها. علينا أن ندرك إذا لم يُجبِر الروس تركيا على الانسحاب من سوريا في النهاية، فلن يستطيع لا النظام السوري الراهن ولا أي نظام قادم إخراج تركيا منها. وفي كلا الحالتين ستفرض تركيا بعض أجنداتها على الوضع الداخلي السوري قبل الانسحاب. من هنا تدخل هذه الاتفاقية بين وحدات حماية الشعب والحكومة السورية في خانة الوطنية السورية بغض النظر عن مستقبل هذه الحكومة ومستقبل وحدات حماية الشعب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجرب التاكو السعودي بالكبدة مع الشيف ل


.. لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس




.. بعد 200 يوم.. كتائب القسام: إسرائيل لم تقض على مقاتلينا في غ


.. -طريق التنمية-.. خطة أنقرة للربط بين الخليج العربي وأوروبا ع




.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: حزب الله هو الأقوى عسكريا لأنه م