الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفارقات ومفترقات ما بين قيادتين ومرحلتين تاريخيتين (السوفيتية والروسية)

عبد الله أبو راشد

2018 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


مفارقات ومفترقات ما بين قيادتين ومرحلتين تاريخيتين (السوفيتية والروسية)
عبد الله أبو راشد*
لعل السؤال الكبير والمهم الذي يطرح نفسه في ظل التحولات الجذرية في السياسات الخارجية ما بين الاتحاد السوفيتي السابق، ومنظومة دولة، والدولة الروسية بقيادة فلاديمير بوتين. ما الذي تريده القيادة الروسية في ظل ولايته الرئاسية، من ملفات كثيرة ساخنة في العالم ومحيطها الجغرافي والعربي، لاسيما الملف السوري في سياستها الخارجية؟ والإجابة عليه يفتح أفاق كبيرة من الرؤى والتحليلات السياسية ومحاولة الفهم الحقيقي لسياستها الخارجية في أبعادها الواقعية والاستراتيجية.
ومن المفارقات الكبرى للدولة الروسية "بوتين" وبالمقارنة مع ما سبقها من منظومة دول الاتحاد السوفيتي بسياساته وأيديولوجياته. هو ذلك التحول اللافت والمُثير للدهشة، في الموقف والسلوك العملي، لدرجة الانقلاب الصارخ عما سلكته الدولة السوفيتية في سياساتها الخارجية، وعلى امتداد عقود من الزمن في مواقفها المعروفة والمؤيدة للدول النامية لاسيما منطقتنا العربية، ودورها الداعم والمشهود في نصرة الشعوب والثورات. وهي مفارقات ومفترقات مرافقة ليوميات نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين، والتي كان بدايتها تفكك دول الاتحاد السوفيتي إلى دول مستقلة، واحتفاظ روسيا البيضاء بحقها ومكانتها في هيئات الأمم المتحدة ومجلس أمنها بشكل خاص. والتي أتاحت مثل هذه التحولات للدولة الروسية ما بعد تفكك المنظومة السوفيتية في أن تلعب دوراً سياسياً حيوياً يحفظ لها مصالحها، وعلى قدم المساواة مع الدول الكبرى في مجلس الأمن والولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً. وما حملته رياح التغيير السوفيتية من وصول (فلاديمير بوتين) لسدة الرئاسة الروسية ولعدة دورات وولايات. والتي أمدته الظروف الدولية المواتية، لاسيما المواكبة لصحوات الربيع العربي عموماً والقضية السورية بشكل خاص، بأسباب شديدة الخصوصية في تدخله السياسي والعسكري المباشر في المسألة السورية، وبسط قواته البحرية والبرية والجوية في الأراضي السورية، وبناء قواعد عسكرية ومرتكزات انطلاق عسكرية وسياسية، والتي أعطه المدد السياسي لأخذ زمام المبادرة، وسد الفراغ والتفاهم مع الأصدقاء والخصوم التقليدين، وفي لعب دور وظيفي مرسوم في المسألة السورية.
حيث اتخذت سياساته الدولية الخارجية، سياسة مغايرة ومتناقضة تماماً عن سلفها في الحقبة السوفيتية، التي كانت نصيرة الشعوب الفقرة والثائرة على حكامها ومحتليها، ومحاولة سد الفراغ لتغدو الدولة الروسية دولة احتلال أشد قسوة من الاحتلالات التي شهدتها سورية في تاريخها القديم والمعاصر. وانتقالها السياسي والأيديولوجي من أقصى اليسار الثوري الاشتراكي المتوازن، إلى اليمين الرأسمالي الربوي غير الموازن. وأمست روسيا في ظلال قيادة (بوتين) أشبه بعصابة ومافيا دولية للإتجار بالمواقف والأسلحة والمرتزقة وقتل الناس الأمنين. تؤثر مصالحها الخاصة دون أية نوازع أخلاقية وقيمية، وهذا ما نشهده في جّل ممارسات القيادة الروسية الحالية وقواتها الميدانية والمشهودة في الساحة السورية. وأصبحت روسيا (بوتين) كدولة احتلال ووصاية، هي القائد الفعلي لما يجري في سورية من وقائع وأحداث، ولم يُخفي الرئيس الروسي مواقفه وافتخاره من خلال تصريحاته الصحفية الشائنة بحق سورية والسوريين، باعتبارها مكان اختبار مناسب لفعالية أسلحته جيشه المدمرة والقاتلة للشعب السوري وحقول تجارب ليس إلا. وهذا الموقف في حد ذاته يعكس حقيقة النوايا المعلنة للتواجد الروسي العسكري والسياسي. ويشي بحقيقة وجوده الفعلي والعملي على الأراضي السورية، ويعكس المخفي والمعلن من أهداف استراتيجية تسعى إليها الدولة الروسية، ندرجها اجتهاداً كرزمة من الأهداف الاستراتيجية غير المعلنة، وفق ما يلي:
- رغبة الرئيس "بوتين" وطواقكم حكمه العودة إلى الثنائية القطبية كما كانت عليه أيام الاتحاد السوفيتي السابق، كدولة عظمى ونداً للولايات المتحدة الأمريكية. ولكن بروح وذهنية مغايرة لما سبق، وبعقلية جديدة ومنفتحة على الحفاظ على المصالح. وهذا ما قاله الرئيس (بوتين) أكثر من مرة: (إن حل الاتحاد السوفيتي "كارثة جيوسياسية كبرى" في القرن العشرين). وفي عام 2010، قال بوتين أيضا: "من لا يتأسف على تفكك الاتحاد السوفيتي فهو بلا قلب، أما مَن يريد استنهاضه بشكله السابق فهو بلا رأس".
- تطلعات بوتين لكسب مزيد من الشعبية داخل بلاده، وبالتالي ضمان فترة رئاسية إضافية، انطلاقاً من الشعبية التي اكتسبها إثر تدخله في أوكرانيا حيث بلغت نسبة شعبيته 80% وهي نسبة لم يصل إليها رئيس قبله، وهو يأمل تكرار هذا المكسب من خلال سوريا تحت مظلة محاربة مخاطر الدولة الإسلامية.
- اعتبار تاريخي لمكانة سوريا في الحقبة السوفيتية وموقعها كحليف استراتيجي لها من خلال الحرب الباردة، فقد كانت هناك حركة انتقال لعشرات الآلاف من الروس لسوريا وفي المقابل كانت سوريا ترسل بعثاتها التدريبية والدراسية للاتحاد السوفييتي، وتشير التقارير الصحفية عند اندلاع ثورة الكرامة السورية في 2011، ثمة تواجد نحو ما يقارب من100,000 روسي مقيم في سوريا.
- تريد روسيا أن تتخذ من سوريا موطئ قدم ثابت لها في الشرق الأوسط وبذلك تضمن إطلالة بحرية على البحر المتوسط وحدود برية مشتركة مع كل من تركيا و"إسرائيل" ولبنان والعراق والأردن.
- الإفادة من الخيرات الطبيعية من طاقة ونفط وثروات زراعية وحيوانية وسواها، وتسخيرها لخدمة المصالح التجارية الحيوية للشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة الروسية ورأس المال متعدد المنافع.
- دعم نظام "الأسد" يتوافق مع تطلعات "بوتين" لأن تصبح روسيا قوة عظمى في المنطقة في مواجهة الغرب وسقوط نظام الأسد يعني فقدان روسيا للقاعدة العسكرية الوحيدة خارج روسيا منذ فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي.
- تحقيق مكاسب سياسية للدولة الروسية داخل أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتعزيز مكانتها ونفوذها وتحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية السياسية والدبلوماسية والعسكرية من خلال انشاء قواعد عسكرية لها في السواحل السورية وداخلها.
- اعادة النظر في أنماط تشكيل التحالفات وفق معايير المصالح والمنافع المتبادلة مع الحلفاء، يضمن له الاستمرار في سياساته الجديدة في المنطقة العربية وسورية تحديداً من خلال البوابات التركية والصهيونية وبعض الحلفاء العرب.
- جعل تدخل القوات العسكرية الروسية بجميع تشكيلاتها القتالية والجوية في سورية، مجرد عروض تجارية أعلانية مجانبة وترويجية، وتسويقية لمعامل الأسلحة الروسية، والسعي لكسب العديد من الزبائن من تجار الأسلحة للدول والحكومات والأحزاب ومن مختلف البلدان. وتؤكد المقاربات الواقعية للخبراء الروس في تقديراتهم حول تكلفة خوض حروبهم في سورية بقولهم: (إن العملية العسكرية الروسية في سوريا لم تكلّف أكثر من نصف مليار دولار، بينما روّجت روسيا عبر حربها هذه لبيع صفقات سلاح بما تجاوز ستة مليارات دولار مع نهاية عام 2016).
- وجودها الميداني داخل سورية منحها الحق في الأفضلية للتحدث باسم النظام السوري وحلفائه من قوى أهلية ومدنية وممثلي أحزاب المعارضة السورية الموالية، وتشكيل حصانة سياسة داعمة لبقاء الرئيس السوري "بشار الأسد" حاكماً لسورية بالرغم من سنوات الحرب المريرة.
- بلوغ مستوى من التنسيق السياسي والأمني والعسكري مع القوى الفاعلة في المسألة السورية بدءاً بالولايات المتحدة الأمريكية مروراً بالكيان الصهيوني وتركيا وإيران، وصولا للمعارضة السورية في تحقيق جملة من المصالحات والتسويات في المناطق السورية الساخنة، تحت سقف خفض التوتر والقتال.
- لعب دور سياسي في عقد مؤتمرات برعايتها من أجل حلول سياسية للمسألة السورية التي تُبقي الرئيس "الأسد" في موقعه الرئاسي في أية تسوية أو انتخابات سورية محلية.
- السعي وبالتنسيق مع الحلفاء لبناء منطقة عازلة ضد الجهاديين المتطرفين على حدودها الجنوبية، تصدير الأسلحة والطاقة النووية، تقوية نفوذها وترسيخ مشروعها في الشرق الأوسط حيث المياه الدافئة، التنافس مع الغرب – خصوصا في الآونة الأخيرة – لتوسيع نفوذها بين الطوائف المسيحية الإقليمية”.
*باحث فلسطيني سوري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة