الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقلانية والليبرالية وواقعنا الاجتماعي والثقافي!؟

سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة

(Salim Ragi)

2018 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


(مناقشة فكرية لمن يهمه الأمر ..!)
*********************
العقلانية منهج حياة، منهج حياة على مستوى الافراد وايضًا على مستوى المجتمعات!، فكما يُوجد فرد عقلاني متعقل ينظر للأمور بعقل واع رشيد ويتصرف بعقلانية، وفرد غير عقلاني، عاطفي اندفاعي أو غريزي!، كذلك توجد مجتمعات عقلانية ومجتمعات غير عقلانية ، والمنهج العقلاني هو ما ينتج الانظمة القانونية والسياسية والاقتصادية والادارية الراشدة كترتيبٍ وتطبيق عقلاني للقيم الإجتماعية وكتنظيم عقلي للمجتمع والدولة ناتج عن التعقل واستخلاص العبر من التجارب السابقة، لكن يجب ان لا ننسى ان (الواقعية) هي من اركان العقلانية، والواقعية تتطلب منا مراعاة واقع الناس وثوابت وثقافة وخصوصيات وهوية كل مجتمع ومراعاة الفروق بين الثقافات!، فالمجتمعات الغربية مثلًا هي مجتمعات (ليبرالية مسيحية) تطبق العلمانية والليبرالية بدرجاتٍ مختلفة ومتفاوتة حسب واقعها ووفق ثقافة وخصوصية كل مجتمع أوروبي، ولهذا اختلفتِ اشكال النظم السياسية بينها رغم انها جميعًا تدور في فلك مبادئ الديموقراطية والليبرالية بمسافات مختلفة، بل أن ليبرالية بريطانيا وامريكا في موقفها من الدين تختلف عن ليبرالية فرنسا وسويسرا ، الليبرالية والعلمانية البريطانية والامريكية وُلدتا في حضن المسيحية بالذات البروتستانتية فيما فرنسا وُلدت ليبراليتها وعلمانيتها في عداءٍ تام مع الكنيسة والدين والملكية وتأثرتْ سويسرا بهذا النموذج الذي تمخض عن الثورة الفرنسية التي كان أحد شعاراتها الثورية: (اشنقوا آخر ملك بامعاء آخر قسيس!!)، لهذا تلاحظ أن العلمانيين في العالم العربي المتأثرين بالنموذج الفرنسي لديهم موقف سلبي من الدين!، بخلاف من تأثروا بالعلمانية والليبرالية البريطانية والامريكية تجدهم في وفاق مع الدين!، فكيف اذا كان هذا العلماني وقبل ان ينقلب لليبرالية الفرنسية كان شيوعيًا متأثرا بالمعسكر الاشتراكي السابق المنهار!!؟، فعلمانيته ستغدو أحيانًا أشبه ما تكون بعلمانية أتاتورك خصوصًا إذا كان لديه موقف من (العروبة) فقد تمتزج علمانيته بتشدده القومي الشعوبي ضد العرب لتشكل عداءً للاسلام ذاته باعتباره من مُلحقات العرب!..... عمومًا الشاهد ان العقلانية تستوجب علينا الاستفادة من تجارب وأنظمة الشعوب المتقدمة ولكن ليس بطريق الاستنساخ (فتوكوبي) والتقليد الأعمى!، بل بتعقل ووعي وحكمة، لهذا لابد للعقلاء عند سعيهم لحل مشكلات واقعهم الاجتماعي والوطني من مراعاة الفروق الثقافية والخصوصيات الاجتماعية، فلكل مجتمعٍ مشكلاته وخصوصياته.
***
الليبرالية هي ((فلسفة وثقافة اجتماعية ومنهاج حياة يعني بتقديس حرمات وحقوق وحريات الفرد الشخصية وملكيته الخاصة وحمايتها من تغول الدولة وتعسف الجماعة والمؤسسة الدينية ومن تطفل وتدخل الافراد الآخرين)) ، هذا هو أساس الفلسفة الليبرالية ، فهذا مبدأ عام وفي تقديري هو لا يتناقض مع الاسلام، ولكن تطبيق الليبرالية يختلف من مجتمع الى مجتمع بل من زمان لزمان ، فتطبيقات الليبرالية في بريطانيا وامريكا غيرها في فرنسا وسويسرا مثلًا.... كذلك الديموقراطية بشكل عام ومن حيث المبدأ هي ((جملة من المبادئ والمؤسسات المُراد توفرها لتحقيق ارادة وسيادة الشعب)) ولكن تختلف المجتمعات والدول في تطبيقاتها للديموقراطية وشكل نظام الحكم الراعي لهذه الديموقراطية بين انظمة حكم ملكية وانظمة حكم جمهورية، وبين أنظمة جمهورية رئاسية وأخرى جمهورية برلمانية وثالثة جمهورية بين بين!! ، بل إن تطبيق الليبرالية في بريطانيا حتى الستينيات يختلف عنه في وقتنا الراهن ، فمثلًا حتى اواخر الستينيات كان (الشذوذ الجنسي/اللواط والسحاق) أو ما بات يُعرف بـ(المثلية!!) امرًا ممنوعًا ومُجرَّمًا يعاقب عليه القانون البريطاني للفاعل والمفعول به فهو كان يومذاك امرًا لا يدخل ضمن (الحقوق والحريات الفردية والتعاقدات الشخصية الحرة المقدسة) التي تستوجبها الليبرالية وتقدسها، ولهذا وجدنا - ووفق هذه القوانين المجرِّمة للممارسة الجنسية الشاذة - تمت محاكمة ومعاقبة عالم الحاسوب البريطاني (آلان ماثيسون تورنغ) رغم دوره الكبير في فك شفرة الالمان في الحرب العالمية وتم اخضاعه بحكم قضائي للمراقبة والعلاج الطبي بالهرمونات ليموت بعد ذلك عام 1954 منتحرًا !!، فبهذه الصرامة كانت الديموقراطية الليبرالية البريطانية بنظامها القانوني والقضائي وحتى وقت قريب تواجه ظاهرة الشذوذ الجنسي!، ثم هاهي باتت في زماننا من المُباحات الداخلة ضمن الحريات الشخصية المقدسة!!، هل كانت بريطانيا في الخمسينيات ليست دولة ديموقراطية ولا ليبرالية!؟ أم أن تطبيقات مبادي الليبرالية والديموقراطية قد تختلف من مجتمع الى آخر بل وقد تختلف في المجتمع الواحد من زمان الى آخر!؟ وقد تتأثر احيانًا بالمزاج العام بل وربما بقدرة الاقلية المنظمة والنشطة والذكية في الديموقراطية على ممارسة الضغط أو الاغراء على النواب من أجل تبديل القوانين خصوصًا في ظل عزوف أغلب الشعب عن المشاركة السياسية حيث في واقع الديموقراطية قد تتمكن جماعة ضغط منظمة ونشطة من فرض مطالبها في ظل سلبية الشعب/ الناخبين(*)!!؟؟ ، ثم – وهذا هو الأهم هنا - هل يمكن تصور اباحة الشذوذ الجنسي مثلًا في مجتمع مسلم كالمجتمع الليبي بدعوى الليبرالية والديموقراطية وحقوق الإنسان!؟؟ فضلًا عن تقنين زواج الشواذ!؟؟، هذا امر مستحيل ومطلب غير معقول وغير مقبول وغير واقعي بالنسبة للمجتمع الليبي المسلم وبالنظر إلى ثوابته وخصوصياته على الاقل والا فإن قناعاتي الشخصية أن (الشذوذ)(**) غير معقول وغير مقبول بالنظر الى فلسفة الحياة وقوانين (الطبيعة الأم) ذاتها، فهو يظل شذوذًا وانحرافًا عن القانون الطبيعي ينبغي معالجته لا القبول به بله واعتباره أمرًا طبيعيًا (!!!؟؟؟) فلو سايرنا رغبات الشاذين والمنحرفين جنسيًا بدعوى الحرية الشخصية علينا أن نبيح امور اخرى كممارسة الجنس مع الأطفال الذين لم يبلغوا سن الرشد (18 عام) واباحة الشذوذ مع البهائم بل واباحة ممارسة (الساديّة والمازوخية) واعتبارها رغبات طبيعية تتم بإتفاق الطرفين!!.
***
الشاهد ان العقلانية تستوجب مراعاة الواقع الاجتماعي والثقافي والجغرافي والديموغرافي حينما تنطلق لبناء نظام قانوني وسياسي لأي مجتمع ، وهكذا فإن ليبراليتنا وديموقراطيتنا العقلانية التي ندعو اليها في ليبيا - ومع اتفاقها من حيث المبادئ والاجراءات العامة مع كل المجتمعات الليبرالية والديموقراطية - الا انها ستختلف عنها في بعض النواحي التطبيقية العملية بسبب الفوارق الثقافية والخصوصيات الاجتماعية بين مجتمع ديموقراطي وآخر ، أي ستتأثر بهوية وثوابت وخصوصيات المجتمع الليبي (المسلم) وهذا هو عين العقلانية وعين الواقعية في التعامل مع المشكلات الاجتماعية ، وهذا ما تقتضيه العقلانية والواقعية وهو ما ندعو اليه النخب الليبية المثقفة والسياسية (العاقلة) و(الراشدة) للتفكر فيه بجدية وواقعية و.. بعقلانية ! ... مع خالص تحياتي.
*********
سليم الرقعي 2018
(*) رغم تمكن الشاذون جنسيًا (المثليون) من تنظيم صفوفهم والنشاط بالفاعلية في بريطانيا حتى انتزاع قوانين لصالحهم من البرلمان الا أن هذا لا يعني ان الشعب البريطاني او غالبيته تحترم المثليين او راضية عن تشريع المثلية!، الواقع الاجتماعي يقول غير ذلك كما لمستُ بنفسي في عدة مواقف!، ولكن هناك ثغرة نفذت منها جماعة ضغط المثليين للجهاز التشريعي وهي عزوف أغلبية الناس عن المشاركة السياسية من جهة ومن جهة عدم مبالاة من يشاركون بغير مسألة الضرائب وتوفير الخدمات الاساسية للمواطنين كالصحة والتعليم والسكن وغير ذلك من الأمور المعيشية، فاغلب المواطنين غير مهتمين بالقضايا الاخرى حتى بات الامر يمر بطريقة (دعه يفعل!، دعه يمر، فهو حر وأنت حر!) ، وهو مبدأ على موافقته لليبرالية والحرية الفردية الا أنه إذا ترك بلا قيود ولا حدود قد تكون عواقبه وخيمة على مصالح وسلامة المجتمع الإنساني العامة على المدى البعيد و .... العميق!!.

(**) لست ضد المثليين كبشر من حيث المبدأ فلهم كامل الكرامة الانسانية ولا يجاوز إهانتهم بل إنني والله في أعماقي قد أتعاطف معهم لأنني أدرك أنهم ضحايا خلل ما ، خلل في أجسامهم أو أنفسهم أو تربيتهم أثناء الطفولة أو تعرضهم لحوادث مؤسفة!، فضلًا عن الفساد الأخلاقي الذي يضرب مجتمعاتنا المعاصرة!!، ومع ذلك فإن قناعاتي الشخصية أن ما بت يُعرف بـ(المثلية) ليست أمرًا طبيعيًا بل هي ميول وسلوك خلاف الطبيعة أي شذوذ عن المسار الطبيعي للحياة والجنس، وقد يكون تزايد واستفحال هذه الظاهرة في عصرنا هو من سلبيات ومخلفات حضارتنا المأزومة والمفلسة روحيًا والمفككة اجتماعيًا بل والملوثة صحيًا وغذائيًا (!!) فاتساع رقعة المثلية حالها حال انتشار ظواهر مرضية وسلبية أخرى في عصرنا كالمخدرات والارهاب المتستر بالدين أو القتل الجماعي للناس بدون هدف معين كما يحصل في المدارس وظاهرة الإكتئاب و الانتحار والمتاجرة بالأطفال وغيرها من الاختلالات الاجتماعية والاعتلالات النفسية التي تعكس أعراض لمرض عميق وخطير أصاب مدنيتنا وحضارتنا الراهنة!، وسأنقاش موقفي من المثلية في مقالة خاصة بكل صراحة وبالفلسفة والعلم وبعيدًا عن الدين والقوانين!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية توقف رجلاً هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإير


.. نتنياهو يرفع صوته ضد وزيرة الخارجية الألمانية




.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط