الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مكائد الحركة الإسلامية لإجهاض الثورة السودانية الثالثة

تيسير حسن ادريس

2018 / 2 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


المبتدأ: -
قام وسقط المشروع الحضاري المبشر به دون أن يدري الشعب عن كنه شيئا، وبحث المواطن عن بيض دجاجته ولم يجد، وترقب صياح ديكه ربع قرن من زمان الغيبوبة فلم يُؤَذَّنْ لصلاة أو فلاح.
والخبر: -
(1)
يصعب على المراقب لوقائع الشأن السوداني الراهن الفصل بين اجتماع رئيس النظام مؤخرا بمجموعة من كبار ضابط الجيش الإسلاميين، وحضور الأستاذ علي عثمان للقصر واجتماعه بالرئيس على انفراد، والترتيبات الوظيفية الأخيرة التي عادت بمدير جهاز الأمن السابق صلاح قوش إلى منصبه من جديد بعد أن عزل من منصبه عام 2009 ثم سجن من بعد في نوفمبر 2012م على إثر اتهامه بالوقوف وراء محاولة انقلابية؛ فجميع هذه الوقائع تأتي متسلسلة في اتساق وسياق يدعم التحليلات السياسية التي تنظر لها على أساس أنها الخطة (ب) التي أعدتها الحركة الإسلامية تحوطا، وتم الاتفاق على تنفيذها حالما ادلهمّت خطوب الحراك الثوري الذي يطرق عصفه أبواب الخرطوم، وقد اكتمل تخلقه على مهل، ويسير سيرورته التاريخية المعلومة السمات لبلوغ مقصده بلا عجل.
(2)
سير الأحداث وتسارع وتيرتها تثبت صحة ما أشرنا إليه في المقال السابق (الجنرال ما بين الهبوط الناعم والاضطراري) عن المساعي الحثيثة المنخرط فيها رئيس النظام والطاقم المقرب منه في الحركة الإسلامية لوضع ترتيبات مواجهة المد الجماهيري الغاضب والمتصاعد، الذي يكاد يبلغ مداه الثوري في أجواء من انسداد الأفق السياسي والاقتصادي في البلاد، وعلى الرغم من ضعف المعارضة المنظمة، البادي للأنظار، إلا أن الحركة الإسلامية قد باتت على قناعة من عدم قدرتها وضعف حيلتها تجاه حل الازمة السياسية والاقتصادية الطاحنة التي تعصف بالبلاد، وهي ترى كرة لهب الأزمة المعيشية تكبر وتفتك بالمواطن دون أن تتوافر تحت يدها أي حلول للحد منها، أو التخفيف من آثارها المفزعة، فقد ضرب سوس الفساد جميع مرافق الدولة الحساسة، وفقدت فعليتها في التعاطي العقلاني المتزن مع مثل هذه الأزمات، وهو مؤشر يشير بوضوح لاقتراب انفجار الشارع حتى ولو غابت عنه المواعين المنظمة؛ لذا نرى أن إستراتيجية النظام لاحتواء هذا الوضع قد انحصرت فقط في تسخير آلته الإعلامية لتقليل من قيمة حراك أحزاب المعارضة والسخرية من ضعف محاولتها، والتأكيد على صحة ما اتخذ من إجراءات اقتصادية قاسية، وفي الترتيبات التحوطية التي أشرنا إليها أعلاه، ونمضي في تفسيرها.
(3)
مع تزايد الضغط الشعبي واحتقان الشارع، وبلوغ الأزمة الاقتصادية حد انفلات الأسواق، وتدنى قيمة العملة الوطنية، أدرك النظام أن دوام تسلطه مع استمرار ذات الحال من المحال، فكان لا بُدَّ من العودة لصناعة إعادة التدوير الإخوانية الشهيرة، علَّ يكون في هذا الإجراء إنقاذ للمركب الغارق، أو تأجيل لتوقيت النُّفوقِ على أقل تقدير، وبعودة الجنرال صلاح قوش الذي عزل قبل تسع سنوات، واتهم بالوقوف وراء الإعداد لانقلاب عسكري، ليعتلي من جديد قمة آلة القمع الإنقاذوية مديرا لجهاز الأمن، تكون جميع أركان خطة التحوطات الإخوانية قد اكتملت على نار المكائد التاريخية التي وسمت تاريخ حركة الإسلام السياسي في السودان وغيره من الدول التي ابتلت بوجوده ضمن مكونات طيفها السياسي.
(4)
إذن عودة قوش تأتي في إطار الخطة (ب) التي توافقت (الجماعة) على أن تترسم خطى سيناريو إجهاض ثورة 25 يناير المصرية التي اندلعت عام 2011م، وبالعودة إلى الذاكرة القريبة، واستحضار مراحل مخطط إجهاض تلك الثورة، الذي اكتمل بتولي الجنرال السيسي مقاليد مصر، وعودة جميع قوى الثورة المضادة لتصدر المشهد السياسي من جديد، نكاد نرى في عودة الجنرال قوش الذي غادر منصبه طريدا متهما منذ بضع سنوات عمر سليمان جديد، يُبْعَثُ من لحده، وربما طنطاوي آخر في مرحلة لاحقة أشد خطرا من مراحل سيرورة الحراك الثوري السوداني الراهن.
(5)
عودة الرجل لم تكُنْ صدفةً، ولم يفرضها سوى جدارته لأداء مثل هذه الأدوار الخبيثة التي لا يتقنها سلفه؛ وذلك لسببين مهمين: أهمهما خارجي مرتبط بعلاقاته الوطيدة بالدوائر الإستخباراتية الغربية والأمريكية التي تحفظ له جميل تسليمها ملفات نشطاء الجماعات الإسلامية في المنطقة، في فترة توليه السابقة لنفس المنصب. أما السبب الآخر فداخلي ومرتبط بالأسباب التي أعلنها النظام في حينه في حيثيات اتهام الرجل قبل اعتقاله عام2012م التي ورد فيها تهمة التجسس على القصر والإعداد لانقلاب عسكري، فما المناع من عودته لذات السلوك المغامر مرة أخرى، فمن شب على طموح شاب عليه. صورة الانقلابي المغامر التي روجت لها وسائل إعلام النظام، ولا تزال عالقة بذهن المواطن السوداني، كفيلة بتغبيش وعي الجماهير؛ إذا ما اضطرت الحركة الإسلامية لتنفيذ الخطة (ب) التي ينتظر منها أن توفر مخارجة آمنة لرئيس النظام، وطاقم السلطة التنفيذية الحالي، وتعطي المصداقية والفرصة لإعادة إنتاج الذات السلطوية الإسلاموية على يد المغامر الجديد بطاقم من كوادر الصف الثاني من الشيوخ الأطهار!!
(6)
ولدقة لا بد من التأكيد على أن كيد التحوطات التي اعدتها الحركة الإسلامية اليوم لم تستقِ أفكارها من عملية الإجهاض التي تمت لثورة 25 يناير المصرية، ولكن من المرجح أن تترسم صياغها العام، أما الفكرة فوليدة عقلية الحركة الإسلامية السودانية، ونفذتها ببراعة قبل عقود من حدوث الثورة المصرية، واستطاعت عبرها إجهاض الثورة السودانية الثانية التي اندلعت في إبريل عام 1985م؛ حيث استطاعت (الجماعة) وهي المشاركة للعقود في السلطة التي انتفض عليها الشعب (نظام مايو) للعودة من النافذة بعد ما تم طردها من الباب، وبعين أسلوب (التدوير وإعادة إنتاج الذات)، ولتتضح المقاربة في ذهن القارئ الكريم ويجد أوجه المقارنة يجب وضع المشير السوداني سوار الذهب مكان المشير المصري طنطاوي، حينها يتضح أن الجنرال السيسي الذي يحكم مصر اليوم، وهو صورة طبق الأصل من الجنرال الحاكم والمتحكم في السودان منذ أكثر من ربع قرن، والفرق فقط في النكهات هذا يحكم بنكهة إسلاموية، وذاك بنكهة علمانية لكن جوهر الاستبداد واحد.
(7)
على الرغم ما يميز الحركة الإسلامية من خبث وقدرة فائقة على الكيد الأسود، إلا أنه قد فات على فطنة مفكريها هذه المرة أن تراكم تجربة الثورة السودانية لا بد من أن يكون له أثر في صياغة تفاصيل حراك التغيير المحتدم اليوم، ومن المنطقي أن تكون طلائعه قد تحسبت لأخطاء التفريط التي حدثت في التجربتين السابقتين، ومكنت قوى الثورة المضادة من الالتفاف علي اهدافهما واجهاضهما، كما لا بد أن تكون قد وضعت الحلول التي تحول دون تكرار نفس الاخطاء، وهي ترسم وتعبد الطريق لانتفاضتها الشعبية القادمة؛ خاصة وأن تيارات الإسلام السياسي التي لعبت هذا الدور المشبوه، وافتضح في الانتفاضة الشعبية عام 1985م، هي نفسها التي لا تزال تتصدر المشهد السلطوي حتى الآن. لقد نفذت الحركة الإسلامية هذا المخطط الخبيث عام 1985م ومثلت رأس رمح إستراتيجية الالتفاف والردة، وعودتها لذات الاستراتيجية مرة أخرى لإعاقة الحراك ثوري مستقبلا فيه حمق واستخفاف بذاكرة الجماهير، ولا يمكن أن يكون ذلك سهلا أو ميسرا، في ظل تراكم التجربة والخبرة الثورية وارتفع مناسيب الوعي الجماهيري في الشارع السوداني.
(8)
على الحركة الإسلامية وتياراتها التي قفزت من الغارب الغارق أن تصدق النفس، وتدع عنها التذاكي الأخرق وتكون أكثر حكمة بعد كم الكوارث والالآم التي سببتها للوطن والمواطن السوداني، وتعيد النظر للواقع السياسي بطريقة أكثر واقعية بعيدا عن أحلام المشاريع الهلامية، وجشع الانفراد بالحكم؛ هذا إذا ما أرادت أن تعيد إنتاج ذاتها من جديد في تنظيم اكثر رشد، لتبقى ضمن مكونات الساحة السياسية السودانية فقد جرت مياه كثير تحت جسر الواقع السوداني منذ 1985م، ولا بد من أن مفكري الجماعة قد لاحظوا مدى التأني والحذر الذي تقود به أحزاب المعارضة السودانية دفة حراك التغيير الحالي على الرغم من فقدان نظامهم لمشروعية البقاء والاستمرار في الحكم منذ أمد طويل، ولا بد أيضا من أن يكونوا قد اطلعوا على كم المواثيق التي انجزتها قوى المعارضة، واتفقت عليها من أجل أن يكون التغيير القادم نوعيا، وقادر على تخطي عثرات تجارب التغيير الماضية.
** الديمقراطية قادمة وراشدة لامحال ولو كره المنافقون.
تيسيرحسن إدريس20/02/2018








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينتقم لمقتل 3 من قادته وإسرائيل تحشد ألوية عسكرية ع


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يسحب اهتمام الغرب من حرب غزة




.. الأردن يؤكد أن اعتراضه للمقذوفات الإيرانية دفاعا عن سيادته و


.. رئيس وزراء قطر: محادثات وقف إطلاق نار بغزة تمر بمرحلة حساسة




.. تساؤلات حول أهلية -المنظومة الإسرائيلية الحالية- في اتخاذ قر