الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب : رؤية من الداخل (1 ) قراءة في كتاب : العرب وجهة نظر يابانية للمفكر نوبوأكي نوتوهارا

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2018 / 2 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



يعتبر المفكر الياباني نوبوأكي نوتوهارا من المفكرين اليابانيين القلائل الذين اهتموا بالثقافة العربية، ولد هذا المفكر سنة 1940 باليابان، وفي عمر 21 تسجل بمعهد الدراسات العربية، وقضى ما يزيد عن 40 سنة سفرا وبحثا وقراءة وتنقيبا في الثقافة العربية، وتميز بروح المغامرة، قرأ لنجيب محفوظ وترجم المجموعة القصصية 《عائد إلى حيفا 》 للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني عام 1969، وفي عام 1974 سافر إلى مصر وتجول في أريافها وأرياف اليمن وسورية، وسوف نعمل في هذه المقالة على تلخيص أهم الملاحظات التي سجلها المفكر نوبوأكي نوتوهارا عن سلوكات وأفكار الأفراد والجماعات في المجتمع العربي .مع وصوله إلى مصر وبالضبط إلى مدينة القاهرة لاحظ الكاتب الياباني أن سائق التاكسي لا يعطي قيمة للركاب، إذ يوصلهم أينما يريد، كما أن الموظفين لا يعطون أية قيمة للمواطنين، وقد أشار إلى أن المواطنين العرب يعانون في صمت، فهناك غياب العدالة والقمع، إضافة إلى مصادرة الصحف، والحكام يمكثون في الحكم مدى الحياة، ويقول في هذا الصدد نوبوأكي نوتوهارا أن المجتمع العربي مشغول بفكرة الواحد الخالد، فكل الثقافات التي مرت على حوض البحر المتوسط مهووسة بالخلود انطلاقا من المصريين الذين كانوا يحنطون فرعونهم حتى يظل زعيما في الحياة وما بعد الحياة، لذلك نجد في العالم العربي الحاكم الفرد المطلق يتموقع في مركز الشعب، إنه إله أرضي، فكما قدس فرعون، قدس عبد الناصر، ونجد تقديس الزعيم حتى في الأحزاب المعارضة سواء كانت إسلامية أو اشتراكية أو شيوعية أو قومية، كلها تشترك في تقديس الواحد الأحد أي الزعيم، ويلفت نوتوهارا أن العرب يحيلون كل الحوادث إلى الله، إنهم مشدودون إلى زعيم في السماء، كما هم مشدودون إلى زعيم في الأرض، إذ الواحدية تستحوذ على الذهنية العربية، فالعربي المسلم يرى أن القرآن هو الوحيد الذي ينبغي أن يقرأ وهو الوحيد الذي يتضمن الحقيقة، وهذا ما جعله تابثا في مكانه ولا يتغير ولا يتطور، عكس الياباني الذي يرى أن الحقيقة توجد في الواقع المتغير، كما أن الياباني يؤمن بتعدد الآلهة سواء في ديانة الشينتو أو في البوذية .كذلك لاحظ المفكر الياباني أن المواطن لا يهتم إلا بذاته أي بمنزله، فمجاله الخاص نظيف وأنيق، لكنه يستهتر بالممتلكات العامة كالحدائق، فيعمل على تخريبها انتقاما من الزعيم المستبد بطريقة لا شعورية، وما يؤكد واحدية المجتمعات العربية أن أفرادها لا يتضامنون مع السجناء والمثقفين المعتقلين الذين يقبعون في السجون دفاعا عن الحرية والعدالة والديمقراطية، إذ تبقى أسر السجناء وحيدة في الاهتمام بأبنائها، مع العلم أنهم كانوا يدافعون عن المصلحة العامة والوطن، ويؤكد نوتوهارا أن المجتمعات العربية تضحي بالموهوبين وبالطاقات التنويرية حتى يبقى الوضع راكنا في مكانه لا يتزحزح، عكس المجتمع الياباني الذي يكترث بأطفاله وشبابه ويساعدهم في النبوغ في توفير كل الشروط المادية والمعنوية، لأن مستقبلهم ومصيرهم يهم البلد ككل، وعلى الرغم من ذلك يرى نوتوهارا أن هناك شبابا في العالم العربي مثلهم مثل المسيح مستعدون لإنقاذ العالم، إنهم لا يختلفون في إحساسهم عن الشعور بالمسؤولية لدى العامل الياباني وهو منهمك في عمله، ورغم ذلك، فالملاحظ أن اليابان يحظى فيها المواطنون بكل الحقوق والأطفال لا يتسولون، كما نجد كثرة الحدائق، أما في العالم العربي، فنجد الأطفال يتسولون والمعلم لا حقوق له وغياب الحدائق، كما أن الجسد مقموع، إذ نجد السجين مثلا محروم من ممارسة الجنس، والمرأة الجميلة عليها بالاختباء، والجنس لعنة، وإذا كانت اليابان مطوقة بالسواد خلال المآثم، فإن فرنسا تجاوزت اليابان وصار الحزن في القلب ولا يتعلق بالمظاهر والشكليات، إلا أن اليابان تقدمت بشكل كبير على العالم العربي في مجال التربية، فاليابانيون يدرسون التربية الأخلاقية التي تعلمهم احترام أي إنسان وأي كائن أكان نط نباتا أو حيوانا وحتى الجماد، فإن العرب يرون أن معيار الحقيقة هو القرآن حتى لو كان هذا الأخير يفرق بين المسلم وغير المسلم، ويفرق بين المرأة والرجل، ويفرق بين الحر والعبد، ويميز كذلك بين الجارية والحرة، وهذا ما يجعل من النقد الذاتي مستبعدا في العالم العربي على الرغم من النكسات والخيبات وتبقى الحكومات الملكية والعسكرية جاثمة على السلطة، على اعتبار أن اليابانيين استطاعوا من خلال النقد الذاتي إبعاد العسكر وتفويض السلطة إلى الشعب، فالنظام الإمبراطوري في اليابان لا صلاحية له ورئيس الوزراء يتغير كل سنتين، بينما الحاكم العربي يبقى طول حياته في الحكم كظل للإله، والأنكى من ذلك أنه إذا خرج رئيس الوزراء عن جادة الصواب يحاكم مثلما حوكم تاناكا، لكن الآية مقلوبة عند العرب، فكما الشعب يخضع لسلطة الحاكم، يخضع العصفور لسلطة الطفل، إن القمع معمم في الأسرة والمدرسة، بل إن المواطن يبيع حتى آثار بلاده .ينتقد نوتوهارا بشدة المثقفين، إذ يرى أن المثقف سلطوي يتحدث ولا يعطي الفرصة للآخرين للحديث، ويتكلم عن الديمقراطية كتميمة لأنه يفتقدها، ويمدح المثقف السلطة مقابل النقود، كما أن المثقفين يتبادلون التهم ويشعرون بالغيرة حيال بعضهم البعض، ويقول المفكر الياباني أن اتحاد الكتاب هي صياغة لمخافر الأمن والمخابرات، وبالتالي ليست مهمة هذه الاتحادات تنوير العقول وخلق ثورة سياسية وثقافية في المجتمعات العربية، بل أكثر من ذلك أن الناشرين يسرقون أفكار الكتاب .وارتباطا بموضوع السرقة، لاحظ المفكر الياباني أن التفتيش في المطارات العربية رهيب ويعبر عن طبيعة النظام السياسي، إذ صرح أنه تعرض للسرقة في مصر والمغرب، ولا يوجد أي احترام للأجانب شأنهم في ذلك شأن المحليين، والسفارة اليابانية في العالم العربي سفارة تجارية واقتصادية ولا يهمها شؤون مواطنيها . أما في موضوع الخوف، فالعرب يخافون من الأمن والمخابرات والغريب في الأمر أنهم يقيمون للأمن مآدب كشكل من أشكال عبادة السلطة، بينما لا يخاف اليابانيون إلا من الزلزال . في الفصل المتعلق بثقافة الأنا وثقافة الآخر، يرى نوتوهارا أن الياباني يرى الآخر موضوعا، لأن الياباني أكثر انكماشا وانغلاقا، لكن الموقف السليم يحتم علينا أن نرى الآخر ذاتا حية، فالجميع يكون المجتمع الإنساني، وبالتالي يقتضي فهم الآخر من خلال التجربة المباشرة، إلا أن الواقع يكشف اضطهاد الطوارق وضياعهم بين عدة دول وهي الجزائر ومالي والنيجر وليبيا وتشاد، إضافة إلى استعمار اليابان لكوريا والصين، بلاشك أتفق مع نوتوهارا، وأطرح هذا السؤال: هل تنسى الكوريات العنف الجنسي الذي مارسه اليابانيون على أجسادهن خلال الحرب العالمية الثانية؟ وهل ينسى أطفال الصين ذلك الجندي الياباني الذي تبول في فم الطفل الصيني عقب احتلال منشوريا سنة 1931 ؟ إننا كلنا نتحمل المسؤولية يقول نوتوهارا، ومسؤوليتنا تتجلى في ألا يتكرر ذلك فيما بعد .وفي الموضوع نفسه يتطرق نوتوهارا لرواية 《 الأمل لا يموت 》 للكاتبة الأمريكية فيدا نبكي التي تحدثت عن الملابس التي قدمت للاجئين الفلسطينيين، إذ لا تتناسب مع ثقافتهم، وبالتالي إن احترام الآخر ليس تقديم المساعدة المادية إليه، بل احترام ثقافته، ولا ينبغي تشجيعه على التواكل، وإنما يجب منحه حقه للنهوض حتى يشعر بالكرامة.وقبل أن نختم مقالتنا، نشير إلى أن المفكر الياباني لفت إلى أن البيت العربي مفتوح دائما ويتميز بالكرم، بينما البيت الياباني عديم الكرم . كما يشير أيضا إلى تميز اللغة العربية على اليابانية في مفهومي القضية والوطن . لكن بودنا أن نناقش نوتوهارا، على اعتبار أن اليابان نجحت في النهوض وحققت قضيتها ووصلت كذلك إلى قضية الوطن الأم الرؤوف والذي يحترم المواطن ويعطيه الثقة ويحترمه كإنسان. لهذا السبب تلاشى هذان المفهومان وبقي مطروحين في العالم العربي لأنهما لم يتجسدا على أرض الواقع، ففلسطين مازالت مغتصبة والشعوب مقهورة من لدن حكامها ورجال الدين يسطون على العقول إلى جانب الزوايا في مغربنا العربي الكبير .

ع ع/ 22 فبراير 2018/ الدار البيضاء - المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah