الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسئلة ربع الساعة الأخير !

محمد القصبي

2018 / 2 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الداخل يمور بأعاصير المشاعر ..وفي أحوال مثل هذه.. يعدو القلم فوق أوراقي بسرعة ألف كلمة في الثانية..
لكني الآن.. أتطلع إلى أوراقي عاجزا عن اختيار خطوي الأول !
بدءا كتبت : اليوم.. تغمرني ذكرى ميلادي الخامسة والستين بعبقها..
توقفت ..أهي بالكلمات الأصوب في التعبير عن الحدث ..تغمر..عبق ؟! لاأظن ..بل يقينا لا..
أي عبق تغمرني به ذكرى ميلادي وأنا في ربع الساعة الأخير ؟!!
محوت ما كتبت..
فبم أبدأ ؟ خيارات شتى تتقافز أمام عيني .. على شاكلة :
تداهمني ذكرى ميلادي الخامسة والستين ..
تروعني ..
تلطمني ..
تصفعني ..!!!
وفي فترة ما من الرحلة كنت اراه خطأ شائعا .. القول "عيد ميلاد فلان "..أي عيد هذا حين تطفح أدغال المجهول بكائن بائس ..يمضي مكابدا ..معذبا ..حتى يصل إلى المحطة الأخيرة ؟!!! ..العيد بهجة ..فأي بهجة في ذلك ..؟ حينها كانت صفحات تشارلز ديكنز في قصة مدينيتين تشكل جدران باستيل مزنزن أنا بداخلها ، ولا أرى الحياة سوى رحلة من سجن الباستيل إلى ساحةالكونكورد ، ليكون آخر ما يرى المرء نصل المقصلة !
..الحياة ..الوجود الانساني كله مجرد مقلب ..نولد ..لنموت ..ومابين المحطتين الملتبستين بألاف الأسئلة ..يمضي المحكوم عليهم بالإعدام رحلة المكابدة ..ألم يقل سبحانه وتعالى في سورة "البلد " : وخلقنا الانسان في كبد"..
حينها وما كنت قد جاوزت العشرين من عمري كانت جدران الداخل ترتج تحت وطأة صيحة : لماذا ؟ أي عائد يجنيه الله ..حين يلقي بي في مجاهل الدنيا لأمضي العمر كله في مكابدة ؟! وهل الله سبحانه في حاجة إلى عائد ..لأي شيء .. وهو الكمال كله ؟!!
لكن في مرحلة لاحقة ..أدركت أن الأمر كله ليس بتلك العبثية ..الله العلي القدير أنعم علينا دون كل كائناته بالنعمة الأعظم ..الجائزة الكبرى ..العقل ..وبالعقل جعلنا من الرحلة -حتى لو كانت من سجن الباستيل إلى المقصلة - ذات معنى ..بالعقل أنار الانسان الكوكب ، وفي حين آت كواكب أخرى بالعلم ..بالمعرفة ..أمر لاقبل لكل الكائنات الحية به ..وحده الانسان فعله ..بنى وشيد وجابه -حتى جبروت الطبيعة من أعاصير وزلازل وبراكين- ..وانتصر
في عصر النهضة الأوربي غالى العلمانيون وقالوا : الانسان سيد الكون !
نعم ..الانسان سيد الكون ..فقط بما أنعم به الله عليه ..العقل !
أول مرة استقل طائرة ..كان في 27 ديسمبر عام 1979 أذهلني ما أرى عبر النافذة ..ثمة صحاري جرداء تطفح بوحشة العدم ..تنزاح رهبتها من دواخلي بفيض العمران عبر المدن ..مدن تبدو كالرياض ..كالواحات .. داخل هذه الصحراء ..لو كان الانسان مثل باقي الكائنات معدوم العقل ..ماذا كان الحال اليوم وبعد اليوم ؟..كوكب كئيب ..حتى بأنهاره وبحاره ومحيطاته وغاباته ،العقل ..نعمة الله على الانسان خصب الصحاري القاحلة بفيوضات الحياة الجميلة.
منذ 25 قرنا قال أرسطو " " إن طبيعة الإنسان ليست فيما ولد عليه ، بل في الغاية التي ولد من أجلها " ..والغاية التي ولد من أجلها أن يعمر الكون ..وأظنه نجح ..
نعم ..ثمة قوى شريرة تحارب الوجود الجميل ..ثمة مظاهر شتى للقمع والاضطهاد والجور ..لكن بقاء الانسان حتى الآن ..وانبثاقات عقله ..من مصانع ومزارع ومدارس وطرق وسدود وموانيء ومطارات ومستشفيات وجامعات ..برهان على أن صناعة الخير هي التي انتصرت ،هي التي جعلت للرحلة عبقا ورونقا ..حتى لو كانت العروس ، المنتقمة .."هكذا كانوا يطلقون على المقصلة" تترقبنا في نهاية شارع ...
لوكانت الغلبة للشر كما يردد البعض لما كنت أكتب سطوري تلك وما وجدت الحوار المتمدن ،وماكان متلقين لما أكتب !
ماكان الانسان !!
لذا في ذكرى ميلادي ..ميلادك ..ميلاده ..ميلادها ..لاينيغي أن نزنزن نشاطنا في إطفاء الشموع ..
..بل أن نلتفت إلى الخلف ..ونوقد ما ينبغي أن يكون الأسئلة الحتمية :
- هل طوال رحلتي ألحقت الأذى بأحد ؟
- هل أهملت في الوفاء بواجبات مواطنتي في هذا البلد ؟
- هل خلفت ورائي أسرة تعاني من عوار سوء مازرعت في أفرادها ؟
- هل فتحت ثقوبا في جدران أحد..وأخذت ما ليس لي ؟
- هل قلبي ..معتمة دواخله بذرة كراهية لآخر ..لآخرين ؟
إن كانت الإجابة بنعم ..فمازال في الرحلة متسع.. لإعادة هيكلة وجودنا الانساني .. لنكون خيرين ..
-نطهر القلب من عتمة الكراهية ..
-نعيد ماأخذناه وليس لنا .
- نبني ولو طوبة في صروح الوطن.
-نكافح لإزالة كل طوبة نخر فيها سوس الفساد " وأظنها الأشق.. تلك الأخيرة "
نعم ..مازال أمامنا متسع من الوقت حتى لوكنا في ربع الساعة الأخير..لنوقع اتفاقية سلام ..مع الله ..مع النفس ..مع الوطن ..مع الآخر .
.......................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س