الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوح في جدليات – 29 – بعض خواطري - 7

نضال الربضي

2018 / 2 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بوح في جدليات – 29 – بعض خواطري - 7

21
----------------------
و ظل المصطفى
المختار الحبيب
الذي كان فجرا ً لذاته
يترقب عودة سفينته في مدينة أورفليس أثنتي عشرة سنة
ليركبها عائداً إلى الجزيرة التي ولد فيها
----------------------
(بداية كتاب: النبي، لجبران خليل جبران)

نبيُّ جبران لقبه المصطفى، و هو لقب لكِلَي: يسوع الناصري و محمد بن عبدالله، لكنه يختلف عنهما في أن َّ وحيه من داخله، فهو فجرٌ لذاته، منها يتلقى النبوءة، و هي التي تُرسله، و باسمها يتكلم، و يسيرُ بحسب ِ إلهامها.

جبران مُتأثِّرٌ بنيتشه و كتابه "هكذا تكلم زرادشت"، كلاهما يطردُ تلاميذه من حضرته، يشجعهم على أن يفارقوه، على أن يجدوا وحيهم من داخل ذواتهم، حين يصيرون دوافع لأنفسهم، و قنوات تأويل لكلِّيتهم. و عندئذ ٍ يكون معهم، فقط حين يصبحون أنبياء أنفسهم و مصادر إلهام ذواتهم، أي حين يمتلِئون من حكمة الالتقاء ِ مع طبيعتهم البشرية.

إنَّهُ يُصرِّح في كلماته، و من خلال المفردات التي يستخدمها بالهدف الحتمي لوحي الذات و الامتلاء بحكمة الطبيعة البشرية، أي بـ: الأخوة البشرية و الحب الإنساني الجامع، و يدلُّنا على الثلاثة ِ في اسم مدينة انتظاره: أورفيليس.

أور: في اللغات القديمة تعني أرض.
أُوردن (الأردن) : أي الأرض المنخفضة،
أورراك (العراق): أي الأرض المنبسطة،
أوراشليم (القدس): أي أرض السلام.

فيليس: لفظ ٌ يعني الحب (الأخوة، الصداقة) و مدينة أورفيليس هي: أرض الحب، أرض المحبة، أرض الأخوة، أرض الصداقة.

نبيُّ جبران هو نبي ُّ أرض الحب، الذي يريد ُ أن يصير كل البشر أنبياء ً و أصحاب وحي ٍ و تأويل ٍ، لأن وحيهم مصدره طبيعتهم البشرية التي تتقد بالمحبة التي يقول عنها أنها: تعطي من ذاتها، و لا تُعطي إلا ذاتها، لأنها كل شئ، و بذلك فهي تُعطي كل َّ شئ، من كل شئ إلى كل شئ، إنها المحبة المتفاعلة مع ذاتها في داخل نفسها و التي تنبثقُ في النفس البشرية المشتركة عند جميع البشر.

نبيُّ جبران هو واحد ٌ بين إخوته و أخواته الأنبياء و النَّبيَّات الذين و اللواتي هم و هُنَّ فجر ٌ لذواتهم و ذواتهنَّ، في أرض المحبة.

محبَّة جبران صعبة
تطحن أنبياءهم و نبيَّاتها لتجعلهم:
كالثلج أنقياء

في محبة جبران تتحد النفوس البشرية و تعلو الطبيعة الإنسانية المشتركة ليصبح كل البشر واحداً،
هذا نريده
هذا حق
إنه صعب،
لكن الطريق ليس ما يجبُ أن يسنَّ القانون، إنما القانون يتحدَّدُ ثم يأتي الطريق إليه، و القانون هو:
الإنسان هو المقدس الأول.

فلنجد الطريق إلي هذا!


22
"ليملاً كل واحد منكم كأس رفيقه، و لكن لا تشربوا من كأس واحدة"
"أعطوا من خبزكم كل واحد لرفيقه، و لكن لا تأكلوا من الرغيف الواحد"
"غنوا و ارقصوا معاً، و كونوا فرحين أبداً، و لكن فليكن كل واحد منكم وحده"
"كما أن أوتار القيثارة يقوم كل واحد منها وحده و لكنها جميعا ً تخرج نغما ً واحداً"

أيضا ً هذا من كلام نبي جبران، إنه يفسِّر نفسه لوحده، تعليق ٌ هنا لا نحتاج، يكفي أن ذواتنا تفهم هذا الحب.

23
نكتب كثيراً
و قبلنا كتب كثيرون
و بعدنا سيكتب كثيرون

لكن ليست الكتابة هي المهمة، إنما أن نلمس قلوب الناس لتملك بيدها قرارها الشجاع أن تصير فجرا ً لذواتها، أن تمتلك حق التأويل، حق صياغة الرؤية، حق فهم الواقع، حق تكوين القناعة، كما ترى، كما تُحس، كما تقول لها طبيعتها البشرية، حق رفض كل الأنبياء الآخرين، حق قبول نفسها، حق بناء مجتمعاتها كما ترى و تريد و تتفق و تتلاقى،،،

،،،، هنا فقط الصواب، هنا فقط النجاح، هنا فقط ما هو حتمي، ما هو مهم، أن يبني الإنسان بعقله و يده: حاضره و مستقبله.

هذا النجاح: أن يبقى الأموات في قبورهم، و أن يحيا الأحياء من وحي ذواتهم.


24
لتكن الحياة
لكن لا تكون إلا إذا قيل قبلها:
إني أريد، و أنا قوي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جبران يكسر مفهوم النبوة الكلاسيكي
حميد فكري ( 2018 / 2 / 25 - 21:30 )
تحية للسيد نضال الربضي
اروع ما في كتابات جبران خليل جبران ،انها تتيح لكل انسان منا ان يصير نبيا دون ان يربط نبوته بخيوط من السماء.
فالنبوة ليست لغزا سحريا ،بل هي ابداع وتفجر انساني بحث .
جبران بحق كسر مفهوم النبوة الكلاسيكي .


2 - جبران و العلمانية
نضال الربضي ( 2018 / 2 / 26 - 07:36 )
يوما ً طيبا ً أتمناه لك أخي حميد،

تلخيص فكر جبران يكمن في جملة واحدة:
-الذي كان فجرا ً لذاته-

و هو ذاته فكر نيتشه، لكن بتعابير شرقية، و بنهـجٍ يقصد أن يلتقي مع الآخر.

الفكر العلماني يقوم في جوهره على فهم الطبيعة البشرية و مقتضياتها كاملة، ثم إنشاء منظومة متكاملة محكومة بعلاقات، و فيها قنوات و آليات، هدفها النهائي تحقيق هذه المقتضيات.

في الفكر العلماني تتكامل منتجات العقل البشري عند المجموعات متعددة الهويات، و تنساب من خلال قنوات إخراج، لها آليات تواصل مع المجموعات الأخرى، التي بدورها تتلقى المُنتج لتتفاعل معه ديناميكيا ً و تُنتج بدورها ما تُخرجه للمجموعات الأخرى، لتحصل البشرية (أو المجتمع في الدولة) على: ناتج إجمالي، يصير: مُعرِّفا ً للهوية الجمعية.

لذلك فـَ: التفاعل البشري المُنظَّم عن طريق القوانين العلمانية، و التواصل النفسي المُنظَّم عن طريق الفلسفات الإنسانية (جبران مثالاً)، يشكلان الأساس الصلب المتين لأي مُجتمع صحِّي مستقر قادر على النمو.

لو درست َ العوامل التي سهلت الكوارث في الوطن العربي ستجد غياب ما شرحته في الفقرة السابقة، و هذا غير مُفاجئ.

شكرا ً لحضورك الجميل!

اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي