الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(بساطيل عراقية) كتابة التاريخ بلغة الأدب .. - بقلم علاء لازم العيسى

مقداد مسعود

2018 / 2 / 25
الادب والفن


( بساطيل عراقيّة ) عـلاء لازم العيـسى
كتابة التاريخ بلغة الأدب

بعد أن انتهيت من قراءة كتاب (( بساطيل عراقيّة )) للشاعر والناقد الأستاذ مقداد مسعود خرجت بنتيجة مفادها أنه : لو لم يكن مؤلف هذا الكتاب شاعراً أو ناقداً أدبياً لكان مؤرخاً كبيراً ، أو باحثاً اجتماعياً من طراز خاص ، وقد وضح ذلك في نصوص الكتاب المذكور الذي بلغ ( 104 ) صفحات ، وكان على ثلاثة محاور : بساطيل عراقية ، وجغرافية التاريخ ، وقسطنطين كافافي بتوقيت محمّد عرابي .
( 1 )
ففي المحور الأول ( بساطيل عراقية ) الذي رمز به إلى حكم العسكر ، اختزل الكاتب بأسلوبه الرائع ، ودقته العالية ، مدة ( 67 ) سنة من تاريخ العراق المعاصر متخذاً من انقلاب بكر صدقي ، الفاتح لباب الانقلابات وحمّامات الدم ، الذي وقع في الساعة الخامسة من عصر يوم 29 / 10 / 1936 ، نقطة لشروعه في أرشفة الوقائع والأحداث ، حتى ( 7 نيسان 2003 ) يوم دخول البساطيل الأمريكيّة شارع ( 14 ) تموز في مدينة البصرة ، وما بين التاريخ الأول والتاريخ الثاني ، كان هناك حشد من الأسماء والعناوين والحوادث والتواريخ ، فكانت كاورباغي ، وقرية سميل ، ومقتل بكر صدقي ، وحركة مايس 1941 وفشلها ، ومعتقلات الفاو ونقرة السلمان والعمارة ، ووثبة كانون ، وثورة تموز 1958 وإبادة العائلة المالكة ، ثمّ مقتل الزعيم عبدالكريم قاسم (( أنصع وجه عراقي )) ـــ بحسب تعبير المؤلف ـــ يوم 9 شباط 1963:
(( تقدم بسال الضابط ( ع . ش ) وارتفعت يدٌ ولطمت وجه الزعيم الركن
وهو على عتبة باب الإذاعة ، فأسقطت سدارته عن رأسه ..
الحاكم العسكري رشيد مصلح
يصدر حكماً
في تمام الواحدة والنصف ، بعد ظهر 9 شباط 1963 ..
على أنصع وجه عراقيّ )) .
وبعد أن انتهى المؤلف من مقتل الزعيم ، ومن المرور بحركة العريف حسن سريع وقطار الموت ، وبشارة هندال جادر لرفيقه سليم إسماعيل في نقرة السلمان في 18 تشرين 1963 ، عرّج على احتراق المشير في سماء منطقة النشوة وتسلّم عبدالرحمن محمّد عارف رئاسة جمهورية العراق ، ثمّ حطّ رحاله في خيمة صفوان حينما وقّع الجنرال شوارزكوف قائد قوات التحالف ، والفريق الركن العراقي سلطان هاشم ، اتفاق وقف إطلاق النار في سنة 1991 بعد غزو دولة الكويت ، ثمّ إجهاض (( الثورة المغدورة )) التي انطلقت شرارتها الأولى من أرض البصرة سنة 1991 .
( 2 )
وفي المحور الثاني ( جغرافية التاريخ ) يفتتح الكاتب محوره بزيارة الملك فيصل الأول لإيران ، يرافقه طبيب العائلة المالكة الخاص ( سندرسن باشا ) الذي تقمص دور الراوية ، مؤرشفاً لقيام الدولة البهلويّة على يد العقيد رضا خان المدافع عن الأسرة القاجاريّة ، والذي سيأخذ التاج القاجاري بقوة ليضعه على رأسه ، ولم ينس قصر طيسفون ، والملك أردشير ، وهمدان :
(( همدان ..
أشجار جوز ..
تقابلها فارعات صفصاف
بينهما سجّادة تراب
خلفها الزاب
هكذا .. )) .
( 3 )
وفي المحور الثالث ( قسطنطين كافافي : بتوقيت أحمد عرابي ) ، تناول قلم مقداد مسعود ، ما يمثل نقطة ايجابية خارج العراق وهي الزعيم أحمد عرابي وثورته في سبتمبر سنة (1881) لخصوبتها وثراء أحداثها ، فضلاً عن كونها تمثل مفخرة تاريخية وروحية لجميع الثائرين ، وليس للمصريين فقط .
فقد تزعم عرابي ثورة الجيش المصري للقضاء على النفوذ الأجنبي في بلاده ، وفي ( 9 ) سبتمبر وصلت ثورته إلى ذروتها ، إذ تحركت القطعات العسكرية المتمركزة في القاهرة ، تساندها الجماهير المصرية ، إلى ميدان عابدين لمقابلة الخديوي وتسليمه مطاليب الشعب ، وحينما رفضت اندلعت الحرب ، وبالرغم من نجاحه في بعض المعارك ، إلا أن الخيانة تسربت إلى صفوفه ، ومن ثمّ كانت الهزيمة ، والمحاكمة ، والنفي إلى سيلان ، ثمّ العودة إلى مصر بعد ( 19 ) سنة من النفي والتغريب :
(( عقب صلاة العشاء ..
في ليلة رمضانيّة ..
الفلّاح المصري العسكري المنفي العائد
من سرنديب بعد تسعة عشر شتاءً ..
وهو يغادر المسجد الحسيني
يباغته شاب ..
يبصق في وجهه صائحاً
يا خائن
..............
بيد شاحبة
يمسح قائد الثورة وجهه ))
..............
أمّا كافافي فهو واحد من أشهر شعراء اليونان وكتّابهم ، ولد في الإسكندرية بمصر ، وأصيب آخر عمره بمرض سرطان الحنجرة ، وفقد القدرة على الكلام ، وقضى آخر أيامه في المشفى اليوناني بالإسكندرية إلى حين وفاته في 29 نيسان 1933 ، وربّما رمز الأستاذ مقداد بـ ( كافافي ) إلى المثقف الذي شُلّت حركته ، ففقد الصوت والموقف والتأثير ، ولكنه سيبقى محتفظاً بنقاوته ومبدأيته ونصاعته حتى الموت :
(( كافافي يقضي بقيّة قنديله
في إسكندرية الصدق الذي صار كذباً ..
لم يستنجد كافافي بالملك ديمتريس ..
المقيم في أجمل قصائده
أو يعقد زواج محرمين : الغراب وإيثاكا
لو كان لكافافي حنجرة
لعزف على أرغولها ..
أُغنية أيونية
استهدفتها منجنيقات طروادة )) .
( 4 )
لقد التزم الأستاذ الكاتب بهيكل الأحداث التاريخية ، وبحقيقتها الجوهرية ، دون تزوير أو تشويه ، كما جنح في صياغته لمحاور كتابه الثلاثة إلى التركيز والتكثيف الأسلوبي ، وإلى جمل قصيرة ، تداخل فيها الشعر والنثر ، اختزل فيها عدداً كبيراً من الأحداث والأخبار والأشخاص ، والظاهر أن أستاذنا فكّر في طريقة ذكيّة تدفع القارئ بإرادته ، أو رغماً عنه ، على القراءة والبحث والتفتيش في بطون المصادر والمراجع ، فتعمّد ذكر الأسماء والأحداث غفلاً عن مصدر المعلومة ، إنه أخذ عهداً على نفسه أن يحكي فقط ، ولا يفسّر ما يحكيه .
( 5 )
شخصيّاً ، وكمهتمّ بالتاريخ ، أقول : إنّ كتاب ( بساطيل عراقية ) يعدّ مدخلاً للتوسع والتعمق بالإطلاع على المُدد التاريخية المعنية ، ورحلة زمكانية تنتقل بالقارئ إلى أماكنٍ وأحداث ـــ في داخل العراق وفي خارجه ـــ لم يكن يعلم عنها شيئاً ، ولكن ، وبقدر شمولية ثقافة كاتب هذه النصوص ، يحتاج القارئ إلى شمولية ثقافية ـــ أيضاً ـــ لمعرفة مضامين هذا الكتاب على وجه الدقة .
*المقالة منشورة في صحيفة الزمان / 25/ 2/ 2018








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا