الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شَرْقُ اَلْسُّوْدَاْنِ وَمُثَلَّثُ حَمْدِيْ اَلْاِسْلَاْمَوِيْ ..!

فيصل عوض حسن

2018 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


تَنَاوَلتُ كثيراً الرُؤية الإسْلَامَوِيَّة المعروفة بـ(مُثلَّث حمدي)، التي طَرَحوها في مُؤتمر قطاعهم الاقتصادي عام 2005، والتي حَصَروا فيها السُّودان في محورٍ ثلاثي يتكوَّن من (دنقلا، سِنَّار والأبيض)، واستبعدوا ما دون هذه المناطق! وهو أمرٌ رفضه غالبية أهل السُّودان، على اختلاف أقاليمهم واتجاهاتهم الفكريَّة والسياسيَّة والعقائديَّة، لأنَّه (يُؤسِّس) للعُنصُريَّة ويُشعل الفتنة والقَبَلِيَّة/الجَهَوِيَّة البغيضة، ويضرب وحدة وتماسُك الدولة وأهلها.
اضطرَّ المُتأسلمون للتَبَرُّؤ (ظاهرياً) من هذه الرُّؤية الشيطانيَّة، لامتصاص (غَضْبَة) السُّودانيين، لكنهم اعتزموا تنفيذها بأساليبٍ/تكتيكاتٍ مُتنوِّعةٍ (خبيثة)، تقودنا في المُحصِّلة، للمُطالبة بمضامين المُثلَّث عقب (فَرْضِهَا) كأمرٍ واقع وفق ما يجري الآن تماماً. حيث قَدَّمَ المُتأسلمون حِجَجَاً وتبريرات واهية، تارةً بأنَّ هدفهم كان تحقيق التنمية الاقتصاديَّة المُتكاملة في المحور المعني، لـ(انسجامه) كما يزعمون! وتارةً بأنَّ الفكرة ليست سوى (وِجْهَة نظر شخصيَّة) لحمدي، ولا علاقة لجماعتهم المأفونة به، وهذا كذبٌ مفضوح ولا يُمكن لعاقل تصديقه! فمن المنظور الاقتصادي، استبعد المُثلَّث مناطق الدخل القومي (الحقيقيَّة/الفعليَّة)، ومن ضمنها الشرق الذي يُعدُّ (رئة) السُّودان، ومنفذه البحري الرئيسي والأوحد للعالم الخارجي، بجانب مُساهمته المُقدَّرة بعددٍ من المحاصيل الاستراتيجيَّة كالذرة والسمسم وزهرة الشمس والقطن والفواكه وغيرها. وكذلك الحال بالنسبة لبقيَّة المناطق المُسْتَبْعَدَة فهي – جميعها – ثَرِيَّة بمواردها الطبيعيَّة المُتنوِّعة، التي دَعَمَت الاقتصاد السُّوداني ردحاً من الزمان، ويُمكن التعويل عليها كثيراً في استعادة عافيته ونهضته، مما (يدحض) حُجَّتهم (الفطيرة) بشأن التنمية الاقتصاديَّة! وفي ما يخص (الانسجام) الذي يندرج ضمن الإطار الاجتماعي، فقد عشنا في السُّودان ترابُطاً اجتماعياً كبيراً، تَعَزَّز بالتزاوُج والمُصَاهرة وبعوامل الدراسة والجِوَار والعمل وغيرها، وما تزال جذوره قائمة وقويَّة حتَّى الآن، وبالتالي (تكذيب) تبريرهم الخبيث بشأن (الانسجام)! أما عن اعتبارهم الفكرة (وِجْهَة نظر شخصيَّة)، فهو عُذْرٌ أقبح من الذنب، لأنَّ (حمدي) أحد قادتهم وكان يشغل وقتها منصباً حَسَّاساً (وزير الماليَّة)، بما ينفي اعتبار طَرْحَه (أمراً شخصي)، خاصَّةً وأنَّه تمَّ في (مُؤتمرٍ) محضور لجماعتهم المأفونة، ويستحيل طَرح موضوعٍ رئيسيٍ فيه دون مُوافقتهم ومُباركتهم لمضامينه!
الحقيقة التي أثبتها و(صَدَّقها) الواقع، أنَّ مُثلَّث حمدي هدفٌ إسْلَاْمَوِيٌ مدعومٌ إقليمياً ودولياً، يرمي لتدمير وتفكيك البلد ونهب وإهدار مُقدَّراتها، وتمَّ (إلباسه) ثوب (العُنصُريَّة) بخُبثٍ كبير تنفيذاً لسياسة (فَرِّقْ تَسُدْ)، فقاموا (باستبعاد) المناطق الثَرِيَّة بثقافاتها ولُغاتها غير العربيَّة لفصل الشعب السُّوداني (وجدانياً) عن بعضه البعض، سواء قبائل البني عامر والبجا والهدندوة وغيرهم بالشرق، أو الانقسنا والامبررو والبرتا وغيرهم بالنيل الأزرق، أو أهلنا بدارفور وجنوب كردفان والحلفاويين والمحس بأقصى الشمال، بجانب جنوبنا الحبيب (قبل الانفصال)! ويتأكَّد الدعم الدولي والإقليمي لهذه الرُؤية الخبيثة، إذا تأمَّلنا في اختلاف وتَنَوُّع سيناريوهات/تكتيكات تنفيذه، وانتقال المُتأسلمين المُتسارع و(المُتقَن) في ما بينها، وصَمْتُ العالمِ وتراخيه حيال الجرائم الإسْلَامَوِيَّة المُتصاعدة خلال ذلك الانتقال، بما يُؤكِّد أنَّ المُثلَّث (رُؤية) دَوليَّة، وأنَّ المُتأسلمين (أدوات تنفيذيَّة) قَذرة لبلوغ غاياته، ودونكم ما جرى في مراحل وخطوات (انفصال) الجنوب، والتَسَابُق المحموم لتكرارها بصورةٍ أكثر قسوة وفظاعة!
عقب نجاح المُتأسلمين وسادتهم وتُجَّار الحرب ومُدَّعي النِّضال في فصل الجنوب، تفرَّغوا لبقيَّة المناطق فقاموا بإشعال الحرب والصراعات أكثر بدارفور والمنطقتين، وفرضوا التعيينات السياديَّة والتقسيمات الإداريَّة استناداً للجَهَوِيَّة، واستهدفوا أبناء هذه الأقاليم في كل مكان، وارتكبوا أبشع صور الإجرام ضدهم، لتعميق الهُوَّة بينهم وبين بقيَّة مناطق السُّودان. ساعدهم في ذلك، بعض أبناء تلك المناطق بالمُشاركة في الإجرام وبالمُتاجَرَة بقضايا المنطقة، دون تقديم حلول عمليَّة لإيقاف الجرائم وجَبْرْ الخواطر المكسورة، وانخدع الكثير من البُسطاء بالشعارات النضاليَّة ولا يزالون. والواقع أنَّ أهالي دارفور والمنطقتين، يحيون تحت نيران كلٍ من المُتأسلمين والمُتدثرين بالنضال، وهم وحدهم يدفعون الثمن جوعاً ومرضاً وقتلاً واغتصاباً، في ما يتمتَّع الطرفان المُتقاتلان وأسرهم برَغَدِ العيش، ويتسلُّون بالمُفاوضاتٍ والتسويف والتضليل والمُتَاجَرَة بأرواح وأعراض المُواطنين، والحديث يطول ولا يسع المجال لتفصيله وسنُفرد له مساحة خاصَّة قادمة بحول الله. وبالنسبة لأقصى الشمال، حيث الحلفاويين والمحس، فقد ابتلعت مصر – بتواطُؤ ومُساعدة البشير وعصابته – جميع العُمُوديات النُّوبيَّة شمالي وادي حلفا، كجبل الصحابة واشكيت ودبيرة وسره (شرق وغرب) وجزيرة آرتي كرجو وفرص (شرق وغرب)، وأصبحت أرقين ميناءً بَرِّياً لمصر بجانب مليون فدَّان لمشروع الكنانة، وتمَّ بيع ما تبقَّى من أراضي للموصوفين بأشقَّاء كالسعودية والإمارات والصين.
أمَّا شرق السُّودان، فبجانب إهماله تنموياً وإنسانياً، فقد رَاوَغَ المُتأسلمون بشأن احتلال المصريين لمُثلَّث حلايب، وأتاحوا مياهنا الإقليميَّة لجَرَّافاتهم المُدمِّرة، وتَغَافَلوا تماماً عن احتلال الإثيوبيين، وقتلهم للمُواطنين السُّودانيين ونَهْبْ ممتلكاتهم وإجبارهم على مُغادرة أراضيهم! ومُؤخَّراً، تَسَارَع إيقاعُ المُتأسلمين في (التخَلُّص) مما تَبقَّى من شرقنا الحبيب، وأضافوا (تكتيكاً) آخر لإكمال مُخطَّطهم القذر. فبجانب الصمت على الاحتلالين المصري والإثيوبي، وبيع الأراضي للأشقَّاء (الطَّامعين) وعلى رأسهم السعوديَّة والإمارات، يسعى المُتأسلمون لتكرار سيناريو (الدَم) الذي طَبَّقوه بدارفور والمنطقتين، وزرع الفِتنة و(فَصْل) أهلنا بالشرق (وجدانياً) عن أهلهم ببقيَّة السُّودان. حيث نَشَرَ البشير وعصابته مليشياتهم الإجراميَّة بمدينة كسلا (الآمنة)، في الأُسبوع الثاني لهذا العام 2018 بزعم وجود (تهديدات) مصريَّة وأريتريَّة، والإيعاز لإعلامهم التافه والمأجور لتضخيم الموضوع وإلهاء الرأي العام! وهي مزاعم لا يُمكن لعاقل تصديقها، لأنَّ المُتأسلمين لو كانوا حريصين على البلاد فعلاً، لأوقفوا تعدِّيات وتَوَغُّلات إثيوبيا المُتزايدة في السُّودان، والتي شرعت في إقامة قرى كاملة لمُواطنيها في (الدندر)، بعدما التهموا الفشقة وتُخُوم القضارف، وذلك وفقاً لإفادات مُمثِّل الدندر في البرلمان لصحيفة اليوم التالي يوم 2 يناير 2018! وما أنْ حَلَّ (مقاطيع) الدعم السريع بمدينة كسلا الوادِعَة، إلا وأشاعوا إجرامهم المعهود ضد الأهالي والمُواطنين العُزَّل، بدءاً بالتحرُّش اللفظي والبدني وانتهاءً بالنهب والسرقة بالإكراه والضرب بالرُصَّاص، دون أي مُسَاءَلَة أو مُحاسبةٍ وعقاب سواء على المُستوى الولائي أو الاتِّحادي، ولا تزال تجاُوزاتهم وتعدِّياتهم مُستمرَّة، بما يُعزِّز القناعة بمُباركة البشير وعصابته لتلك التجاوُزات، إنْ لم تكن بإيعاز مُباشر منهم، لتعميق الهُوَّة بين أهل الشرق عموماً وأهل كسلا خصوصاً مع أهلهم ببقيَّة السُّودان!
وبالتوازي مع هذا، كَثَّفَ المُتأسلمون تضليلاتهم وأكاذيبهم وإلهاءاتهم لاستكمال مُخطَّطتهم المأفون، على نحو ما نشرته الشروق في 13 فبراير 2018، بشأن إنفاذ صندوق إعادة بناء وتنمية الشرق، لنحو 1.2 ألف مشروع تنموي وخدمي، وتغطيته لـ90% من الكهرباء وبناء 4 جسور على الأنهار بولايات الشرق الثلاث، دون توضيح أماكن هذه المشروعات ومن المُستفيدين منها ومتى أنجزوها أساساً؟! ويدخل الغزو التركي للسواحل السُّودانيَّة في إطار تلك الأكاذيب والتضليلات، حيث أعلن ممثل لحزب العدالة والتنمية التركي خلال زيارة مع من وصفهم بـ(رجال أعمال)، عن اتفاقه مع مسؤولين سُّودانيين (لم يُسمِّهم) على إنشاء شركات تركيَّة لقرية سياحيَّة ببورتسودان تتسع لـ(10) آلاف شخص، بواسطة مُهندسين/معماريين (أتراك)! في ما رَحَّبَ والي البحر الأحمر، بمشروع القرية السياحيَّة (المزعومة)، وثَمَّنَ جهود تركيا في إعادة إعمار (سواكن)! مما يعني أنَّ الغزو التُركي لا يتوقف على سواكن وحدها، وإنَّما سيشمل كل ما يُمكنه احتواؤه من شرقنا الحبيب! والمُدهش، أنَّه في خِضَمِّ هذا الكم الهائل من (التضليل) و(الإلهاء)، يُفاجئنا مكتب الأُمم المُتَّحدة للشؤون الإنسانيَّة بالسُّودان، بتوقُّعاتٍ مُخيفة عن تَعَرُّض أجزاء من شمال دارفور وكسلا لنقصٍ في الغذاء، المعروف بالمرحلة 3 من التصنيف المُتكامل لمراحل الأمن الغذائي، في ظل (صَمْت) إسْلَامَوِي مُخجل، وكأنَّ هذه (التوقُّعات) الدوليَّة المُتخصَّصة تتعلَّق بمناطق خارج السُّودان!
المُحصِّلة، أنَّ مُثلَّث حمدي هو بوصلةُ البشير وعصابته، لتفكيك السُّودان ونهب وإهدار مُقدَّارته، والشرق كغيره من بقيَّة المناطق جرى توزيعه وتقسيمه للطَّامعين الموصوفين بـ(أشقَّاء)، وبدلاً من تصديق أكاذيب ومزاعم الاستثمار والتنمية وغيرها من التضليلات، لنتأمَّل في الأرقام الفلكيَّة لاستثماراتهم (المزعومة)، وواقع اقتصادنا المُتراجع وأوضاعنا المعيشيَّة المُتأزِّمة، لنُدرك الحقائق القاسية والمُرَّة، بما يُحتِّم علينا – نحن السُّودانيُّون – الإسراع باقتلاع البشير وعصابته، والحيلولة (دون هروبهم) وإجبارهم على استرجاع ما نهبوه، وتلافي أخطاء بعض الشعوب التي انتفضت ضد طُغاتها، دون استرجاع الأموال التي نهبها أولئك الطُغاة، إمَّا لموتهم أو هروبهم بتلك الأموال، مع الأخذ في الاعتبار حالة السُّودان الاستثنائية و(حتمية) استرداد أمواله المنهوبة، لتسيير الدولة عقب اقتلاعهم!
الفرصة ما تزال مُواتية للحاق بما تبقَّى من بلادنا، إذا تَضَافرَتْ جَهُودنا واتَّحدنا، وكل ما نحتاجه هو الإرادة واستبعاد الـ(ديناصورات) والمُغامرين. فالخطر يُحيق بنا جميعاً، على اختلاف أعراقنا ومناطقنا الجُغرافيَّة وعقائدنا واتجاهاتنا الفكريَّة والسياسيَّة، مما يُحَتِّم اتحادهم وترابطهم في مُواجهة هذا الخطر، والتفرُّغ لإعادة بناء بلادنا على أُسُسٍ علميَّةٍ وإنسانيَّةٍ وقانونيَّةٍ سليمة.. وللحديث بقيَّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن