الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأحزاب والرشادة السياسية

محمد السعدنى

2018 / 2 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


لا تسألنى عن الرشادة مادمت تمارس الجنون فى كل شئ، هكذا هى طبيعة الأشياء، لكننا من أسف اعتدنا فى حياتنا العامة أن نطلب من الآخرين المستحيل بينما نحن لانؤدى أبسط ما يمكننا من واجبات هى فى متناول اليد ومن نافلة القول. عن الرشادة السياسية أتحدث وعن أحزابنا التى استحالت "خيالات مآتة" بفعل قياداتها أكتب، وقد استوقفنى أن حزباً واحداً من أحزابنا السياسية التى تربو على المائة لم يستطع تقديم مرشحاً رئاسياً، باستثناء حزب "مصر العروبة" الذى قدم الفريق سامى عنان، ولعلها حقيقة غير مؤكدة، إذ أن عنان كان سيترشح بالحزب ذاته أو بدونه، ولعله ساهم فى تأسيس هذا الحزب لهذا الغرض، أى أننا نستطيع تعميم مقولتنا بعقم الأحزاب السياسية واستاتيكيتها جميعاً. وقد لا أغالى إذا قلت أن كل أحزابنا السياسية لا يعرف منتسبوها معنى الممارسة السياسية وطرائقها وأهدافها، بل حتى ماهو تكوينها وماذا تمثل فى حياتنا العامة، أو هكذا يتبدى لنا من ممارساتها ومشكلاتها، والنكاية أن من يعرف منهم يتم استبعاده ومطاردته، ثم نبكى بعدها على اللبن المسكوب.
ولعلك تابعت صوتاً وصورة الانتخابات الرئاسية الفرنسية، والانجليزية والأمريكية والألمانية والنمساوية، ورأيت كيف يمارسون تنافسهم الانتخابى بطرح البرامج والأفكار والبدائل والرؤى والسياسات، وكيف تتحرك كوادرهم وكيف يديرون الحوار السياسى وتحفيز الناخبين، والأهم كيف يتم تدوير النخب فى محيطهم السياسى العام وداخل الحزب نفسه، إذ الحزب مدرسة لتربية وتخريج الكوادر وإدارة الدولة بالسعى للوصول للسلطة لخدمة جماهيرها بتطبيق سياسات تراها أكثر نفعية وفائدة للدولة ومن قبلها المواطن. أما عندنا فلاشئ من ذلك كله، فلا دينامية ولا جماهيرية ولا كوادر ولا أفكار وسياسات إلا فيما ندر. ذلك أن بنية الأحزاب المصرية غير سوية، فهى بنية تلفيقية افتراضية أشبه ما تكون بتجمعات توافقية لمصالح ذاتية لاعامة، ولدينا أحزاب تقليدية تاريخية لا من حيث قدم التقاليد السياسية وإنما هى تاريخية بقدم القيادات العتيقة الجاسمة على رؤسها كما علامة تجارية توارثها جيل عن جيل، إذ المدهش فعلاً أن معظم أحزابنا وائتلافاتها يمثلها رجال أعمال، باعتبارها جزء لا من العمل السياسى المؤسسى الذى يصب فى دولاب إدارة الدولة، إنما جزء من الوجاهة والانتهازية والتشهيلات. لذلك لا تتعجب عندما يتحدث أحدهم أنه يؤيد الحكومة والسلطة، بل ينكر ويستنكر أن يكون حزباً لاقدر الله معارضاً أو ساعياً للسلطة، ويالها من فجيعة وتخلف، ذلك أن حزباً لا يسعى للسلطة فهو ليس بحزب، وأن حزباً لم يشكل الحكومة بأغلبيته النيابية فى البرلمان فهو لا محالة حزب معارض، ولا عيب فى ذلك ولا محظور، لكنها التقاليد الانتهازية البليدة التى أوصلتنا إلى تجريف العمل السياسى العام وتكلس أوصاله. الغريب أن هذه الأحزاب المفارقة للواقع ومعطياته السياسية هى ما تطلب من الدولة تنشيط الحياة السياسية وتلوم على الدولة أنها تقيد العمل العام وتجفف روافده، وأنا لا أبرؤ الدولة ومؤسساتها، إنما أقر بما هو معروف فى كل الدنيا، أن السياسة تصنعها الأحزاب قبل الدولة. ومهما كانت ممارسات أجهزة الدولة أو معوقاتها فإن الأحزاب الجماهيرية النشطة تستطيع أن تشق قنوات حركتها الفاعلة والمؤثرة بكوادرها وأفكارها ودعم جماهيرها. ذلك إذا كانت أحزابنا تعرف مابينها وبين الدولة من توافقات يمكن البناء عليها والانطلاق للعمل من خلالها، أو تناقضات يمكن طرح حلول وبدائل تحولها من "تناقضات رئيسية" إلى "تناقضات ثانوية"، وهى نظرية فى السياسة أسست لها الفلسفة المادية "الماركسية" وتلقفتها واستفادت منها الفلسفة "البرجماتية" الرأسمالية، وعملت فى إطارها معظم التشكيلات السياسية والأحزاب فى العالم، إلا أحزابنا التى لاتزال تعمل بأسلوب المقاولات والقطاعى بحسب هوى ومصلحة قيادة الحزب دون سابق وعى بأن الأحزاب سياسات يضعها مفكرون وتوجهات يحملها للشارع قيادات مؤهلون وممارسات يعمقها فى المحيط العام كوادر قادرون.
ولعل هذا ما رأيته وتابعته فى أمانة حزب "المصريين الأحرار" بالإسكندرية وقياداتهم يعطون المثل فى الوعى والرؤية والحركة، وأضافوا للمجال العام فى الاسكندرية زخماً غير مسبوق واستقطبوا الشباب والمرأة والمثقفين والعمال والطلاب وقدموا برامج تحولت بحزبهم إلى خلية نحل، فإذا برئيس الحزب يقيل أمين الإسكندرية القدير محمد بدير بقرار فردى كما أقال قبله الأمين العام دينامو الحزب الكفء نصر القفاص ووأد التجربة الناجحة لا لشئ إلا لقبولهم الجماهيرى وشعبيتهم، فانهالت الاستقالات من الاسكندرية وغيرها من المحافظات، وهى سابقة تمس وتقوض الرشادة السياسية للحزب الذى أهان رئيسه العمل العام بأن حول قياداته إلى عمال تراحيل يقيلهم بجرة قلم دون مسئولية ولا أدنى رشادة.
مثل هذا كفيل بضرب الحياة السياسية فى بلادنا وتعويق الأحزاب وتحويلها إقطاعيات للقيادات. ياسادة احترموا العمل العام ومارسوا بمسئولية لا نفعية وأنانية وانتهاز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في زلة لسان جديدة.. بايدن يطلب من إسرائيل ألا تقتحم حيفا


.. اعتصام أمام البرلمان في المغرب للمطالبة بإسقاط التطبيع مع إس




.. ما طبيعة الرد الإسرائيلي المرتقب على هجوم إيران؟


.. السلطات الإندونيسية تحذر من -تسونامي- بعد انفجار بركان على ج




.. خيمة تتحول لروضة تعليمية وترفيهية للأطفال في رفح بقطاع غزة