الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وطن في بازار سياسي

منذر خدام

2018 / 2 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


وطن في بازار سياسي
منذر خدام
يعتقد كثيرون، ممن يتابعون الأزمة السورية، أو يهتمون بها، أن مرحلة القضاء على داعش، أو النصرة هي المرحلة الأصعب في مسار الأزمة السورية، وما إن يبدأ البازار السياسي حتى تصير الأمور أقل تعقيدا، وأسهل حلا، وأقرب منالاً. لكن الواقع يقول غير ذلك، فعبر التاريخ كان الجانب العسكري من أية أزمة كبرى هو الجانب الأسهل، لأن اهدافه محددة وواضحة، والطرق والأساليب والأدوات للوصول إليها هي الأخرى محددة وواضحة. والأهم من كل ذلك، فإن التخوم بين الأطراف المتصارعة تكون معالمها بارزة لا مجال للخلط بينها. مع ذلك، وكما يعتقد كثيرون أيضاً، عن صواب في الغالب الأعم، أن موازين القوى العسكرية في الميدان هي التي تحدد معالم الحل السياسي، إلى حد قد يفرض الطرف المنتصر على الطرف المهزوم إرادته، ويملي عليه مطالبه، ويرغمه على الموافقة عليها.
في الأزمة السورية يختلف الحال بعض الشيء، فالجانب العسكري من الأزمة لم يحسم بشكل نهائي بعد، أذ أن المتقاتلين كثر، وليس داعش فقط. فلا تزال جبهة النصرة واخواتها من قوى جهادية متطرفة وإرهابية تسيطر على مساحات كبيرة من الأرض في محافظة ادلب، وشمال حلب، وكذلك في ريف حمص الشمالي وجنوب حماه، وفي شرق دمشق، وفي محافظة درعا، هذا عداك عن سيطرة قوات قسد والتنظيمات العسكرية الكردية الأخرى على مناطق شاسعة إلى الشرق من نهر الفرات. ومع ان أغلب هذه المساحات الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية هي أقرب إلى الجيوب التي يمكن اعتبارها ساقطة عسكريا بحسب رأي الخبراء العسكريين، وان المسألة مسألة وقت لا اكثر، إلا أنها مع ذلك ذات اهمية بالغة في البازار السياسي. لننظر في جبهة الغوطة الشرقية الملتهبة كيف شغلت حتى مجلس الأمن، ويعمل كل طرف دولي على الاستثمار فيها ضد الطرف الأخر. ومع أن عنوان الاستثمار السياسي في الغوطة الشرقية هو حماية المدنيين إلا ان ما يحصل فيها يبرهن مرة أخرى على أن آخر هم المستثمرين فيها هو حياة المدنيين. هذا ما كان عليه الوضع في حمص، وفي حلب، وفي ريف دمشق الشمالي، وفي غيرها، وما هو عليه الحال اليوم في ريف ادلب الجنوبي وفي الغوطة الشرقية، فالمدنيون هم من يدفع فاتورة الصراع المسلح.
من خصوصيات الأزمة السورية ان الجانب العسكري فيها، على الرغم من اهميته في البازار السياسي، إلا أنه لن يكون له الدور الحاسم، بل للمصالح الدولية في سورية، وكيفية التوليف بينها. وبالمناسبة لا يزال ثمة فرص لاستثمار السياسي في الأزمة السورية كثيرة، منها الاستثمار في إعادة الاعمار، والاستثمار في عودة اللاجئين السوريين، والاستثمار في الكيماوي، والاستثمار في حقوق الانسان وغيرها كثير.
لقد اعلنت دول الاتحاد الاوربي صراحة انها لن تساهم في اعادة اعمار سورية بدون حصول انتقال سياسي حقيقي، وها هي امريكا تعلن صراحة أيضاً انها باقية في سورية حتى يتحقق الحل السياسي، وعلى المنوال ذاته تعلن تركيا أيضاً ان تدخلها في سورية هو من اجل حصول انتقال سياسي. وعلى المقلب الآخر يعلن حلفاء النظام الدوليين وعلى وجه الخصوص تعلن كل من ايران وروسيا انه يتدخل في سورية لمحاربة الارهاب والحؤول دون انهيار الدولة السورية.
هذا ما هو معلن لكن حقيقة المواقف والأهداف تختلف كثيراً. بالنسبة للدول التي تقف في الجانب المعارض، لم توضح يوما طبيعة الحل السياسي الذي تريده، وماذا يعني الانتقال السياسي أبعد من تنحي الأسد عن السلطة. وأكثر من ذلك كانت على الدوام تتدخل لإعاقة أي تفاهمات سياسية، سواء بين المقوى المعارضة ذاتها( اتفاق القاهرة الأول والثاني بين هيئة التنسيق الوطنية والمجلس الوطني، ومن ثم الائتلاف الوطني)، ام بين المعارضة والنظام من خلال التشدد في مطالب تعجيزية لا يمكن ان يوافق عليها النظام وحلفاؤه. وهي اليوم بعد ان خسرت الكثير من القوى العسكرية على الأرض، وهي قوى جهادية متطرفة بصورة عامة، تركز على الاستثمار في اعادة الاعمار، أو في الكيماوي، او في حقوق الانسان، من اجل تحقيق مطالب سياسية باتت معلومة وواضحة. لقد قلنا اكثر من مرة منذ بداية الأزمة، ونعيد القول بأن هدف الدول الغربية وبعض الدول العربية هو تدمير سورية وتمزيق وحدة شعبها، خدمة لإسرائيل بالدرجة الأولى، وتحضيرا لمسرح العمليات الشرق اوسطي لملاقاة الصراعات الدولية القادمة على موارد الطاقة (هذا بالنسبة للدول الغربية). اما بالنسبة لبعض الدول العربية، وخصوصا في الخليج العربي، فإن الهدف هو القضاء على ما يسمونه النفوذ الإيراني في المنطقة، الذي يشكل تحديا سياسيا حقيقيا لها كما تزعم، في حين هدف ايران وتركيا هو خلق مجال حيوي لنفوذها السياسي ولمصالحها الاقتصادية. بدورها روسيا استفادت من الأزمة السورية لكي تعود من جديد إلى
المسرح الدولي كلاعب رئيس، توظفه في خدمة مصالحها الاستراتيجية في العالم، وفي المنطقة على وجه الخصوص. في كل هذه الأدوار للأطراف الخارجية في الأزمة السورية، غابت عنها المصالح الحقيقية للشعب السوري، وخصوصا مصلحته في التغيير الجذري والشامل للنظام الاستبدادي إلى نظام ديمقراطي علماني لا مركزي. واكثر من ذلك صارت القضايا الوطنية، مثل المحافظة على وحدة سورية أرضا وشعبا، وممارسة الدولة السورية للسيادة على كامل جغرافيا الوطن، مستهدفة من قبل بعض الأطراف المتصارعة. باختصار يمكن القول إن الصراع على سورية هو حقيقة لا ينكرها إلا مكابر، و في هذا الصراع تم استخدام السوريين كأدوات فيه. وإن ادراك هذه الحقيقة من قبل السوريين انفسهم، وخصوصا من قبل الفواعل السياسية في المعارضة والموالاة، يمكن ان يساعد في التوصل إلى تفاهمات بينهم على طبيعة الحل السياسي وقوامه. وانطلاقاً من ذلك يمكنها عندئذ ان تنظر في أدوار مختلف الدول الأجنبية المتدخلة في سورية، لمعرفة تلك الأدوار الأقرب إلى مصلحة الشعب السوري للاستفادة منها في انضاج الحل السياسي، وتلك الأبعد عن مصلحة الشعب السوري لتحييد تأثيرها الضار على الحل السياسي. اليوم صارت أغلب النقاشات الدولية ، وبين السوريين، تتمحور حول الدستور، وحول الانتخابات، وتوصل السوريون، معارضة وموالاة، في مؤتمر سوتشي إلى تفاهمات حولها، ينبغي عدم تفويت هذه الفرصة للخروج من الأزمة السورية وإنقاذ ما تبقى من البلد والشعب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س