الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزء الثاني من// ثقافة التحيّز رؤية أخرى

فائق الربيعي

2018 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


نتابع ما قلناه في القسم الأول والذي توصلنا فيه إلى مقاربة في النسق الشامل للموضوع بأن التحيّز مشترك إنساني وإستعداد كامن ضمن الفطرة البشرية , لأن الإنسان هو محور الحياة ويقف في مركز الكون والطبيعة ويتفرد في عقله ووعيه وإدراكه من خلال بنيته المعرفية والثقافية التي يتمتع فيها بقدر من الإستقلال والنظر والتدبر والإختيار الحر بكل ما تتحمله قابلية التلقي والوعي لديه , فلا يرضى بالتعامل السطحي مع الأشياء وإنما يطور المعاني ليرى نموذجا آخر أكثر معاصرة وتطوراً, وهذه ليست عملية إعتباطية أو عشوائية وإنما تدخل ضمن منظومة الإدراك المعرفي للإنسان الذي يطور الأشياء من عالم الطبيعة إلى عالم الإنسان .

ومن هنا نقول أن ثقافة التحيّز هي نتاج إمكانيات وإختيارات الإنسان الحر الذي يمارس التهذيب والتشذيب بعيداً عن الجوانب والمعاني السلبية المترسخة في تلافيف الذهن عند البعض,لأن التحيّز ليس عيباً ولا نقيصة وإنما هو ممارسة لإنسانيتنا المشتركة والمتنوعة على الرغم من الإختلاف ما بين شعوب الأرض وهذا لا يعني مطلقا التناحر والتنازع بل هذا دليل التنوع الحضاري الذي ينتج الثراء في التواصل والتعارف وعدم نفي الآخر المختلف, وهذا ما يتبين من خلال الرؤية الأخرى لثقافة التحيّز والتي تؤمن بأن الثقافة َ كُلٌّ لا يتجزء في قائمة الإعتبارات الإنسانية والثقافية بتجلياتها المكرسة للقيم الحضارية والمعرفية ضمن السياقات التاريخية والإشتراطات المجتمعية .

لذلك يتفرد الإنسان بفاعليته وحركته الدؤوبة التي تمثل بُعداً ثقافيا وصورة عقلية تـُعبر عن الرؤية المعرفية, ومن هنا ترى سلّم الأولويات يرتبها العقل بحسب علاقتها وأهميتها بالواقع وضمن المعايير والمعتقدات التي يتبناها , ووفقا لهذه الآليات يتشكل ويتنوع التحيّز في فضاءات الإختيارات الطبيعية والإجتماعية وقد ذكرنا بعضها في القسم الاول من هذا البحث فيما يراه الإنسان أنه الحق وكيف يتحمس ويدافع عنه من خلال منظومته القيمية التي لا يعتبر أحكامه المتحيّزة للحق قطعية ونهائية أومطلقة وإنما إجتهاد ضمن سياق الإدارك الإنساني ,.
ومقابل ذلك هناك التحيّز للباطل ويمكن تلخيصه بالجملة التالية حيث يعتبر المتحيّز للباطل أحكامه قطعية ونهائية ولا تقبل النقاش ولا الإستئناف وليس لديه استعداد للمراجعة مطلقا .

إذن دعونا الآن نقترب أكثر من الأنواع الأخرى ولا سيما التحيّز الذي يتسم بالوضوح الواعي , حيث المتحيّز فيه يتبني ايديولوجية بعينها ثم ينظر للعالم من خلالها وفي إطارها وهذا النوع من التحيّز عادة ما يُفصح عن نفسه من خلال الدعاية والإندفاع للتعئبة التي يتأثر بها المتلقي دون وعي من جانبه , أي إمكانية توصيل التحيّز له بطرق خفية ومبطنة , ويمكن ملاحظ ذلك في الإعلانات التجارية والأفلام الأميركية وما شاكل ذلك حيث يروج للبضاعة وللقيم والمفاهيم من حيث لا يدرك المتلقي أنه يُلقن قيماً وأفكاراً تتحيّز للعنف والمطاردة وإثارة الغرائز ولو كانت تلك الأفلام والإعلانات التجارية تتبع إسلوب المباشرة لأشمأز منها المتلقي وأدار ظهره لها.
وفي طبيعة الحال ما ينطبق على الإعلانات التجارية والأفلام الأميركية ينطبق على الدعاية السياسية الدينية أي التحيّز الديني الحاد وهذا النوع من التحيّز يكرس الجمود والجهل والخرافة والوعي المطمور تحت مسمّيات المقدس ويقدّم على أنه البنية السوسيولوجية ضمن وحدة الأثر وكأنهم بهذا يواكبون الحداثة والتطور على ضوء منظوتهم السياسية الدينية المهترئة والمترهلة والتي تظن بأنها تستبطن معارف الاوَّلين والآخرين لتعطي لنفسها الأهمية والقداسة على أنها وحدها باب الله وباب المعرفة والعلم ولا يُسمح مطلقا بحوارها ونقاشها أو مراجعة أفكارها وكأنها المطلق الكوني , وهذا النموذج من التحيّز يوظّف الأموال الطائلة لمحاربة وإضطهاد وقمع أيّ صوتٍ يحاول فك معادلة ولعز التسطيح المتعمد للوعي وكشف مناطق القبح والشرّ لهذه المنظومة السياسية الدينية ,

ومرة أخرى دعونا نعود إلى النوع الآخر من التحيّز وهو التحيّز داخل التحيّز وسنفرد مساحة واسعة لهذا النوع من التحيّز ونركز من خلاله على تحليل بعض الأمثلة التاريخية والأفكار الأساسية حين يتداخل التحيّز في شؤون الحياة كلها وعلى مساحة جغرافية وجود الإنسان ,وسنكمل كل ذلك في لقاء آخر معكم ..
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست