الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذه الأنظمة من هذه الشعوب ...

ماهر رزوق

2018 / 3 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ربما مازلنا حتى الآن نتساءل : لماذا رغم كل القمع الذي تمارسه الأنظمة العربية و برغم سياساتها الفاشلة (اقتصادياً خاصة) و تفشي الفساد و النهب في جذورها و أساساتها ، و برغم انعدام أبسط متطلبات الحياة في بعض بلدانها ، و طرقها القديمة و القروسطية في التعامل مع المفكرين و المصلحين و المطالبين بالحريات المشروعة ... برغم كل ذلك مازال بيننا من يقبل هذه الأنظمة و يتبعها و يدافع عنها ، برغم وضعه الاجتماعي و المادي المتردي ، أو برغم كونه خارج البلاد متحرراً من سلطتها و متحرراً أيضا من أي ارتباط بالبلد ...؟؟

للإجابة عن ذلك لابد لنا من البحث في عقلية الإنسان العربي ، و فهم طريقة تفكيره القديمة التي مازالت حتى الآن تعوقه عن تغيير واقعه ...
يتبين لنا في الحقيقة أن هذه العقلية لديها قابلية هائلة للخضوع لهذه أنظمة ، و بدون التغيير في نمطية تفكيرها ، لا يمكن تغيير الأمر بثورات أو حروب ...
تتوضح قابلية الخضوع هذه في القبول القديم لبعض الأفكار الدينية التي تعزز هذا الخضوع و تبسطه حتى يصبح اعتيادياً و طبيعياً ... مثلاً فكرة الأضحية التي لا يمكن فصلها عن فكرة الخضوع ، فالمتدين يعتقد أن الحاكم الأكبر يحتاج منه إثباتاً على خضوعه ، و هنا يأتي دور الأضحية كتعبير عن الضعف و الحاجة الكبيرة لرضى ذلك الحاكم و التقرب منه ، عن طريق البذل و الخسارة الشخصية مقابل ذلك الامتياز ...

النظام (الحاكم ، السلطان) من ناحية أخرى يستغل هذه العقلية و يستخدم المصطلحات الدينية بشكل مفرط في خطاباته ، للتأثير في اللاوعي العام للجماهير المجهزة مسبقاً للخضوع عند تلقي هكذا مصطلحات مثل (تطهير ، تصفية ، تضحية ، شهادة الخ ) ... كذلك يعمد الحاكم عن طريق بعض التصرفات و النشاطات ، إلى إثبات نفسه كمتدين ، كالالتزام بالظهور دائماً في صلوات الأعياد و الاحتفالات الدينية ... ثم يدّعي فيما بعد ، بخطابات أخرى موجهة للعالم الخارجي ، أنه يقود نظاماً علمانياً ، معتدلاً ، يحقق العدل بين جميع أطياف جماهيره المختلفة ...

أيضا نذكر بما يخص هذا الأمر ، فكرة التصنيف التي تتبعها هكذا أنظمة (وطني ، خائن أو عميل) ، تتشابه إلى حد كبير مع الفكرة الدينية المقبولة لدى الجماهير و المتمثلة في ثنائية (كافر ، مؤمن) ... و بالتالي يسهل اعتقال التفكير و طريقة التحليل سياسياً ، عندما تكون هذه العقول معتقلة أساساً أو قابلة للاعتقال على المستوى الديني ...
و هذا ما يوضحه أدونيس في قوله :

(لعل في هذا ما يوضح ، على مستوى البحث و المعرفة ، كيف أن العقل العربي المهيمن معتقل ، و أنه لكي يموه اعتقاله كسائد ، يعتقل غيره ، كمسود ... و في أبسط الحالات نلاحظ أن العقل العربي السائد ليس إلا عبودية خضوع أو جبروت اخضاع ... فبدءاً من قبول الأضحية ، لابد من قبول الخضوع ، من جهة ، و قبول إبادة الغير ، من جهة ثانية : و الغير هنا هو العدو/العميل ، بلغة الايديولوجية السياسية ، و هو الخارج/الكافر ، بلغة التدين اللاهوتية)

إذا طريقة التفكير الدينية لا تسهّل فقط عملية الخضوع السياسي ، و لكنها تسهل أيضا تقبل قمع الآخر أو حتى تصفيته بصفته الخارج أو العميل ... و هذا ما يفسر انعدام الانسانية عند المؤيدين لهذه الأنظمة تجاه المعارض لها ، كما تنعدم الانسانية عند المتدين تجاه الخارج من دينه ...

بهذا الشكل ، يبدو لنا أن تدمير المؤسسة أو النظام القائم ، ليس هو الحل الأولي السليم ، باتجاه التحرر الكامل ، فإن غياب هذا النظام ، سيؤدي بالضرورة إلى ظهور نظام آخر بديل ، يتعامل مع الجماهير بنفس طريقة النظام السابق ، و السبب في ذلك ، أنها الطريقة الأمثل للتعامل مع هكذا عقليات ، بل إنها ربما تكون الطريقة الوحيدة التي تتناسب و مستوى التفكير السائد ...

لذلك تكون وظيفة المفكر العربي الأساسية هي تفكيك هذه العقلية و ربما مهاجمتها بصفتها العائق الأكبر أمام التحرر و تحسين الظروف المعيشية ، و هذه قد تكون هي الخطوة الأهم نحو ثورة أهم ، و التي أقصد بها ، ثورة داخل العقل ، قلباً تاماً للمفاهيم القديمة و التشكيك بها ، لتعتاد العقلية اللاحقة على ثقافة التساؤل المحرمة دينياً ، و طريقة التحليل المنطقية باعتماد مبدأ السبب و النتيجة ، و تقييم الآخر تبعاً لإنتاجيته و فائدته للمجتمع ، مع اعتبار الاحترام الكامل لإنسانيته و حقه في الحياة ، بدلاً من تقييمه تبعاً لدينه أو حزبه أو طريقة تفكيره ، و استسهال تصفيته و إنهاء حياته ... لأن الإنسان الذي أنتج عبر مسيرته الطويلة العديد من الفلسفات و الديانات ، هو الذي يجب أن يعتبر حقيقة مطلقة من الواجب الدفاع عنها ، و ليس ما أفرزه ، ذلك الانسان ، من ديانات تغيرت بشكل دائم منذ القدم و اعتبر كل منها ، نفسه الدين الأوحد و الأصح ...
و كما يقول باكونين : (سنظل عبيداً على الأرض ، مادام لنا سيد في السماء) ...
و يعلّق أدونيس على هذا القول , في مقالة قديمة له :

" أن الأعمق و الأصح ، في ضوء التجربة التاريخية ، هو أن نقول بإطلاق : (سنظل عبيداً مادام لنا سيد) و علينا أن نقاتل العبودية ، في أي مستوى و من أي نوع ، و ليس أن ننقلب على نوع منها لكي نحل مكانه نوعاً آخر ، كما نفعل اليوم"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الصين يحمل تحذيرات لبكين؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. زيارة سابعة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي إلى الشرق الأوسط




.. حرب حزب الله وإسرائيل.. اغتيالات وتوسيع جبهات | #ملف_اليوم


.. الاستخبارات الأوكرانية تعلن استهداف حقلي نفط روسيين بطائرات




.. تزايد المؤشرات السياسية والعسكرية على اقتراب عملية عسكرية إس