الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلاقات الاميركية الروسية من سيئ الى أسوأ

جورج حداد

2018 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


يبلغ تعداد سكان روسيا أقل من نصف تعداد سكان اميركا؛ وحجم اقتصادها وميزانيتها الحربية والمخابراتية أقل بكثير من حجم تينك للولايات المتحدة الاميركية؛ وهي ـ بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ـ لم تعد تدعو الى اقامة نظام اجتماعي مختلف عن النظام الرأسمالي (كالصين)؛ كما انها ليست دولة ثورية دينية متميزة (كإيران)؛ وهي ليست دولة قومية تفوقية تدعو الى سيطرة الجنس او العرق الروسي على العالم (كما كانت المانيا النازية)؛ ومع ذلك فإنها تمثل "سن الرمح" في مواجهة اميركا ونزعتها الامبريالية الشوفينية للهيمنة على العالم.
لماذا تضطلع روسيا بهذا الدور التاريخي المميز، ولصالح الانسانية جمعاء؟
هناك اجابة "علمية!" مزيفة وحيدة يمكن التوقف عندها ومناقشتها، وهي ان روسيا "دولة كبرى تدافع عن مصالحها الخاصة"، ويذهب بعض المثقفين "اليساريين!" وحتى "الماركسيين!" الى القول انها دولة "امبريالية" تتنافس مع اميركا على المصالح لا اكثر ولا اقل.
وهذه الاجابة هي على درجة من السطحية والسخافة انها لا تستحق حتى رميها في المزبلة، لانها توسخ المزبلة ذاتها.
ولكن البحث عن اجابة لهذه المسألة تبقى قائمة وضرورية، تحتاج الى وقفة خاصة ودراسة معمقة، تماما كالبحث الضروري عن "طائفية!" حزب الله و"اسلامية" الثورة الايرانية.
وفي هذه العجالة نحن لا نبحث في هذه المسألة، ولكننا نلقي ضوءا خاطفا على مسار العلاقات الاميركية ـ الروسية وتطورها من السيئ الى الأسوأ.
واذا نظرنا الى الوضع في سوريا، وخاصة بعد مشاركة شركة روسية (الى جانب شركتين فرنسية وايطالية) في توقيع اتفاقية مع لبنان للتنقيب عن النفط والغاز في القطاعات البحرية اللبنانية، مما يضع روسيا وجها لوجه ضد اسرائيل (الحليفة الستراتيجية لاميركا)، ـ نقول انه اذا نظرنا الى الوضع في سوريا نجد ان القوات المسلحة للدولتين الموجودة على الارض السورية تقفان على طرفي نقيض تماما وتكادان تصطدمان ميدانيا، لولا وجود قرارات مركزية فوقية بعدم التدهور مرحليا الى درجة اشعال الحرب النووية الرهيبة بين الدولتين. ولهذا فإنهما تقتصران على الحرب الميدانية بواسطة الحلفاء، وعلى الحرب الدبلوماسية، التي تبلغ حدتها الى درجة تبدو وكأنها الشغل الشاغل لوزارتي خارجية البلدين، وفي الكثير من الحالات تقتضيان التدخل المباشر من قبل رئيسي البلدين.
ولم يقتصر الامر على الاختلافات الحادة في الشؤون الدولية المطروحة، والازمات الاقليمية في مختلف زوايا العالم، بل ان السلطات الاميركية وضعت نصب اعينها التدخل في الشؤون الداخلية الروسية، ولا سيما في الانتخابات الرئاسية الروسية التي ستجري هذا الشهر. و"تحلم" السلطات والاجهزة الاميركية الخاصة بـ"تطيير" فلاديمير بوتين وامكانية وصول "يلتسين" ثان الى الرئاسة الروسية، والا فإنها ستجنح نحو تحريك جيش العملاء الغربيين في روسيا واثارة القلاقل على طريقة "الربيع العربي"، بحجة الدفاع عن الدمقراطية وحقوق الانسان.
وقد مهدت لذلك الدوائر الاميركية ولا سيما اليهودية، منذ شهور، بالادعاء ان روسيا تدخلت في الانتخابات الرئاسية الاميركية الاخيرة، وهذا التدخل هو الذي جاء بالمهرج ترامب الى البيت الابيض.
وفي هذه الاجواء العكرة تصاعدت حدة التصريحات المتعادية، على ارفع المستويات.
ومن ذلك تفاقم النقاشات، المنشورة في وسائل الاعلام، والمتعلقة بالتدخل الاميركي في الشؤون الداخلية الروسية، بين ممثلي السلطات الروسية والسفير الاميركي في موسكو جون هانتسمان. وحسب تعبير هذا الدبلوماسي الاميركي يقول "احيانا اخشى ان يؤدي هذا التبادل للتصريحات الى تصعيد زائد عن اللزوم". ومثل هذا القلق هو مفهوم، ولكن على هذا الصعيد فإن واشنطن تسبق موسكو باشواط بعيدة.
وفي هذا السياق نذكر ان ممثلة وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا صرحت مؤخرا ان الولايات المتحدة الاميركية تحاول التدخل في الانتخابات الرئاسية الروسية لعدة اسباب احدها هو الوضع داخل الولايات المتحدة ذاتها. وقالت ان انتخاباتنا هي مهمة لهم لسببين:
الاول ـ استمرار الخلافات الداخلية الاميركية التي تزداد حدة.
والثاني ـ هو النزعة الاميركية المتأصلة للتدخل في الشؤون الداخلية لجميع بلدان العالم لفرض الهيمنة العالمية لاميركا.
وتوقفت وسائل الاعلام الروسية عند تصريح ناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية بأن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية في روسيا رفضت الترشيح المقدم من قبل المرشح ألكسي نافالني، واتخاذ ذلك مؤشرا للطعن مسبقا بنزاهة الانتخابات الروسية وشفافيتها. وفي لقائه مع رؤساء وسائل الاعلام الروسية في شهر كانون الثاني الماضي، سئل الرئيس بوتين عن هذه المسألة فأجاب: هناك ايضا اشخاص آخرون استبعدتهم اللجنة العليا للانتخابات لعدم استيفائهم الشروط الضرورية، فلماذا لم يذكر الاميركيون سوى هذا الشخص (ألكسي نافالني)؟ هذا يدل على انه مرشحهم. وقد قالت لجنة الانتخابات كلمتها فيه. (وتذكر بعض وسائل الاعلام انه كانت توجد ضد نافالني بعض دعاوى سوء الائتمان والاختلاس). واضاف بوتين "انه من الافضل للاميركيين ان يصمتوا".
وقد بلغ التصعيد بين البلدين الى درجة ان بعض الدوائر الدبلومايبة والمخابراتية الاميركية اعلنت ان التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الرئاسية الاميركية يوازي اعلان الحرب، وانه اشبه بعملية "بيرل هاربر" واحداث "11 ايلول 2001".
ومعلوم ان الولايات المتحدة ردت على هجوم "بيرل هاربر" بضرب اليابان بالقنبلتين الذريتين في هيروشيما وناغازاكي في نهاية الحرب، وردت على احداث "11 ايلول 2001" بعملية "الفوضى البناءة" و"الربيع العربي" المستمرة الى الان.
فهل تفكر قيادات الولايات المتحدة بارتكاب اي حماقة عسكرية او انقلابية ضد روسيا؟
اذا حدث ذلك فإنها تغامر بأن تدفع وجودها بالذات ثمنا لاي حماقة.
ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا خصّ الرئيس السنغالي موريتانيا بأول زيارة خارجية له؟


.. الجزائر تقدم 15 مليون دولار مساهمة استثنائية للأونروا




.. تونس: كيف كان رد فعل الصحفي محمد بوغلاّب على الحكم بسجنه ؟


.. تونس: إفراج وشيك عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة؟




.. ما هي العقوبات الأميركية المفروضة على إيران؟ وكيف يمكن فرض ا