الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدرسة اليابانية في عصر العولمة ريوكو تسونيوشي ترجم النص إلى الفرنسية: روبير إلباز ترجمه إلى العربية: محمد الهلالي

محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)

2018 / 3 / 3
التربية والتعليم والبحث العلمي


التعليم الياباني بين التحوّل والاستمرارية:

تعاني العديد من المجتمعات، في عالمنا الذي يخضع للعولمة، ضغوطات متشابهة كل التشابه من أجل إصلاح أنظمتها التعليمية. وتحاول العديد من البلدان، في العالم بأسره، مواجهة تحديات عصر العولمة. لكن يوجد، في نفس الوقت، إرث متباين كل التباين يفصل المجتمعات والجهات عن بعضها البعض. ولا يشكل اليابان استثناء في هذا الصدد. كما أن النظام التعليمي الياباني هو اليوم مزيج من الاستمرارية والتغيير.

سياق الانطلاق:

انتشرت في العديد من الكتابات التي تناولت التعليم الياباني على الصعيد العالمي تصورات مختلفة عن هذا الأخير. ويُكالُ المديحُ بصفة عامة للمدرسة اليابانية التي توصف بأنها متوازنة من الناحية المدرسية والاجتماعية، وموجّهة نحو الطفل بشكل كلي. فالأطفال يدرسون في مدرسة حيّهم، هذه المدرسة التي تعمل على تربية وتنمية "القلب والروح" في نفس الوقت (لويس، 1995). ويوافق المدرسون اليابانيون طواعية على الفكرة القائلة أن تبني إستراتيجية للتشجيع والعناية والرعاية داخل القسم يشكل أساسا للنجاح المدرسي وليس العكس (لويس، 1995؛ تسونيوشي، 2011).
إن المدرسة الابتدائية (التي تستقبل التلاميذ ابتداء من سن السادسة)، والثانوية الإعدادية تكونان جزءا من التعليم الإجباري، ويلتحق أغلبية الأطفال اليابانيون بالنظام التعليمي العمومي بدون إجراء أي امتحان، ويمكن لبعض الأطفال، المتواجدين في المناطق الحضرية على وجه الخصوص، ترك النظام التعليمي العمومي للالتحاق بالتعليم الخصوصي، كما يمكن أن يُجبروا على اختيار مؤسسة معينة من مؤسسات النظام التعليمي العمومي، لكن الحياة تظل على العموم بسيطة نسبيا بالنسبة لأغلبية الأطفال، وهو ما يشكل بدون شك، نقطة قوة النظام التعليمي الياباني.
توجد مجموعات مختصة في إنجاز بحوث بيداغوجية تضم مدرسين يعملون في مختلف أنحاء البلاد، وتساهم هذه المجموعة على تقاسم تصاميم الدروس ودراسة تحضير الدروس المنجزة من طرف زملائهم.
لاحظ المراقبون الأجانب أن مثال التمدرس النموذجي في النموذج التعليمي الياباني هو المدرسة الابتدائية (كومينغ، 1999). لقد حققت الأهداف المثلى للنظام التعليمي الياباني (مثل التعليم الجماعي، وتربية الطفل تربية شاملة ) النجاح في المدرسة الابتدائية بدون شك: فبالرغم من كثرة الحديث في اليابان عن انخفاض درجة النجاح المدرسي في نهاية التسعينيات، فإن التلاميذ اليابانيين، مثل بقية تلاميذ الجهات والمجتمعات الأخرى في شرق آسيا، قد اشتهروا بحصولهم على نتائج مرتفعة في الاختبارات الدولية مثل اختبار الاتجاهات في الدراسة العالمية للرياضيات والعلوم (TIMSS) واختبار تقويم المردودية المدرسية (IEA)، أو استقصاء البرنامج الدولي لتتبع مكتسبات التلاميذ (PISA) الذي تنجزه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
لقد اعتُمِدَت البلدان الحاصلة على نتائج مرتفعة في هذه الاختبارات كنماذج دولية مثلما هو الأمر بالنسبة لتدريس الرياضيات في سنغافورة أو النموذج التعليمي الفنلندي للنجاح المدرسي.
إن أحد نماذج التعليم الياباني الذي استرعى انتباه المجتمع الدولي هو النموذج الذي يعرف عادة باسم "دِراسَةُ الدّرْسِ" (أي إخضاع الدرس للدراسة أثناء إنجازه). وتعتبر "دراسة الدرس" تقليدا في اليابان منذ زمن طويل، لكنها لم تُكتشف من طرف المجتمع الدولي إلا بعد نقلها إلى اللغة الإنجليزية (ستيفنسون وستيغلر، 1992؛ هييبرت، 1999).
تنطلق "دراسة الدرس"، التي اعتبرت صيغة من صيغ التعلم الجماعي للمدرسين، من القاعدة إلى القمة، وصار لها اليوم أنصار كثيرون في العديد من البلدان (أنظر على سبيل المثال: الجمعية الدولية لدراسة الدرس). ويوجد نموذج آخر في التقليد التعليمي الياباني والذي يتوفر على كل القدرات والطاقات المطلوبة ليصبح عالميا.
لا تركز العديد من الاقتراحات، التي تستهدف القيام بإصلاحات للتعليم وإعداد المواطنين للقرن الواحد والعشرين، على تعريف ضيق للكفايات المدرسية، وإنما تركز على التطور المنسجم والمتوازن للطفل. وسواء تعلق الأمر بالتعليم الصيني الجيد أو بالتعليم الاجتماعي والعاطفي، فلقد كان يتم التركيز على التواصل والتعاون والاستقرار العاطفي وعلى ميزات أخرى للطفل انطلاقا من التعامل معه ككل.
يعتمد النموذج التعليمي الياباني على التنسيق ما بين الأنشطة التعاونية الموجهة للطفل من أجل أن تصبح بنية واحدة. ويضع هذه الأنشطة في صلب المنهاج الرسمي نفسه، محددا كهدف له تعليم الطفل تعليما يستجيب لكل مكوناته. ومن هذا المنظور تُعتبرُ مجموعة من العمليات مثل تكوين جماعة داخل القسم، إثارة نقاشات بمبادرة من الأطفال، تنظيم اجتماعات يومية صباحا وبعد الزوال، تنظيم الأحداث المدرسية، تعيين رؤساء الأقسام، تنظيم المقرات وتوزيع الوجبات من خلال مجموعات صغيرة... جزءا من الروتين اليومي للأطفال في مجموع أنحاء البلاد (تسونيوتشي، 2001). وتجدر الإشارة إلى أن الأطفال يساهمون، عبر مجموعات صغيرة، تكونت على أساس التباين والاختلاف بأناة وإصرار، في القيام بأنشطة تعاونية إبان فترة محددة. وينبغي التأكيد على أن هذه الأنشطة اليومية، والنقاشات داخل القسم، والأحداث المدرسية، والمجالس التي ينظمها الأطفال... منصوص عليها في المنهاج باعتبارها "أنشطة تتميز بالتفرد والأصالة". وكان هدف هذه الأنشطة المتميزة هو تعلم كل شيء إبان إنجازها بترك حرية المبادرة للأطفال.
وبالرغم من أن المبدأ الموجه لتعليم الطفل (تعليما يأخذ بعين الاعتبار كل حاجيات ومكونات الطفل) يفترض أن التطورات الاجتماعية والعاطفية والثقافية والجسدية هي متداخلة فيما بينها، فإن الجزء المتعلق بمعالجة التعليم الثقافي، أي دراسة الدرس الموجه أساسا للرياضيات هو الذي استرعى انتباه المجتمع الدولي، بينما لم يحظ الجزء الذي يستهدف القدرات غير الثقافية، مثل التعليم الاجتماعي والعاطفي بنفس الاهتمام، وهو أمر يدعو للسخرية.

"جحيم الامتحانات" في مرحلة انتقالية:

إذا كانت السنوات الأولى من النموذج التعليمي الياباني قد انتزعت الاعتراف الدولي بها بشكل عام، فإن الثانويات اليابانية توصف في أغلب الأحيان باعتبارها مؤسسات للامتياز، رغم خضوعها كليا لهاجس الامتحانات (روهلين، 1983). لذلك فإن إحدى الصور الأكثر انتشارا عن الثانويات اليابانية هي صور "جحيم الامتحانات". يعتبرُ اليابان، إلى جانب كوريا والصين، من المجتمعات التي تعرف بالتنافس في امتحانات من أجل الالتحاق بالمؤسسات التعليمية. فعبارات من قبيل: (education mammas)، أي تكريس الأمهات كل وقتهن للنجاح المدرسي لأبناهن، و(examination hell)، أي جحيم الامتحانات و(juku)، أي الأقسام التي يتم فيها التحضير المكثف للامتحانات خارج الزمن المدرسي، صارت جزءا من معجم الكتب المدرسية باللغة الإنجليزية التي تتطرق للتعليم الياباني. إن وجود صناعة الامتحانات المزدهرة التي توفر منتجات مرتبطة بهذه الامتحانات نفسها (مثلا: امتحانات تجريبية، كتب مدرسية مرجعية، مؤسسات الدعم أو "الجوكو") يُعتبر حجة لصالح هذه الثقافة.
ينتهي التعليم الإجباري في الطور الثانوي الإعدادي، ويواصل معظم التلاميذ الدراسة في الطور الثانوي التأهيلي. كما يتم ترتيب الثانويات في سجل التفوق حسب درجة تنافسيتها. وعوض تشجيع هذه التنافسية في مجال التعليم ركز النقاش الوطني الياباني علي الكيفية الكفيلة بالتخفيف منها. لقد ساد الاعتقاد بتجاوز الحد المقبول في مسألة التنافس في التعليم وأنه ينبغي الحد منها.
وابتداء من التسعينيات، وقبل تطبيق المنهاج الوطني لسنة 2002، تبلور النقاش المتعلق بتدني الكفاءات المدرسية، وشرعت بعض الانتقادات في التأكيد على أن المستوى الدراسي قد تدنى تدنيا كبيرا، وأن جميع الدراسات تبين أن تلاميذ الثانويات التأهيلية اليابانية يدرسون أقل مما يدرسه أقرانهم في بلدان أخرى، وأن النجاح في امتحانات الولوج للمؤسسات لم يعد عاملا حاسما للتحفيز. واتهمتْ الجهودُ المبذولة من أجل إدخال ليونة على التعليم الياباني، ابتداء من سنة 1970، والعمل على التخلي على عدة نقط في البرنامج... بتمييع المنهاج (إشيكاوا، 2002؛ تسونيوشي، 2004). وتم التركيز من جديد، منذ ذلك الحين، على العناصر الأساسية.
وبينما يعاني التلاميذ بشكل عام، حاليا، من ضغط أقل من الضغط الذي كان يعانيه أقرانهم بالأمس لولوج المؤسسات الدراسية العليا، وبينما تتوفر التخصصات الدراسية على العديد من نقط الولوج إليها... بدأت الانتقادات في إثارة عدم التشدد في امتحانات الولوج للمؤسسات التعليمية بالنسبة للجميع، واقتصار ممارسة التشدد في هذا الموضوع على الذين يخوضون صراعا للالتحاق بالجامعات الأكثر تنافسية. وبالتزامن مع ذلك، يُلاحظ وجود تدني لمستوى التنافس لدى الطبقات الميسورة في المراكز الحضرية ذات الكثافة السكانية الأكثر ارتفاعا إبان امتحانات الولوج للمؤسسات التعليمية، ذلك أن الآباء والأمهات في هذه الطبقات يخوضون صراعا من أجل تسجيل أبنائهم وبناتهم في الثانويات الإعدادية الخاصة (تسونيوشي، 2013).
يتضح أن هناك تباين واختلاف في المواقف حول المسألة التعليمية. يتم الحديث اليوم، أكثر من السابق، عن وجود هوة تفصل ما بين الطبقات الميسورة والطبقات الفقيرة، وعن وجود تفاوتات في الولوج لمؤسسات التعليم الممتاز. لقد انتهى العهد الذي كان فيه اليابانيون يعتقدون أنهم ينتمون جميعا للطبقات المتوسطة.

التعليم في عالم تسيطر عليه العولمة والتعدد الثقافي:

يحاول التعليم الياباني اليوم، مثله في ذلك مثل التعليم في بلدان أخرى، أن يكوّن المواطنين ويؤهلهم لمجتمع المعرفة على الصعيد العالمي. يتعلق الأمر بالتركيز على التفكير، وبضرورة أن يقوم المدرس بدور جديد هو دور منسق النقاشات عوض أن يكون مجرد ناقل مباشر لمعرفة لا تتغير. إن المساءلة وحل المشكلات والنقاشات هي أمثلة من بين عدة أمثلة أخرى ينبغي الأخذ بها. كما تحظى الاستجابة للمعايير "الدولية" في كل المجالات، باهتمام وتقدير كبيرين.

المرجع:
Revue internationale d’éducation de Sèvres, L’éducation en Asie en 2014 : Quels enjeux mondiaux ? Juin, 2014.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليوم 200 من حرب غزة.. حصيلة القتلى ترتفع وقصف يطال مناطق مت


.. سوناك يعتزم تقديم أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا| #الظهي




.. دول الاتحاد الأوروبي توافق على فرض عقوبات جديدة على إيران| #


.. مؤتمر صحفي للمتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري




.. الاحتلال يمنع فلسطينيين بينهم مُسن من الصلاة بالأقصى