الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخي المُؤْمنْ : لا تَتفَلْسَفْ ..! (2)

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2018 / 3 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كَمْ أُمَّةٍ لَعِبَت بِها جُهّالُها.... فَتَنَطَّسَت مِن قَبلُ في تَعذيبِها
الخَوفُ يُلجِئُها إِلى تَصديقِها وَالعَقلُ وَيحمِلُها عَلى تَكذيبِها
أبو العلاء المعري
.
كلُّ من اطّلع بإنصافٍ وتعمقٍ – ولو كان بسيطا - على بعض ما ورد في كتب التراث الإسلامي الديني ، يعلم حقاً بأنّ هناك جمهرة من رجال الدين المسلمين المرموقين والمؤثرين على عقول العامة و الخاصة قديماً وحديثاً ، قد كرهوا العلم الدنيوي ، و وصفوا علوم الأوائل كالفلسفة والرياضيات وغيرها بـأنها حكمة مشوبة بالكفر ، لأنها – حسب زعمهم - تؤدي إلى التعطيل ، أي تجريد ذات الله من كل حسنة إيجابية ..
ورأى هؤلاء الفقهاء أنّ الاشتغال بها هو استخفاف بالدين ، وصرف المرء عن العبادة ..وفيه – والله أعلم - فتنة للأذهان في العقيدة ..
ناهيك عن انها لا تفيد بشيء الانسان في الحياة الآخرة التي يجب أن تكون غاية الحياة الدنيا الفانية وهدف نولها يجب أن يبقى الشغل الشاغل للمسلم وحسب .
ولئلا يقال بأننا نرمي الكلام جزافاً أو على عواهنه دعونا نأخذ ساطع الأمثلة في بعض كبار فقهاء الأمة الإسلامية ومنظريها الأوائل ..
فمثلاً نجد أنّ أبو حامد محمد الغزّالي الطوسي النيسابوري الأشعري، (الملقب بحجة الإسلام ) وهو أحد أعلام عصره / 1058م - 1111م ..
قد صرّح في كتابه " تهافت الفلاسفة " عن أنّ خير العلوم هي علوم القرآن وأفضل الأفعال التّدَبُّرِ به ، ثم شرح فيه - كما هو معروف - بإسهاب مُحكمٍ عن أسباب تكفير العلماء من أصحاب التفكير العقلي الأوائل من المسلمين وإخراجهم من المِلّة ، أمثال الفلاسفة ( الطبيب ابن سينا – الكندي – الفارابي ) .
وكما هو معلوم ، فقد انتهى في مؤلفه الداعشي هذا ، إلى القول بكفر هؤلاء الفلاسفة المسلمين في ثلاث مسائل فقط ، وهي :
أولاً : القول بقِدَم العالم و قضيه القدَم والحدوث .
ثانياً : قضية أنَّ الله يعلم الكليات ولا يَعْلم الجزئيات.
ثالثاً : مسألة إنكار حشر الله للأجساد في الآخرة والاكتفاء ببعث الأرواح فقط
ورغم براعة " الغزّالي " في ما يُسمى بـ " علم الكلام " عند المسلمين ، وهو العلم الذي يتمُّ فيه الدفاع عن العقائد الإيمانية بالأدلة و البراهين أو الحجج العقلية ..و اطلاعه التام على بعض جوانب الفلسفة ، إلا أنه كان يرى فقط ، أنَّ من واجبه فقط المنافحة عما يعتقد أنَّه صحيح الدين ، حتى ولو تتطلب ذلك منه التخلي عن العقل و رمي قوانين العقل جانباً ..
لهذا نجده أحياناً ، وقد بدا كارهاً بشدة لقوانين آلة العلم (المنطق) ومبادئ العقل ، وساذجاً مفضوحاً في التصدي لها أحياناً أخرى ، خاصةً إنْ هي مسّت ركائز إيمانه أو اقتربت من الكشف عن تهافت توحيده ..
وخير مثال على ذلك رفضه الشهير لمبدأ السببية ، مدعياً بأن الماء يطفئ النار ليس بسبب تكوين فيهما أو بسبب طبيعتهما أو حتى لتتابع وجودهما معاً ، بل لأن الله هو فقط من جعلها تطفئ النار .. وأن القطن لا يحترق اذا اقتربت منه النار إلا إذا أذن لها الله بذلك وتدخلت إرادته ، وليس بسبب تتابع الضرورة في طبيعتي القطن و النار ، أي ان فعل الاحتراق سببه الله فقط ..
ما يعني أنَّ الإرادة الإلهية هي الفاعلة دائماً فقط في عمل الأشياء ..
من يدري ، لربما كان إصرار " الغزالي " على هذا الفهم الساذج للركن الاهم في الفلسفة ( علم المنطق ) ، سببه معرفته المسبقة بأنَّ فهم العقل لترابط الحوادث بمبدأ السببية على هذا النحو سيُضعف من مكانة هذه الإرادة الإلهية في عقول المؤمنين ، وبالتالي قد يطالهم الشك والتساؤل في قدرة الله اللامتناهية ككل .؟!.
بإختصار شديد ، لقد كشف صراحةً صاحب كتاب ( المُنقذ منَ الضلال ) و في أكثر من مؤلفٍ له ، عن عدائه الواضح للفلسفة والعلوم المُتأتيةِ منها حينذاك ، مثل (علم المنطق و الفيزياء و الرياضيات ..الخ) ، لكونها - في رأيه - علوم تُبعد عقل المؤمن المُسْلم عن طريق الايمان الحق ، وقد تفعّل عاقليته في أمور الدنيا وتلهيه تجارتها ، أو تجعله يسأل ويناقش في أمور قد تسوءه أو تشوّش عليه إيمانه الخالص بدين الحق على الأقل ..
قصارى القول : لابدّ لنا من الاعتراف أنه وفي خضم هذا المنهج الايماني المغلق في التفكير ، وهذه الروح العنيدة في محاربة العقل الفلسفي لصالح النص أو النقل ، فقد نجح شيخنا الجليل " أبو حامد الغزالي" في سلب ألباب الجماهير المؤمنة ، و تمكن من بث كراهية التفكير العقلي المنطقي (الفلسفي ) في عقول الأجيال اللاحقة من المسلمين ، والتي للأسف مازلنا نرى آثارها ممتدة في الناشئة المسلمة حتى الآن ..
وللحديث بقية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حول اتهام الغزالي
قريان عبد الجليل ( 2022 / 2 / 17 - 17:00 )
ارجو من صاحب المقال ان يقرأ كتاب المنقذ من الضلال للغزالي لانه يبدو انه لم يقرأه إلا على طريقة ويل للمصلين، وانصحه بقراءة المقدات المنطقية في كتاب أوائل كتاب المستصفى للغزالي فإنني أجزم ان تكتب مقالا آخر تتبرأ فيه مما كتبته في هذا النص، الاقتطاع من النصوص والانتقاء المقصود لا يليق با] كاتب

اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #