الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد المولى

رولا حسينات
(Rula Hessinat)

2018 / 3 / 5
الادب والفن


لم يعرف عبد المولى ما الذي أيقظه؟ وما الذي جعل قلبه يخفق بهذه السرعة؟ ولم هو في عجلة من أمره في هذا اليوم؟!...أخذ يسبُّ ويشتم كل من أثار جنونه، وجعله يخرج عن طوره...سبابه ولعناته لم تكن لتفيق أهل البيت المسكون بالشخير، والكثير من البلادة، ولم يكن ليخرج عن طوره لولا حدوث خلل ما في عادته في استيقاظه اليومي لصلاة الفجر؛ حين ترتفع عقيرة المؤذن سليم بالأذان، وقد صعد إلى سطح المسجد، والكثير من السكون يسكن فوق أم الدبابير كان كفيلاً بأن ينقل صوته حاملاً الأذان إلى صيوان أذنه؛ ليس هو فحسب بل جميع ساكني أم الدبابير؛ لكن شيئاً ما حدث جعله يخرج عن روتينه اليومي ...أنصت جيداً لذلك الصوت الذي يأتيه من النافذة الطولية التي تعلوها نصف دائرة، ودرفتي الشباك قد فتحتا على مصراعيهما ولم يبن بعد الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
كل الأمور تدله على ما اعتاد رؤيته إلا أنّ ضربات قلبه كانت نافرة، وقد بلغت الحلقوم، كان الصوت يأتيه جلياً صوت سليم متهدجاً، وكان به حشرجة ما صدَّ سليم و قد بكى كثيراً، ولم ينته بعد: الصلاة خير من النوم، حانت القيامة...
-وما أدراه بالقيامة...!
أخذ يقلب عبد المولى كلمة القيامة في ذهنه، وقد تسمر عندها، ولم يعِ الأمر حقاً...
- هل يقصد سليم أن القيامة قد أزف موعدها؟ وأن عليه أن يلملم أغراضه، ويرتحل إلى الطريق منتظراً لها، ولكن ما الذي عليه أن يحمله؟ فلن يستطيع حمل غير ملابسه!
النهاية...كلمة لم يتوقع قدومها بالمرة...ولم يتوقع أن تأتي بهذه السرعة، لم يكن أمامه وقت ليفكر؛ عليه أن يصلي، ويصلي، ومن ثم يدبر أمره، ومن ثم يصلي، ويصلي، وهو ينتظر ويصلي، وهو يدعو...
لم يكن يفكر بهذا النشاط اليومي الذي يقوم به يومياً خمس مرات وفقط، ما يفعله يومياً لا يسميه بالحاج، ولا يزيد من وقار شكله، وهيئته الخاشعة.
ببساطة لم يكن أيُّ شيء يكفل له بان يكون الحاج حتى لحيته...السروال الأبيض، والجلابية الواسعة الأنيقة، الصداري، والكثير من دهون الشعر بزيت السيرج الذي يضعه مع الماء الفاتر أيضاً حتى يزيل عنه البلغم، ورغم ذلك لم ينته إخراجه للبلغم...
كل شيء له استخداماته المتعددة، والتي لا يمكن أن تتوقف عند غرض واحد بل تتبعه بسلسلة غير منتهية بالاستخدامات كالآلام بطنه، والصديد الذي يقطر من أذنه. وقد تستخدمه أم البنين والبنات أيضاً ولم لا...
استفاق من تفكيره وهو يهم بالخروج من غرفته، لن يوقظ زوجته سنية مهما حدث، فليدعها ربما فاز بما هو خير منها، وأجمل، ولم يكن بباله أن يقوم بشيء مع أولاده؛ فشخيرهم يكاد يخرج من خرم الباب، ولكنه لم يصدق عينيه بهالة النور التي كانت تملأ بيته الأسمنتي الذي جدد طلاءه بعد أن أضاف حجرتين إلى غرف البيت؛ رغم أنهما أقل حجماُ لتتسع لأولاده الكثر الذين لم يفق إلا وقد لفظهم البحر إليه...كانت هالة النور تكاد أن تعمي عينيه؛ فلم يعتد سوى السير في الظلام ليصل إلى دورة المياه التي تنتهي بالممر الضيق الذي يفصل الغرف على الجانبين...
ما شاهده جعله يجفل؛ سنية تقف وهي تحمل دموعها بين كفيها، وقد غرقت بصفحة وجه مغموسة بيدين مرتعشتين..رعشة صوتها ويديها وهي تلح بالدعاء أسقطت كل مفاهيم الدنيا إلى الآخرة...
- أتراها سمعت ذلك النداء؟! إذاً لم يكن الوحيد الذي سمعه...وكان أيضاً بطابور طويل يتأفف وهو ينتظر دوره...أولاده الستة وبناته الأربعة...الغريب في الأمر أن أولاده الستة لم يعتادوا النوم إلا وقت أذان الفجر حيث يعلو شخيرهم، ولا توقظهم قنبلة نووية...لم يكن ذلك الغريب في الأمر فقط بل اللون الأبيض الذي يرتدونه من بنات وبنين..متى كان لكل منهم جلابيته البيضاء، وينتظرون دورهم للوضوء!
أشياء غريبة تحدث لها تتفاقم بعد صحوته بكامل قواه العقلية بعد ما سمع من المؤذن سالم كلمة القيامة...
لم يكن هذا حال الحاج عبد المولى فقط بل كان حال القرية كلها؛ التي هبط عليه نبأ القيامة من قم المؤذن سالم كالصاعقة...
وهيبة التي لم تشأ أن تموت، وعلى جسدها شعرة واحدة بقيت، وبقيت بعجينتها السكرية تزيل كل شعرة نافرة على جسدها حتى رفع الأذان الثاني...
جاد الله وعبد المقصود وحنفي جيران منذ أن قامت الدنيا، ووجدوا أنفسهم يلعبون صغاراً ويلعبون الطاولة في القهوة شباباً، وتحت طاقة النور في المسجد وهم يحنون ظهورهم وقد نحت الوجع أجسادهم.
لكنهم ولأجل عجل حنفي الذي أكل برسيم جاد الله، والذي اقتحم حوش دار عبد المقصود فداس دجاجته البياضة، ففار دم عبد المقصود فأمسك العجل بفروسية نادرة، وذبحه وفرق لحمه لوجه الله... رغم أنه فكر بان يحتفظ به للعيد الكبير...لكنه قرر أن يذبحه والحديد حامي.
وكان ذلك منذ زمن بعيد ربما قبل عشرين عاماً ولكن النار كانت تتأجج في كل يوم...ولكن اليوم أمر مختلف؛ فلقد انتهت الحياة، وسترفع أعمالهم، وسيحاسبون، وربما سيمنع هذا الخلاف دخولهم الجنة... أسرعوا للوضوء بماء المسجد فضجيج دورهم قد شق سكون الفجر بصياح الدور على دورة المياه.
ثلاثتهم كانوا عند باب المسجد ليطلبوا المسامحة، كل واحد من جاره، وتبادلوا السلام بعد سنوات طويلة من الفراق والسب والشتم...
الخطوات الخمس عشرة التي كانت زينات تعدها من أجل أن تحفر للعثور على غوايشها، لم تحسن عدها، لقد خطت خمس عشرة خطوة بالضبط، وحفرت في حوش الدار، وعندما لم تجد شيئاً أنقصتها إلى أربع عشرة خطوة، ومازالت تنقص وتزيد دون جدوى، لم تجد شيئاً.
الأولاد الصغار الذين لم يحسنوا الطهارة بعد لم يكن ببالهم شيء غير أنهم استيقظوا مبكراً وهموا للعب؛ غير أن الخوف الذي تملك أهلهم جعلهم يتأملون المشهد، وفي ذهنهم سؤال: أحقاً يريدون القيامة لتصلح أحوالهم؟!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا