الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى الموهوب إبراهيم عيسى: -حمرا -

سيد طنطاوي
(Sayed Tantawy)

2018 / 3 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


"ويل للعالم إذا انحرف المثقفون"، تلك كانت صرخة التحذير في رائعة "البيضة والحجر"، والتي جرت على لسان أحمد زكي محذرًا من خطورة انحراف المثقف على الحياة العامة، لكن التطور الطبيعي لهذه النظرية تجده في مقولة الشاعر النوبي الجميل رامي يحيى: "ربنا يكفينا شر الموهوب لما يعرض".
نظرية البيضة والحجر وتطورها على يد رامي يحي تجدها تنطبق بالملليمتر على إبراهيم عيسى، ذلك الرجل الذي لا بد لك حين تواجه أن تعترف أنه حاد الذكاء، فذ الموهبة، عبقري في الصناعة الصحفية.
يتشابه "عيسى" والمدعو معتز عبدالفتاح في أن كلاهما كان من أوائل الجمهورية في شهادة الثانوية العامة، "عبدالفتاح" اختار الطريق الأقرب فقال عند تكريمه وسؤاله ما شعورك وأنت الأول على الجمهورية: "أنا بشكر السيد الرئيس حسنى مبارك وبشكر ماما سوزان".
"الدوك معتز"، كان واضحًا، خلع ثيابه مبكرًا وقال: "يا مطبلاتي من يشتريك"، وكان له ما أراد.
قبل أن تحتقر "معتز" عليك أن تُدرك أن إبراهيم عيسى سار على نهجه، تمسح في مبارك وأصبح مداحًا صامتًا لماما سوزان، لذلك رغم خلافاته المصطنعة وجل -إن لم يكن كل- معاركه الوهمية ظلت إصداراته قبل ثورة يناير تحت لواء مكتبة الأسرة وراية الماما سوزي، والهام جدًا أنه حرم التوريث على مبارك وأحله لنفسه، فاستبعد أرباب المواهب وأفسح المجال لشقيقه.
"عيسى" اختار التَقِيّة منهاجًا، يدعي المقاومة والنضال، لكنه أول الراضخين، ممسكًا في الوقت ذاته بعصا موسى عبر اللعب على أوتار تعيده للمشهد الذي يريده في الوقت الذي يحدده، منها الحقوق والحريات، وخاصة حرية النشر وإشعال أزماتها بنشر موضوعات يعرف مسبقًا أنها ستصادر وذلك هو مبتغاه منها، وحينما تحدُث المُصادرة يعود عبر بوابة المظلومية التي لا تُسد طرقها ولو في جوف الليل المظلم.
بالطبع، المصادرة مرفوضة على طول الخط، لكن الشيء الذي لا يُمكن قبوله هو افتعال أزمات من أجل مصالح شخصية تؤثر على قضايا يستمر فيها النضال منذ سنوات لنيل حقوقها.
بدأ عيسى التوهج صحفيًا، تلميذًا في مدرسة "روزاليوسف" بقيادة عادل حمودة والذي قال عنه: "إنه كبيرنا الذي علمنا السحر"، فتعلم مع رفقاء دربه، منهم على سبيل المثال وليس الحصر عبدالله كمال ووائل الإبراشي، الحرفية، فقدموا مدرسة جديدة تخلط الدين والجنس والسياسة في مركبٍ واحد ينتج صحافة تجبر القارئ المختلف معها قبل المتفق أن يقتنيها.
مر الزمن وشرب "تلاميذ حمودة" أساليب الخلطة الصحفية وصنع كل منهم اسمه، إلا أن "عيسى" تفوق عليهم جميعًا في أنه قادر على فصل كل مركب من المركبات الثلاثة سواء الدين أو الجنس أو السياسة، واللعب به منفردًا في تشكيل صحافة جديدة من أجل السلطة أو النظام الذي يدعي أنه على يساره، رغم أنه في حقيقة الأمر "ملك يمين له".
قبل عصر السوشيال ميديا، خاض "عيسى" تجربة الدستور القديم عام 1997، فلعب على وتر الصحافة التي يفتقدها الشارع، مستعينًا بما حققته جريدة النبأ في تناولها لموضوعات لم تكن الصحافة القومية قادرة على تخطي خطوطها الحمراء، وهنا أصبح لديه موهبة الخلطة التي اكتسبها من عادل حمودة والنموذج الخاص الذي كان يعزف منفردًا وهو النبأ، ليأتي عيسى بنموذج متكامل يشار إلى بالبنان وهو "الدستور القديم".
موهبة عيسى، تكفل له معارضة النظام، مع الحفاظ على نظافة ملابس سيده، مستعينًا في ذلك بسياسة الاستشهاد على صليب الحريات، حاجزًا لنفسه لقب صاحب أكثر القضايا الصحفية جرأة، وأكثر المنتقدين بحدة، فرغم أنه أكثر المُدركين لسياسة ما يجب أن يُقال وما لا يجب ألا يُقال باعتباره من مسئولي الديسك المركزي في المجلة القومية إلا أنه بارع في افتعال الأزمات والغناء عليها.
ظل لمدة تزيد على العامين يقدم صحافة حادة نوعًا ما في جريدة الدستور، وحينما لم يجد مراده، بحث عن سياسة "ضربة بالفأس خير من 100 بالشاكوش"، فنشر بيانًا منسوبًا لإحدى الجماعات الإسلامية، وهو ما اعتبرته وزارة الإعلام بيانًا غير مقبول، وقد يكون مثيرًا للفتنة الطائفية، فتم إيقاف الجريدة.
حاكمته أجهزة الأمن بتهمة نشر أخبار كاذبة عن صحة "مبارك"، وصدر حكمًا ضده بالسجن سنة، وبعد سجال في المحاكم عفى عنه "أبو علاء".
في النهاية صادرت الحكومة 3 صحف كان يتولى رئاسة تحريرها، ورواية بعنوان "مقتل الرجل الكبير" صودرت أيضًا، لكن "هيما" ظل حريصًا على الحفاظ على شعرة معاوية بينه وبين أي نظام مهما كان مختلفًا معه والدليل موقفه من الإخوان، فقد تقارب معهم وسفه من خطورة وصولهم للحكم، ولم يهاجم قيادات الجماعة إلا بعدما تأكد من قرب ذبح الجماعة، فوقف ينتظر مع الجموع تصريح الدفن وشهادة الوفاة وذلك رغم تاريخه الصحفي في مطبوعة لم تعرف يومًا المهادنة مع الجماعة، لكنه بعد سقوط الإخوان قفز كعادته على خطاياه شاهرًا سيفه واقفًا أمام الكاميرات وكأنه يغسله من دماء النصر.
في الفضائيات كان إبراهيم عيسى حاضرًا بقوة، فقدم برنامجيّ الفهرس والله أعلم على قناة دريم، وحريص في برامجه أيضًا على خلطة الدين والجنس والسياسة والبحث بهما عن الاستشهاد بوقف أحد البرامج ومن ثمّ الصلب مجددًا على صليب الحريات.
قدم برنامج "على القهوة"، يُناقش فيه الأوضاع السياسية وتحقق فيه مبتغاه ومنعته السلطات المصرية، فعاد إلى فرع آخر وهو الدين عبر تقديم سيرة الصحابيين أبي بكر الصديق وعمر ابن الخطاب وكذلك سيرة عائشة بنت أبي بكر وفاطمة بنت محمد، فيما اكتفى في الجنس بالاسم فقط عبر برنامجه "حمرا"، والذي يحمل معنًا شعبيًا يدركه عيسى "الصايع".
ثورة يناير بالنسبة لـ"عيسى" هي المولد للدرويش، ومن ثم كان طبيعيًا أن يحرص على أخذ لقطتها، فظهر يده في يد "البرادعي" بالميدان، باعتباره سياسي يُصنفه البعض في خانة المعارضة، وقدم برامج تحتفي بالثورة، لكنه في المقابل كان واحدًا ممن طعنوا الثورة بخنجر الكِبر، مدعيًا عن عمد إيصال صورة أن الثورة اكتملت والدرس انتهى لموا الكراريس، مفسحًا المجال بهذا الفعل للفلول والثورة المضادة في الانقلاب على يناير، والأمر ليس افتراءً على الرجل، لكنه من صفحات كتابه "ألوان يناير" الذي ظهرت فيه كتابات عيسى على فطرتها الأولى فكشفت عن نواياه التي لا تحتمل شمس النهار.
صدر كتاب عيسى في 2012، وكانت آراؤه في الكتاب تحمل سذاجة سياسية غير معهودة فكل ما قلل منه عانينا منه، وكأنه كان شريكًا في وصول أبناء يناير إلى هذا الوضع المأزوم، فمن ذلك قوله "أخشى أن التهديد بأن مبارك موجود خلف الحائط إنما يخدش هذا النصر الحاسم والنهائي الذي حققه الشعب برحيل الدكتاتور"، والحقيقة أنه قال أمامنا مشوار لإسقاط الديكتاتورية، لكن بدا بلا خبرة سياسية يُفترض فيها أنها تستكشف وتترقب المجهول القادم، ثم عاد لنا ليقول: "شبح أن الثورة ستسقط في يد الإخوان يتم ترويجه لإجهاض الثورة أو لتفضيل الاستمرار تحت كنف الكنيف السياسي"، ثم ذهب ليعلق على حركة تغيير المحافظين التي تمت في 2011 ليقول: "طريقة تعيين المحافظين الجدد التي جاءت سقيمة قديمة بدت كأن مبارك هو الذي عينهم رغم إقراره أن مبارك رحل وأن الديكتاتور سقط إلى غير رجعة، ونسى النصر الحاسم الذي تحدث عنه .. نعم إبراهيم عيسى يأكل كلامه وتنظيره أيضًا، وفي النهاية ووقت الجد الذي لا يحتمل اللعب بالكلمات قال في شهادته أمام المحكمة: "لا أظن أن مبارك يأمر بإطلاق النار على المتظاهرين".
وصل الإخوان للحكم وتآمروا على الثورة وأجهضوها، لكن لم يخرج عيسى ليعتذر عن أن قراءته للمشهد كانت خاطئة وأن هناك من يسعى لإيصال الإخوان للحكم ليأخذ الثورة في الحارة المزنوقة يوسعها ضربًا وهي معصومة العينين ومربوطة اليدين، لكن السؤال: "هل إبراهيم عيسى هو الوحيد الذي سقط في فخ الخداع من الإخوان؟ الإجابة: لا، بل هناك ملايين، لكن هناك من فعل ذلك عن اقتناع وهناك من اعتذر عن خطيئته أما "عيسى" فلم يكن بين هذا أو ذاك، بل ظل فرحًا يقهقه على الثورة التي قال إنها نجحت وأسقطت الديكتاتور في النصر الحاسم، ثم عاد ليقول في 2016: "ثورتا 25 يناير و30 يونيو فاشلتين"، إلا أنه حرص على تسمية 52 بالثورة الوحيدة الناجحة وهو إطار يمدح فيه أعداء يناير قبل كل شيء باعتبار أنهم لا يعترفون إلا بـ"يوليو" التي أوصلتهم للحكم لتكون مغازلة جديدة منه لأسياده ذوات "الدبورة والنسر والكاب"، ليعود ويقول: "لم يستفد أحد من ثورة يناير إلا أنا والسيسي، فكيف يستفيد من الثورة الفاشلة إلا لو كان عدوًا لها.
يعتمد إبراهيم عيسى على ذاكرة السمك، فيقفز دومًا على سقطاته، خافيًا حقيقته وفي كل مرة يخرج علينا في ثياب الواعظين، منظرًا من برجه العاجي، متحدثًا عما يُفترض أن يكون، مُزينًا أقواله بـ"ألم أقل لكم"، لكن براعته تبرز في أنه قادر على إقناع دراويشه بالأمر وبعد عام يقنعهم بعكسه دون التذكير بمقولته الأولى، باعتبار أن ما قاله في برنامجه الأول كلام انقضى، فهو يؤمن بالنظرية وضدها، ليبقى رجل التناقضات ذو الوجه المفضوح، لكنه لا يُبالي.
عاد مؤخرًا يرتدي ثياب الواعظين في برنامجه "حوش عيسى"، غاسلًا يديه من فساد تنظيراته واثقًا أن غرفة الغافلين أو بالأحرى المُغفلين تسع ملايين، لكن هيهات "حوش عيسى" أو "تكية أم إبراهيم" أو "قرافة أم حسين"، لا يُلدغ الثوري الحق من جُحر إبراهيم عيسى مرتين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل