الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لسوءِ الأمانة ثمنٌ وللجُبْنِ أثمانُ

محمد ابداح

2018 / 3 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


في عام 1995م توجهّ رجل أفريقي من دولة مالي يُدعي (فوتانغا باباني سيسوكو) إلى بنك دبي الإسلامي بغية تقديم طلب قرض لشراء سيارة، ثم قام بدعوة مدير فرع القروض (محمد أيوب) على العشاء، ودار بينهم حوارٌ غامضٌ وإسطوري لم تتكشف فصوله حتى عام 1998م، انتهى بخسارة البنك لمبلغ قارب الرّبع مليار دولار أمريكي، وبصرف النظر عن المهاترات التي أدلى بها المواطن الإماراتي محمد أيوب من أن المواطن المالي قد احتال عليه باستخدام السحر الأسود لكي يتمكن من سرقة كل تلك المبالغ، والتي قام أيوب بتحويلها تباعا طوال الثلاث سنوات من أرصدة المودعين دون وجه حق، إلى الحسابات المصرفية العائدة للمدعو سيسوكو المختلفة حول العالم. لقد قام الأخير بالتصرف في تلك الأموال في أوجه عدة توزعت بين الإستثمار والتبرّع وشراء الطائرات، حتى سقط في أيدي المخابرات الأمريكية عند محاولته لشراء طائرات حربية، وتم سجنه بتهمة محاولة رشوة موطفي دائرة الجمارك الأمريكية، وخرج بعد أقل من شهر بكفالة قدرها 20 مليون دولار فضلا عن جملة من التبرّعات السخية لمؤسسات خيرية أمريكية، وبعدها استقر في مالي.
تم التحقيق مع محمد أيوب، وبالطبع فإن القاضي لم يقتنع بقصة السّحر، وأتُّهم أيوب بسوء الأمانة والإختلاس وتم الحُكم عليه بالسجن لثلاث سنوات ونصف، وقامت حكومة دبي بتعويض المال المفقود، والتستّر على تلك الفضيحة، ولولا تتبّع الصحافة الأمريكية والغربية لخيوط وملابسات قضية سيسوكو والتي أفضت في النهاية لكشف حقيقة الأمر، لما عرف أيُّ شخص بتلك الجريمة.
لقد كان الثمن الذي دفعه أيوب لقاء خيانته للأمانة هي السجن وفقا للقانون، وقيام حكومة دبي بدفع الأموال المنهوبة كون البنك لم يكن مؤمّنا قد منع أفلاسه، بخلاف ما حدث مع بنك البتراء بالأردن في الثمانينات، والذي قام أحمد الجلبي وشركاه بنهب كافة الأرصدة وتحويلها للخارج، مما أدى لإفلاس البنك وإغلاقه، ولم يكن أمام كافة المودعين وعملاء البنك المنكوب سوى الهرولة في ماراثون لطمٍ درامي، تفوّق بقسوته على تراجيديا اللطم والتطبير الشّيعي، فيما بين ديوان المظالم لدى مكاتب الديوان الملكي الأردني في العاصمة عمّان وبين المحاكم الوطنية والدولية، والتي أخذت تُقصي نفسها عن قبول القضايا بحجة عدم الأختصاص! ولا يزال ماراثون اللطم العربي مستمرا إلى الآن لكن تتعدد الأسباب واللطم واحد.
إن الثمن الحقيقي الذي يُدفع نتيجة لسوء أمانة أيوب او أحمد الجلبي وأمثالهم ممّن يختلسون أموال بنوك أْؤتُمنوا عليها؛ يدفعه دائن البنك او المودع، وليس المُختلس أو مُسيء الأمانة، فالمودع أفنى وقتا وجهدا لجمع ماله، وهو بحاجة ماسّة له، ليبني بيتا أو يُعلّم إبنا أو إبنة أو يعالج مريضا، ورّغم تلك المأساة فهي تكون محدودة مقارنة بحجم مأساة وطنِ يكون زعيمها مُختلسٌ مُحتالٌ ولصٌ مُسيءٌ للأمانة، حيث سيبقى الشعب في سباق ماراثوني على غرار ماراثون ضحايا بنك البتراء الأردني.
لطالما تعوّدنا منذ أكثر من 1400 عام، الإستعاذة من الهمّ والحُزن والعجز والكسل والجبن والبخل وغلبة الدَّيْن وقهر الرجال، وعلى ما يبدو فإنه وبعد كل تلك الأعوام الطويلة من الدّعاء، لا زلنا نغرق أكثر في الهمّ والحُزن والعجز والكسل إلى آخر القائمة، غير أن ما يهمني في هذا المقال هو ذلك الجبن، لذا إسمحوا لي بأن أروي لكم قصة رجل عاش في زمن الجاهلية، كان يُدعى أبي حية النُميري، وكان له سيفا من خشب أسماهٌ (المنيّة) وفي يوم من أيام الشتاء الماطرة سمع صوتاً بفناء بيته فصرخ قائلاً: أيها المغترُّ بنا المجترئُ علينا... بئس والله ما اخترت لنفسك، خيرٌ قليل وسيفٌ صقيل ( يقصد سيفه الخشبي-المنية)، مشهورة صولته ولا تخاف نبوته، اخرج بالعفو والتوبة أو لأدخلن عليك بالعقوبة، إني والله إن أدع قيساً تملأ الفضاء عليك خيلاً ورجلاً... إلى آخر القصة والتي أستمر فيها صاحبنا النُميري في الصراخ والوعيد حتى هبّ أهل الحي كله حول داره، ثم تبين بأنّ الدّخيل لم يكن سوى كلبا أعياه الجوع والبرد والمطر فآوى لفناء دار النُميري، فقال له الناس: إنما هو كلب، فجلس وهو يقول: الحمد لله الذي مسخك كلباً وكفاني حربك!.
رُبّما تُذكّرُنا قصة صاحبنا النُميري بقصة (إبطيحان) في المسلسل الأردني وضحة وبن عجلان، جبان يُقاتل فقط حين يشعر بالأمان (وإذا ما خلا الجبان بأرض ... طلب الطعن وحده والنزالا)، وهو ممّن ( يحسبون كلّ صيحة عليهم )، وهذا هو حال الحكام العرب في الوقت الحالي، (فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) (الأحزاب:19)، وكأني بهذه الآية تنطبق على حُكام العرب أمام رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين، ومن المعلوم أن الجبان لا يدافع عن أهله ولا عرضه ولا ماله، بل لا يكاد يدافع حتى عن نفسه :
أضحت تشجعني هند فقلت لها: إن الشجاعـة مقــرونُ بها العَـطــَبُ
لا والذي حجت الأنصـار كعبته ما يطلب الموت عندي مَنْ له إربُ
للحرب قوم أضل الله سعيهـــمُ إذا دعتـهم إلى حــوماتها وثــبــــوا
إذن فالجبن خلق ذميم يجلب الذلّ والمهانة، ولكن ما هو الثمن الذي تدفعه الشعوب نتيجة جبن حكامها؟
وفاءا لهذا السؤال ينبغي أن نعلم أولا الفرق بين الثورة الشعبية والإحتفالات الرسمية، في الحقيقة لا أجد فرقا على الإطلاق فالثورات الشعبية في الثقافة العربية باتت وظائف تساهم في حل مشكلة البطالة في الوطن العربي، تماما كالإحتفالات الرسمية المستمرة والتي تحولت إلى وظائف برعاية أجهزة المخابرات، تضم في كوادرها الوظيفية كافة أطياف الشعب، ابتداءا من عامل النظافة وطاقم الوزراء، مرورا بمهندس الصوت والمخرج والكاتب والسائق وبائع العصير والمطرب والراقصة ورجال الدّين والفنانين التشكليين والرياضيين وانتهاءا بالمتقاعدين.
إذن ففي الوطن العربي بات لافرق بين الثورات الشعبية والإحتفالات الرسمية، ذلك كان أكبر ثمن تدفعه الشعوب العربية نتيجة جبن حكامها، وأما الفساد ونهب الأموال والفقر وهتك الأعراض وانعدام التنمية وموت الكرامة وضياع الأوطان، فكلها مقبلات تقدمها أجهزة الدولة للشعب أثناء الإحتفالات الرسمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة