الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمل الهش في العراق

فلاح علوان

2018 / 3 / 6
الحركة العمالية والنقابية


مقدمة
تفرض ظاهرة العمل الهش نفسها على الاقتصاد السياسي وعلى الاقتصاد الاكاديمي بصورة ملحة يوما بعد يوم، بعد ان فرضت نفسها في الواقع الحياتي والاقتصادي، واصبحت جزءا اساسيا يفوق في حجمه واتساعه، احيانا كثيرة العمل المنظم.
يسعى الاقتصاديون اليوم الى ايجاد تعاريف محددة للعمل الهش، ثم دراسة اساليب تنظيمه أو قنونته، اي تناول العمل الهش والعاملين في نطاقه ومعيشتهم كظاهرة اقتصادية قائمة وليس كحدث ثانوي او طارئ. وبالرغم من ان تعبير "الهش" قابل للنقاش ولا يرتقي الى سعة مفهوم عام، فاننا سنستخدمه بالمعنى المرن مع شروحات او استدراكات.
وحيث ان أشكال العمل في العديد من القطاعات اليوم في الاقتصاد المعاصرمتأرجحة متغيرة متقلبة، لا شكل محدد لها، فان الصعوبات في فهم العمل الهش تفرض الامعان في الوصف ووضع التحديدات. ومما يضيف صعوبات الى الموضوع هو التداخل بين مصطلحات العمل غير المنظم، والعمل غير النظامي، والاقتصاد غير المنظم، والقطاع غير النظامي.. وهكذا.
لا نسعى هنا الى تحديد مفاهيم صارمة وقياسية للظاهرة المعنية، قدر ما سيكون المحور الاساس في تناول الموضوع، هو الجذر الاجتماعي، والتأثير الاجتماعي والاقتصادي للظاهرة، واثرها على التنظيم العمالي، وارتباطها بحركة رأس المال العالمي. وهناك مجموعة تعاريف يمكن الاعتماد عليها في وضع اطار مفاهيمي في البحث.
وتزداد الصعوبة مع نقص البيانات التي تكشف اعداد او اوضاع العاملين في الاقتصاد غير النظامي، واحيانا انعدام مثل هذه البيانات وحتى الكتابات الصحفية او المقالات، مع بعض الاستثناءات هنا وهناك. الا ان ابحاثا عالمية عدة قد تناولت الموضوع من اكثر من زاوية. ويبدو الامر اكثرقتامة في المجتمع الريفي، وخاصة عندما يتداخل عمل المرأة المنزلي مع العمل الذي يدخل الى السوق ويجري تبادله، او مع عمل الاولاد غير مدفوع الاجر في رعي المواشي او في الحقول، والذي يجد طريقه الى السوق، ويدخل في دورة الانتاج والتبادل.
وهنا سنلجأ الى استخدام معطيات ومؤشرات الاقتصاد الكلي وحجم الدخل والناتج الاجمالي وحجم التشغيل ومساهمة المنشآت في القطاع الرسمي في الانتاج، لدعم معلوماتنا ومعارفنا بشأن الموضوع. وحتى مع توافر هذه المعطيات، والمشاهدات اليومية واللقاءات وتجمعات العمال واحتجاجاتهم، فان دراسة روتينية لن تكون في المتناول، ليس لمجرد نقص المعطيات بل لخصوصية الظاهرة نفسها، وبسبب الهدف المقصود من وراء البحث، وهو دراسة الظاهرة في حركتها ومصائرها ومآلها.
ان التوجه الاقتصادي العالمي للرأسمالية، فرض انماطا جديدة من الاعمال والانشطة الاقتصادية، برزت بصورة جلية خلال العقود الاخيرة. وتتسم على الاجمال بكونها تختلف في طريقة ادائها عن الاشكال المعروفة في الانتاج والتداول، أي انها خارج معايير الاقتصاد الرسمي، وتكاد تطبع اقتصادات الدول التابعة بصورة متسارعة وواسعة بطابعها، ويمتد اثرها بصورة واسعة الى الاقتصاديات المتقدمة.
وعلى الرغم من ان موضوع العمل الهش، هو موضوع عالمي، وان بواكير تشخيصه قد جرت في افريقيا في السبعينيات، الا انني ساركز على العراق، مع الاشارة الى الظاهرة في العديد من الاقطار سواء في افريقيا او اسيا او امريكا اللاتينية اي ما صار يعرف بالجنوب، وكذلك في الاقطار الرأسمالية المتقدمة في امريكا الشمالية واوربا، او ما يصطلح عليه بالشمال.
ان الغرض الاساس من سلسلة المقالات هذه هو تناول موضوع العمل في القطاع غير النظامي، لا باعتباره عرضا ونتاجا لازمة عابرة، او انه قصور في التنظيم يمكن تلافيه بحزمة اجراءات ادارية واقتصادية، بل للبرهنة على ان اتساع العمل في القطاع غير النظامي هو من متطلبات الرأسمالية والنمو الرأسمالي وتأمين قوة العمل الرخيصة غير المضمونة.
فاذا كانت الفاشية قد اختزلت الحياة السياسية الى فرد اعزل من اي تنظيم او نقابة او جمعية مقابل جهاز دولة هائل، اي اعزل مقابل ترسانة، فان النيوليبرالية تسعى لوضع العامل اعزلا امام جبروت رأس المال، مقابل المال البارد من كل شعور واحساس الا شهوة الربح المستعرة.
اي بكلمة وضع العامل المستلب في مقابل الرأسمالي ومقابل جدران المصرف الصماء الثقيلة؛ الرأسمالي الصناعي الذي لا يرى في العامل سوى مصدر ربح يجب ان لا ينضب ولا ينخفض، والتاجر الذي لا يرى فيه الا جيبه، الذي يجب ان يستنزفه.
يتخذ الامر في العراق شكلا اشد مأساوية، جهاز دولة موزع بين الحكومة واجهزتها العسكرية، والاحزاب المسلحة والمليشيات ورجال الدين والشيوخ والمافيات والعصابات. مقابل عامل منزوع السلاح حتى من النقابات الصفراء، ومكاتب احزاب تتحدث عن الحياة السياسية دون ان تنخرط فيها فعلا.
وبحسب احصاءات الحكومة فان أعداد العاملين في القطاع غير النظامي، تفوق كثيرا أعدادهم في القطاع النظامي، سواء القطاع العام ام الخاص. اذ تتحدث وزارة العمل عن اكثر من 7 ملايين عامل في الاقتصاد غير النظامي، عدا عن العمالة الاسيوية الوافدة، والتي تتدفق الى العراق تحت ستار السياحة وليس للاقامة والعمل، وبالتالي فان وضعهم غير قانوني اصلا.
ويجمع العمل الهش اشكالا متعددة من وجود شغيلة بين عمال مياومين وقتيين وفقراء كادحين وعمال خارج اطار اي تغطية قانونية.
واذا كانت سنوات ما بعد الاحتلال قد ابرزت هذه الظاهرة الى الواجهة بصورة سافرة، فانها لم تنبثق مباشرة كاملة وتامة التشكل، ان جذورا تاريخية سابقة قد لعبت دورا اساسيا في رسم ملامح هذه الظاهرة وبلورتها.
اربعة عوامل رئيسية تحدد العمل الهش في العراق من حيث حجمه، ظروفه، تاريخه، تأثيره الاقتصادي والسياسي.
اولا: الجذور التاريخية للاعمال التي استمرت الى اليوم ضمن اطار تنظيم شبه حرفي، وليس صناعي.
ثانيا: الحصار الاقتصادي.
ثالثا: مرحلة الاحتلال وما بعدها. وما عرف بالفوضى الخلاقة.
رابعا: الاعمال والصناعات التي يصعب تقنينها ووضعها في اطار اقتصاد رسمي مسجل، اما كونها من مستحدثات الاوضاع الانتقالية، اوبحكم طبيعتها التاريخية وتوارث تقاليدها.
جذور العمل غير النظامي في العراق تمتد الى صناعات واعمال احتفظت بالطابع الحرفي التقليدي القديم حتى في المدن ، مثل البناء، والصناعات التقليدية شبه الحرفية.وكذلك القطاع الزراعي والصيد، تربية المواشي، الزراعة الريفية شبه العائلية، عدا مزارع الحكومة والمزارع النظامية، الصناعات الصوفية التقليدية، صناعة الالبان المحلية، انتاج الخضروات، وتجارة بيع المفرق وملحقاتها.
لم تشكل هذه الفروع، بقايا لمرحلة ما قبل التصنيع، ولم تكن في تكن تمر في طور الانحلال، انها لا تلعب ادوارا رئيسية في اقتصاد واسع حديث، ولكنها مع انهيار الاقتصاد، وفي المراحل الانتقالية، تساهم في تفعيل وتعزيز وتقوية كل اشكال العمل غير المنظم في اطار رأسمالي واضح. اي انها تلعب دور التقليد القابل للنمو والاتساع.
لقد استجدت في مرحلة ما بعد الحصار العديد من الاعمال والمهن والتي كونت قنوات معقدة لادارة وتصريف شؤونها، واغلبها خارج الاطار الرسمي او النظامي.
وسيكون كل محور من المحاور الرئيسية المشار اليها فصلا على حدة، مع شروحات واضافات سواء في متن الفصل او منفردة. وفي الحقيقة ليس في قصدي مخطط لبحث او دراسة، قدر ما نية العمل على الخروج بنص يتضمن معلومات وتصورات وتوقعات عن ظاهرة تتسع بالايام وليس بالسنوات او العقود، وتمس حياة ملايين الناس. وعليه ستكون محاولة بحثها وتقصيها ذات فائدة بلا شك، سواء للمتخصص بدراستها كظاهرة، او لمن تمس حياته مباشرة.

بغداد
شباط - فبراير 2018








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صدامات بين طلبة والشرطة الإيطالية احتجاجا على اتفاقيات تعاون


.. التوحد مش وصمة عاملوا ولادنا بشكل طبيعى وتفهموا حالتهم .. رس




.. الشرطة الأميركية تحتجز عددا من الموظفين بشركة -غوغل- بعد تظا


.. اعتصام موظفين بشركة -غوغل- احتجاجا على دعمها لإسرائيل




.. مظاهرات للأطباء في كينيا بعد إضراب دخل أسبوعه الخامس