الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -13- المقطع الأخير

علي دريوسي

2018 / 3 / 8
الادب والفن


أشعلتُ سيجارتي وغرقتُ في تأمل تفاصيل جدران غرفتها الدافئة والأشبه بجدران صالة عرضٍ فنيّة لم تحن الفرصة لإنشائها في الشرق بعد. ها هي صورة كبيرة مهداة إلى فاتن بمناسبة عيد ميلادها على هيئة لوحة مؤطّرة بالقصب ومعمولة باليد تضم صوراً عديدة لفناني المرحلة: الشيخ إمام مع رفيقه نجم، مارسيل، الهبر، زياد وفيروز.
وها هنا صورة تولستوي بذقنه الحكيمة إلى جانب غلاف كتابه "الحرب والسلم"، وصورة فيودور دوستويفسكي وغلاف كتابه "الجريمة والعقاب"، وها هي صورة مكسيم غوركي مع غلاف كتابه "الأم"، وصورة نيكولاي أوستروفسكي مع غلاف كتابه "كيف سقينا الفولاذ"، وها هي صورة الجميل الماغوط مع غلاف كتابه الذي صدر حديثاً "سأخون وطني".
وها هو غيفارا ومانديلا وناجي العلي وحنظله. وها هنا صورة العالم تشارلز داروين وتحتها التعليق: "الداروينية هي من أهم ما أنتجه العلم، تكمن قيمتها قبل كل شيء في فهم جوهر الإبداع".
وها هنا صورة كاريكاتورية للفيلسوف كارل ماركس دون شعر وذقن، وقد كُتِبَ تحتها: "كان وما زال تَصفيفُ الشَّعرِ واللِحْيَة رمزاً لا غنى عنه للقوة الثورية. كان ماركس في الحقيقة أَصْلَع الرأس، يرتدي باروكة، عندما عاد من رحلة النقاهة الأخيرة (باريس-مرسيليا-الجزائر-مونتي كارلو-بحيرة جنيف-لندن) في الثاني من أيار من العام 1882، كان رأسه مليئاً بالعرب والأفارقة، وقد أصبحت بَشَرته بنية مُعتِمة بلون الكستناء. ذهب كارل قبل موته في عام 1883 إلى المُصوِّر ليأَخذ له صورةً بتَصْفِيفة شعرِه المُستعار المعروفة ولِحْيَته النبويّة الكثَّة كما يصفها الألمان، ثم ذهب إلى الحَلاَّق، حلق لِحْيَته وخلع عنه الشَّعْر المستعار كفعلٍ رَمزيّ تَحريريّ ضد محاولة الناس لتحويل بورتريه إلى أيقُونةٍ والتَّبرُّك منها، كردة فعلٍ ضد عبادة الفرد..." (مُقتَطَفات رسالة باول لافارجو، صهر ماركس، التي كتبها لتصل فريدريش إنغلز والموثَّقة في كتاب (ماركس في مدينة الجزائر).
وعلى الجانب الآخر صورة لينين على كرسي متحرك، وقد كُتِبَ تحتها بخط اليد: "العبقري الثوري في المَصَحّ الذي قد بناه لكبار المسؤولين في حزبه في منطقة غوركي بالقرب من موسكو، بعد أن داهمته السكتات الدماغية الثقيلة في عام 1922 والناتجة على الأرجح عن نشاطه الفكري غير المسبوق، قبل أن يوافيه الأجل في عام 1924 عن عمر لم يتجاوز 53 سنة".
وها هي صورة ليون تروتسكي بنظارته، والتعليق أسفلها: "وصف المفكر الماركسي تروتسكي الحراك الثوري مستخدماً قواعد الهندسة الميكانيكية كما يلي: الحزب الثوري كالمكبس في المحرّك البخاري الذي يقوم بتحويل الطاقة إلى عمل وحركة. الجماهير المدركة لمصالحها الطبقية كبُخار الماء المضغوط ذي درجة الحرارة العالية. البُخار من دون المكبس لن يعمل بشكل ميكانيكي سليم، مهما تَمَدَّدَ بالنَّارِ، مهما هاجَ وماجَ. والمكبس من دون البخار سيكون عديم الجدوى، لا فائدة تُرجى منه، مهما رقص رافعاً أو مُخفضاً رأسه".
وها هي صورة لم أرها في حياتي من قبل، خاطبت نفسي: "ومن هذه المَليحَة صاحبة الصورة في الإطار الأسود؟ وما هذا الشعار الغريب المُتَمَثِّل بالنجمة الحمراء يتوسَّطها الكلاشينكوف؟" ثم قرأتُ التعليق على الصورة: "الصحفية واليسارية الألمانية أولريكه ماينهوف من مؤسسي جماعة الجيش الأحمر (روته أرمي فراكتسيون)".
وبالقرب منها ثمة صور أخرى لوجوهٍ غير مألوفة في الثقافة، ولولا التعليقات أسفلها لما استطعت فهم أهميتها بالنسبة لشابة مثل فاتن. ها هو كوامي نكروما أول رئيس لغانا المستقلة، والمناضل باتريس لومومبا أول رئيس وزراء مُنتَخَب في تاريخ الكونغو، والكاتب المناضل الفليبيني خوسيه ريزال، وها هنا صورة للمغربي مهدي بن بركة زعيم حركة العالم الثالث والوحدة الأفريقية وبجانبه صورة المناضل والسياسي الغيني أميلكار كابرال لوبيز.
أما الصورة الاخيرة فكانت لشخصٍ ذكّرني قليلاً بالأمير عبد القادر الجزائري، لكنه لم يكنه بل كان الزعيم حسن الصباح، شيخ الجبل الذي أرسى أسس الفدائية والاغتيالات الفردية، مؤسس جماعة الحَشَّاشين.
*****
دخلت فاتن وبيدها صينية وضعت عليها "عدة المتّة" في اللحظة التي رحتُ أتمعَّن بالبطاقات البريدية المُعلَّقة على الجدار بعشوائيةٍ مقصودةٍ. نظرت إليّ وقالت: "تابع تأملاتك لن أزعجك، سأذهب لشراء بعض الحاجيات للطعام والشراب، سنطبخ سوية هذا المساء بحضور ضيفٍ عزيزٍ، أراك لا حقاً".
شكرتُ فاتن للضيافة، لبستْ حذاءها وذهبتْ، دخلتُ إلى الحمّام، شعرتُ باسترخاءٍ رائعٍ، عدت غلى غرفة الجلوس، أشعلتُ سيجارة، صببتُ كأس المتّة، أخذتُ رشفة وبدأتُ بقراءة بعض العبارات التي كتبتها فاتن أو ربما أصدقاء لها بخط اليد، بعضها بالإنكليزية وبعضها بالعربية، ها أنا أقرأ:
"العصفور المُبكِّر يلتقط دودة المطر أولاً".
"على الإنسان أن يحوز على الفوضى في داخله كي يلد نجماً راقصاً". نيتشه
"لا تقلِّل من شأن الناس الهادئين، إنَّهم يلاحظون أكثر مما تعتقد، يفكرون أكثر مما يقولون، يعرفون أكثر مما يبوحون".
"الثقة من فضة، المراقبة والتفحُّص من ذهب". لينين
"ثراء البيوت لا يصنع قادة، ثراء القادة يصنع البيوت".
"لا أقبل أنْ يبقى صديق صديقي، الذي خانه، صديقاً لي".
"المودَّةُ آفتُها النَّميمَةُ". ابن المقفع
"الديمقراطية هي شكل الحكم الذي تتبناه البرجوازية إذا لم يكن لديها أي خوف، الفاشية حين تكون خائفة". نيكولاي بوخارين
"السياسي الحقيقي هو الشخص الذي يواكب الحدث، يُحلِّله في لحظة وقوعه وسياق تطوُّره، لا بعد اِنقضائه، فهنا تأتي مهمة المُؤَرِّخ".
" اِبدأوا من حيث تَشَاؤُون، سننتهي إلى حيث نريد نحن".
*****
وما أن هممتُ بشرب كأس المتّة الثالث حتى سمعتُ صوت خشخشة مفاتيح وقلقلة مفتاح في القفل، وصلني صرير مكتوم لباب الشقة وهو يُفتح من الخارج. اِقتربتُ من الباب ظنّاً مني لربّما أنَّ فاتن قد نسيت شيئاً، لكن مفاجأتي كانت كبيرة جداً حين رأيت الطبيب مجد وهو يدخل من الباب بقامته الرشيقة وابتسامته الواثقة وقبعته اللينينية.
*****
نهاية الفصل الثاني بعنوان (رابطة المناجذ الشيوعية) التابع لمشروع رواية "المذراة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا