الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الحرية في التراث العربسلامي

حكمت الحاج

2018 / 3 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


(قراءة في كتاب مفهوم الحرية للمفكر المغربي د. عبد الله العروي من اصدارات المركز الثقافي العربي).
بقلم: حكمت الحاج
إذا بدأنا بمقاربة لغوية، وألقينا نظرة على المعجم اللغوي العربي، لوجدنا أنّ مادة (حرّر) تحمل أربعة معان متميّزة:
1) معني خلقي: وهو الذي كان معروفا في الجاهلية، وحافظ عليه الأدب
2) معنى قانوني: وهو المستعمل في القرآن الكريم وفي مجال الفقه
3) معنى إجتماعي: وهو استعمال بعص متأخّري المؤرخين، ومن جملة مقاصده هذا المعنى مثلا هو الإعفاء من الضريبة
4) معنى صوفي: كما ورد مثلا في تعريفات الجرجاني حيث التعريف التالي: الحرية في اصطلاح أهل الحقيقة هي الخروج عن رق الكائنات، وقطع جميع العلائق والأغيار، وهي على مراتب. (أنظر كتاب التعريفات للسيد الجرجاني، نسخة الدكتور أحمد مطلوب، طبعة بغداد، دار الشؤون الثقافية).
والآن، فإنّه بالإمكان استنتاج فائدتين من هذا العرض:
الأولى: فائدة من الصيغة اللغوية السائدة وهي الصفة ومشتقاتها، أمّا المصدر الأصلي (حرية) فإنّه يستعمل للتمييز بين من كان حرّا بالولادة وبين من كان عبدا ثمّ أعتق،
الثانية: فائدة من المعاني الأربعة، وملاحظة أنّها جميعا تدور حول الفرد وعلاقته مع غير ذاته، سواء أكان ذلك الغير فردا آخر يتحكّم فيه من الخارج، أو كان قوة طبيعية تستعبده من الداخل.
وهكذا يحيل المعجم إلى مجالين يعبّران عن النشاط الإنساني:
1) المجال الفقهي: الذي يحدّد تعامل الإنسان مع الإنسان
2) المجال الأخلاقي: الذي يصف ويحدّد علاقة العقل والنفس في ذات الإنسان .
ماذا يمكن أن نستنتج من هذا التحليل، بل ماذا يمكن أن نستنتج من كل تحليل لغوي؟
إنّ اللغة تعكس ثقافة مجتمع ما، في حقبة من حقب التاريخ، ولذلك لا يمكن إنكار أهمية التحليل اللغوي، ولكن يجب في نفس الوقت، الإنتباه إلى حدوده. يقول ( عبد الله العروي): لقد بحثنا في القاموس العربي عن مادة (حرّر) وذلك فقط لأنّنا كنّا نعلم أنّها تقابل الكلمة الأوروبية التي تعبّر عن مفهوم كما نتصوّره مبدئيا، واستخلصنا من القاموس أنّ الكلمة العربية ضيقة بالنسبة للمفهوم الغربي، ولكن هذا التحليل اللغوي كان ناقصا، وقد ارتكبنا خطأ منهجيا كما يقول المؤلف نفسه، إذ كان من الواجب علينا أن نتحقّق من عدم وجود مفردات أخرى تشارك كلمة (حرية) مفهومها المتمثل حاليا، بمعنى آخر علينا أن ننتقل من اللغة إلى الثقافة، ومن الثقافة إلى التاريخ الوقائعي، بحثا عن كلمات أخرى ومن رموز أخرى مرادفة لكلمة (الحرية) في مفهومها الحالي، إنّ المجتمع الذي يصوّره لنا الفقه، هو مجتمع مجزّأ إلى أحرار وعبيد، وينقسم فيه الأحرار إلى أكفاء ومحجورين، وينقسم الأكفاء إلى رجال ونساء وينقسم الرجال إلى حكام ومحكومين، وتوجد المرأة المسترقّة (من الرق) في الدرجة السفلى، بينما يوجد الحاكم في الدرجة العليا وهو بالضرورة عاقل وذكر. هذا السلم الإجتماعي يبدأ من الأقل حرية وينتهي إلى الأكثر قدرة على التصرّف حسب الشرع، فالحرية بحسب التعريف الفقهي هي الإتفاق مع ما يوصي به الشرع والعقل لذلك كان هذا السلم أيضا هو انطلاق من الأقل إلى الأكثر مروءة وعقلا هذا التطابق بين الشرع والعقل والحرية هو " العدل" الذي يقوم عليه الكون.
أمّا من وجهة نظر الأخلاق وعلم الكلام، فإنّ الحرية ستطرح من زاويتين:
1) من حيث علاقة العقل بالنفس أو الروح بالطبيعة، ويصاغ السؤال هكذا – هل يستطيع العقل أن يتغلّب على النفس ويغيّر من ميولها الطبيعية؟
2) من حيث علاقة الإرادة الفردية بالمشيئة الإلهية، ويصاغ السؤال هكذا: هل يمكن للإرادة الفردية أن تتغلّب على المشيئة الإلهية؟
وبعد أن ينهي" عبد الله العروي" مقاربة التحليل اللغوي بالتحليل التاريخي الثقافي يقرّر ما يلي:
لم يقدّم الفقه ولا الأخلاق أشياء جديدة لم يذكرها المعجم لعربي، ولذلك لم يستطع أن يدحض الفرضية التي انطلق منها وهي: أنّ الحقبة العربية- الإسلامية لم تعرف معنى الحرية ولم تنظر إليها كمفهوم وكممارسة لقد بحث " العروي" في الفقه وفي علم الكلام عن الأبواب التي تتطرق إلى المفاهيم التي اعتبرها مسبقا أنّها تندرج وحدها تحت مفهوم " الحرية" الليبرالي. ويصل المؤلف إلى أنّ عملية البحث في أبواب أخرى تحت تعابير أخرى على أدلة تقود إلى مسائل تهمّ الحرية و إن عبّرت من ذاتها بكلمات أخرى غير كلمة "حرية" ويسوق لنا ضمن هذا السياق أربعة أدلّة:
1) دليل البداوة: في المعجم لا ترادف كلمة البداوة كلمة الحرية. لكن لو نظرنا إليها كرمز وكفكرة مجرّدة ذهنيّا فإنّنا مضطرون إلى الإعتراف كما يقول العروي بأنّها كانت تجسّد وعلى مدى قرون كل ما تطلّع إليه الناس من سعة في العيش وحرية التصرف.
2) دليل العشيرة: كان قانون العشيرة يعارض قانون الدولة في النظام العربي- الإسلامي وبقدر ما يناقض قانون الدولة حرية الفرد بقدر ما يعين قانون العشيرة الفرد على تحقيق الحرية، إنّ العشيرة تجسّد العادات، والعادات مفروضة على الفرد وملزمة له فهي إذن تحدّ من مبادراتها لكنّها في الوقت نفسه تعارض السلطات التعسّفية وتضمن للفرد حقوقا ثابتة ومعروفة.
3) دليل التقوى: يفوز التقي بعطف ورضا العشيرة فيكسب مزيدا من الجاه ويتّسع مجال تأثيره في المجتمع وهذا يعني توسيع مجال التصرّف. إنّ تجربة القرون الماضية تؤكّد لنا أنّ التقوى كانت تحريرا للوجدان وتوسيعا لنطلق مبادرات الفرد، لقد كانت طريقا للشعور بالتحرّر فلا عجب إذا أصبحت رمزا للحرية.
4) دليل التصوّف: إنّ التصوف تجربة فردية ذهنية تتلخّص في تمثّل الحرية المطلقة بعد الإنسلاخ عن كل المؤثرات الخارجية، لقد نشأ التصوف في المدن وانتشر بعد انحطاط الدولة وتدهور الحضارة المادية. إنّنا نلمس معنى الحرية المطلق في الإسلام عند المتصوفة وليس عند المتكلمين أو الأصوليين. يقول الحسين بن منصور الحلاج (أنا الحق)، ولا عجب في ذلك فإن الفرد كلما احتدّ وعيه بالقيود كلما قاوم الحد من تصرفاته، وكلما ازداد ثقل الجسم اضطر الفكر إلى تعميق تجربته للإنفلات والتحرّر. وتنتهي عمليات التجريد الذهني هذه بالتماهي المطلق مع فكرة الحرية. يرمز التصوف إلى حرية وجدانية مطلقة داخل الدولة المستبدّة ويعي المتصوف بدقة وضعه في أسفل درجات العبودية فيتمثل فكرة الحرية المطلقة فعندما يتضاءل واقع الحرية في المعاش اليومي تتضاءل فكرة التحرر في الذهن، وهذا هو دياليكتيك الحرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سقوط قتلى وجرحى في غارة إسرائيلية على سيارتين في منطقة الشها


.. نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: الوضع بغزة صعب للغاية




.. وصول وفد أردني إلى غزة


.. قراءة عسكرية.. رشقات صاروخية من غزة باتجاه مستوطنات الغلاف




.. لصحتك.. أعط ظهرك وامش للخلف!