الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معركة [أذرار أومازة ]

الطيب آيت حمودة

2018 / 3 / 9
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


°°°انعقاد ُ مؤتمر الصومام في أوزلاقن في 20 أوت 1956 أعطت نفسا وزخما للثورة التحريرية ، وزاد من طموحنا الإستقلالي والثوري ، فبعد أقل من سنة من هذا المؤتمر بدأت الأسلحة تتدفق على ثوارنا عابرة للحدود الشرقية .
قرية ( سيدي يذير) تقع ضمن أراضي ( المنطقة الأولى ) من مجموع المناطق الأربعة من الولاية الثالثة التاريخية ، فكل الفضاء الممتد بين بقايث شمالا ، والبرج جنوبا ، وبين سطيف شرقا ، و أقبو وتازمالت غربا ، يدخل في نطاق هذه المنطقة الحيوية من الولاية الثالثة .

وصول الأسلحة من تونس .

°°° ربيع 1957 كان متميزا في جهتنا ، زاد الحراك الثوري وتضاعف عدد المنخرطين في جبهة وجيش التحرير الوطني ، ووصلت إلى جهتنا قوافل من جند التحرير تحمل ( أسلحة أوتوماتيكية )جديدة لم تكن معهودة جلبوها عبر حدود تونس الشقيقة .
انقسمت مجموعة الجنود القادمة من تونس المحملة بالأسلحة والذخائر عند وصولها إلى ملتقى أسيفي (الماين وبُوسلام ) إلى ثلاث مجموعات ، واحدة باتجاه قرية ( سيذي يذير ) وأخريتان باتجاه قريتي (ثوريرت) و(تيزي عيدل ) ، المجموعة المتوجهة إلى ثاوريرت مرت [بثفثيسين ] حيث يوجد دارٌ ريفي منفرد ومنعزل لأبناء ( تواثي أوحمودة ).

ذكريات طفولة .....

عايشت وأنا في عمر (الخمس سنوات) هذه الأحداث وأتذكرها جيدا ، وصدق من قال بأن ذكريات الطفولة لا تنمحي من وجدان الإنسان ، أتذكر وأن ّ غُرف دارنا امتلأت عن آخرها بالجنود الذين كوَّمُو ا أسلحتهم بذخيرتها في جنبات الغرف للإستراحة من أتعاب الرحلة الشاقة ، فكنت أنا وابن عمي ( بلقاسم) رحمه الله ، ننتقل بين الحجرات للإستطلاع والتّعرف ، فكنا نلتقط الخبر بأن أسلحة جديدة توفرت للمجاهدين وهي تدخل الجهة لأول مرة .
°°°المجاهدون في حالة سيئة نال منهم تعب السفر والحمولة الزائدة ، فأرجلهم بعد نزع الأحذية تظهر عليها بقايا الدماء المتيبسة والندوب البارزة للعيان ، والممرض المرافق لهم ، جوَّالٌ بينهم بمحفظته الطبية لمواساتهم و تضميد جراحهم ، ناموا ليلتهم عندنا ، لينتقلوا بعدها لقرية ( تاوريرت ) الموجودة في سفح جبل [ أذرار أومازة ]. ومما يدل عن تلاحم الثورة بالشعب هو إقدام ممرض المجاهدين على علاج ابن عمي بلقاسم من حروق أصيب بها بعد دخول رجله في ( الكانون ) الملتهب بحطب الزيتون ذو الحرارة الشديدة .

... من الجنود .... إلى عساكر فرنسا .

نظفنا البيوت من بقايا الأكل و الشرب ، وأعدنا الأمتعة إلى مكانها ، لتعود الحياة إلى طبيعتها ، ما أن حلت الظلمة حتى نمنا ... وفي الهزيع الأول من الليل سمعنا طرقا على الباب الخارجي ، مرفوقا بصوت انسان ينادينا ... افتحوا ىالباب ... لا تخافوا ( نكي ذا سعذون ... وهو اسم حركي معروف متعاون مع فرنسا ) أعاد المناداة مرارا وتكرارا ، فتسمرنا في أفرشتنا وتملك الخوف منا ، فالمكان منعزل بعيد عن القرية ، وبعد مدة سمعنا صوت قفز وتراب متساقط من السور الخارجي نحو الداخل ، فقد فُتحت البابُ ، ودخل عساكر القبطان ( لورا ) وملأوا الفناء ، ففتشوا المكان وحشرونا جميعا في حجرة العلف الحيواني ، واحتكروا جميع الغرف لعساكرهم وسط ضوضاء كبرى وأصوات وكلام لم نفقه منه شيئا .، استأنسنا تلك الليلة بالظلام و صيحات العساكر ، الذين انشغلوا بترتيب المكان و نصب أبراج المراقبة تأهبا لكل مغير عليهم ، وعندما انبلج الصبح تبين الخلق ومن معهم من العساكر المدججين بالأسلحة ، المرفوقين ببعض الخونة ( الحركى ) ، فاتضح بأنهم مكلفون بملاحقة قافلة الجنود القادمون بالأسلحة من تونس ، والذين باتوا عندنا بالأمس قبيل أيام من حلول شهر رمضان الكريم .

جدتي زينب ..... والعسكري المتأدب .

°°°من عادة الجدة ( زينب) العناية بدجاجها البياض ، وجمع بيضها لبيعها من طرف أحد ابنائها في سوق الخميس (بثانساوت القريبة) ، أو( بسوق الجمعة ايث ورثيلان ) ، غير أن عساكر القبطان لورا أفسدوا عليها الأمر ، فقد استولوا على بيضها الذي جمعته وبدأوا في مطاردة الدجاج ، فهي قد كتمت غيضها خوفا من العدوان ، واحدٌ من العساكر تبدوا عليه الطيبة والبساطة وحسن الخلق ، أخذ يلاين جدتي ويبين لها العطف والحنان ، و سارع إلى منع أصدقائه من الإعتداء على دجاجاتها ، ويبدوا فعلا أن هذا العسكري مجندٌ في إطار خدمة عسكرية وليس من غلاة المهنيين المرتزقة ، فقد بدت الجدة مغتبطة بأخلاق هذا العسكري المؤدب وقالت ... ايه ... لعله من نسل شيخها الذي كان مهاجرا بفرنسا في أيام شبابه ... فضحكنا من قولها رغم مأساة الحدث ، . فعندما غادر العساكر المكان باتجاه (دار اثلحاج) على مشارف ثفثيشين ، استبشرنا خيرا ، ويبدوا أنهم في حالة تأهب للصعود نحو توريرت لمتابعة فلول جيش التحرير الرابض في السفوح الشمالية لجبل أومازة .

مغامرة خطيرة ... لطفولة بريئة .

(أخام نثلحاج ) الذي انتقل إليه عساكر فرنسا يقع أعلى دارنا في مكان مرتفع يشرف على ثفثيسين كلها ، فهو مكان استراتيجي لمراقبة الناحية ، أحسسنا بأن لا وجود للعساكر هناك ، لعلهم غادروا المكان .... كلفتنا الجدة ( أنا وابن عمي بلقاسم ) جلب المياه من عين جارية ليست بعيدة عن أخام نثلحاج ، تسمى [ بلمَامن ] ، وصلنا العين ، وزاد فضولنا لزيارة تلك الدار التي يبدو وأن العساكر قد غادرُوها ، فانحرفنا قاصدين تجاهها ووصلناها والخوف قد تملكنا ، أدلفنا من بابها فوجدنا ( بندقية ) مسندة للحائط ومعها ( عصا صفراء) فاقعٌ لونها منقوشة كأنها القلادة ، فحاول ابن عمي بلقاسم أخذ البندقية فمنعته خوفا من انفجار ما فيها ،فاكتفينا بأخذ العصى معنا ونحن عائدين نحو المنبع باتجاه ضيعتنا ، فما أن دخلنا الدار ومعنا العصا ، حتى صاحت زوجة عمي فينا ، ما ذا أحضرتما يا أوباش ؟ سيقتلنا العسكر ! ، سيقتلنا العسكر !؟ .... فسارعت إلى أتلاف تلك العصا الجميلة بالإحراق في ( الكانون ) الذي كان مشتعلا لتفوير الكسكسي المعد للعشاء ، عشنا تلك الأمسية في هلع .... ، خوفا من رجوع زبانية العسكر لعقابنا أو قتلنا ، فكل الإحتمالات واردة .. لكن شيئا لم يقع والحمد لله .

بدايات معركة [ أذرار أومازة ] .

°°°قوافل جيش التحرير التي عبرت ضيعتنا في (ثفثيسين) كانت متجهة نحو قريتي ( تاوريرت ) و(تيزي عيدل ) ، ومجموعة أخرى كانت متوجهة إلى قرية سيدي يدير ، لتوزيع الأسلحة على المجاهدين ، فقد التقت أفواج القادمين من تونس وجنود المنطقة كالمجاهد بابور البشير.... ، بعد فترة استراحة قضاها المجاهدون في سيدي ايدير تحت رعاية فريق من أهالي البلدة الذين أمَّنُوا المكان ، و جهَّزُوا دور الإستقبال ، ووفرُوا كل المستلزمات الحياتية ، فكانت مساهمة مقتصد القرية [ سي سليمان بوقيدر ]معتبرة في توزيع الألبسة عليهم ، فوجود الجيش عندنا ليس غريبا ، فهم في الغالب أبناء منطقتنا ، ومصدر اعتزازنا وقوةٌ لشوكتنا ، فأهالي قريتنا حرصوا كل الحرص على مشاهدة تلك الأسلحة الحديثة الجديدة الأتوماتيكية ( Beretta, الإيطالية ، Beretta, كلا ش فلام ، العشاري البريطانية ذات العشر طلقات ، رشاش لبران ..... الخ ) التي جلبها الجنود معهم ، فقد سمحت القيادة بمشاهدتها عن كثب لتقوية القناعة والإيمان بمقدّرات الثورة ، فقد كان العامة من أبناء القرية يدخلون أنفارا وجماعات متتابعة لمشاهدة البنادق وملامستها وحملها وتفحصها تحت الرقابة .
وبعد ثلاثة أيام غادرالمجاهدون القرية باكرا ، وكأن شيئا ما قد حدث ، أو أن أخبارا استعلاماتية وصلتهم ، وهو ما تبين فيما بعد ، بحيث أن الجيش الفرنسي الرابض في( بني ورثيلان ) بقيادة القبطان [ لورا ] تابع سير قافلة الجنود ، وسارع الخطى للحاق بهم وفق خطة (التقدم الحذر) ، فقد دخلوا قريتنا بجبش جرار مدجج بالأسلحة الحديثة ومؤونة تحملها البغال والحمير بمؤازة جند الحركى ببنادق الصيد ، يُؤتمرون برئيس فرقتهم الذي هو مجهز ببندقية رشاش من نوع ماط .

معركة [ أذرار أومازة ]

في جو ربيعي بسمائه الصافية وفي بدايات شهر افريل من عام 1957 ، والأيام الأولى لشهر رمضان المعظم ،بدأت ملامح كرّ وفرّ على سفح جبل [أذرار أومازة] الكثيف بأشجار الصنوبر الحلبي بسفحين شمالي مطل على وادي بوسلام الفسيح وتقابله قرى عديدة كتنساوت ، و محفوظة ، و بومحمزة ، ويظهر الجبل المثقوب ببني ورثيلان جليا ، و جبل أوشتوق مناطحا له ، وعلى سفحه من هذه الجهة تتناثر قرى ( سيدي يدير ) (وتوريرت ) و(تيزي عيدل ) أين جرت الواقعة . وعلى الإمتداد الغربي توجد بلدة سيدي يحي العيذلي والشرقي منه بلدة إلماين .
أمام السفح الجنوبي للجبل فتوجد قري أخرى منها ثكرومبالت و وايث جعفر ، وليس بعيدا توجد قرى أخرى أبناؤها دائعوا الصيت في المقاومة كأعشابو ، ومزراراق .

المعركة الوطيس .

تقدم الجيش الفرنسي نحو الجبل قادما من أسفل الوادي ، صعودا نحو ثلاثة محاور أساسية جهة ثيزي عيدل وتاوريرت و سيدي يدير ، قصد محاصرة الثوار في أ على القمة ( سطر محصر ) ، اعتمادا على قوة العسكر وسلاحهم المتفوق ، المدعوم بالطيران الحربي ، خاصة الطائرة الصفراء الأمريكية الصنع ذات المناورة الخلاقة ، فكلما تقدم الجيش الفرنسي إلا ووجد صعوبة في اختراق المكان وسط صيحات الجنود المكبرة ( الله أكبر ) والداعية الى الثبات ( الجهاد في سبيل الله ) وترديد أناشيد وطنية مثل [ من جبالنا طلع صوت الأحرار ] ، فالمتابعون لمجريات المعركة من ساحة لوطا اسقفان هم كثرٌ ، شاهدو - حسب شهود عيان- الطائرة الصفراء تقنص اثنين من المجاهدين هما ( داعو المختار ) ، و المدعو (السرجان نثيعلى) ، رحمهما الله ، وسمعوا سباب أفراد الجيش لعساكر فرنسا و الحركي بكلام مثبط ، مثل ... تقدموا يا بنات إن كانت فيكم نخوة ، ... تعالوا يا أيها الجبناء .... ، فالجيش تحصن جيدا بأخذ مواقع استراتيجية فكلما تقدمت فرقة عسكرية فرنسية إلا وارتدت عن أعقابها ، فتكللت كل محاولات اختراق المكان بالفشل أمام صلابة الدفاع المتمركز المدعوم بقدوم جيش [ الصديق أومحفي] من تسرة ، فاستعمل الفرنسيون الحوامات لإجلاء القتلى ،و الطائرات الصفراء للإغارة على الجبل الذي بقي صامدا ، ووجه الجنود سلاحهم الرشاش تجاه الطائرة المهاجمة فأصابوها ، وشاهد الجميع الدخان يتصاعد من محركها فهوت مترنحة فسقطت أسفل الوادي وسط تهليل وتكبير المجاهدين الذي يرتد صداه في فضاء المكان .


°°°معجزة الغمامة ..... التي حجبت المكان .

أمام هول الحدث اتصل قادة العسكر الفرنسي بقوات الطيران لقنبلة جبل [ أذرار أمازة ] بعد تحدديد احداثياته الجغرافية ، وفي انتظار وصول الطيران الحربي حدثت المعجزة الربانية التي قد اشترك فيها صلحاء المكان ( كسيذي يذير) و ( السيخ يحي العيذلي) ، فقد شُوهدت نواة غمامة بيضاء وسط سماء صافية ، أعلى جبل أومازة ، بدأت تكبر تدريجيا لتغطي المكان كله ، وكأنها الغمامة نفسها التي أظلت النبي صلوات الله عليه وسلم في سفريته إلى الشام ، أو هي حجاب رباني ساتر يفسح المجال للمجاهدين بالإنسحاب بدون خسائر ، فقد حلت الطائرات المقنبلة فحامت مرارا بالجبل المغطي بالضباب لكنها لم تكن لها الرؤية المناسبة فعادت أدراجها من حيث أتت ، ونجا الله جيش التحرير من المكروه المرتقب ، وأمام هول الحدث الذي حضره المحافظ السياسي لجيش التحرير المجاهد ( عبد الحفيظ أمقران) الذي صلى في المكان ركعتي الشكر لله تعالى عرفانا بفضل الله في نجاتهم .
انتهى اليوم من المعركة بخسائر لا يمكن حصرها أمام تكتم ظاهر ، فجموع شكان القرية لم يشاهدوا سوى جلبة وصياحا ، وطوافاتٌ تحمل جثث الأموات الفرنسيين من ( لوطا اسقفان) إلى وجهات مجهولة غير معلومة ، وقد تم جلب 11 جثة للحركى نقلها شباب القرية من مكان المعارك إلى الجامع أمزيان ثم نُقلوا إلى مكان آخر ، و المناضلون الحاضرون للوقيعة لم يتبيّنوا خسائر الطرفين ، فقد كان التكتم سيد الموقف عند الجميع .
وفي اليوم الموالي انتقلت المعارك إلى الضفة الجنوبية لأذرار أومازة ( معركة امرجيين ) حيث توجد قرية ثاكرومبالت وايث جعفر ، فقد قامت الطائرة الصفراء بإصابة جندي بإصابات بليغة ، و تمكن الثوار من اسقاط تلك الطائرة بعد أن أصابها المجاهد المتمرس [ رابح أوشادي ] ، بطلقات رشاشه جعلها تتحطم سقوطا على الأرض .


°°°معركة أذرار أومازة في أفريل من سنة 1957 ، أسقطت غرور فرنسا ، وأبانت على شراسة قتالية و تفوق استراتيجي للثوار بإسقاط طائرتين للعدو ، بموازاة دخول أسلحة نوعية عبر الحدود الشرقية الأمر الذي جعل غلاة الضباط الفرنسيين يبتدعون [ مخطط شال] الذي ضيق على الحدود ببناء أبراج المراقبة على طول الحدود التونسية بدأ بخط أول ( موريس) مدعما بخط مواز له يسمى (شال ) ، وهما خطان مكهربان مجهزان بالردارات ووسائل تنبيه مُبكر يصعب اختراقهما ، غير أن إرادة الثوار تخطت تلك الحواجز وأحدثت بها ممرات لتمرير الأسلحة لثوار الداخل رغم ثقل التضحية وفضاعتها .
_________________
تنويه : استعنت بكتابة أحداث هذه المعركة بمذكرات المجاهد [ بن براهم ابراهيم ] ، من كتابه ( ناحية سيذي يذير من الحركة الإصلاحية إلى الثورة التحريرية ، حررها له الأستاذ [ خيّر عبدالله ].








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إنسحاب وحدات الجيش الإسرائيلي وقصف مكثف لشمال القطاع | الأخب


.. صنّاع الشهرة - تيك توكر تطلب يد عريس ??.. وكيف تجني الأموال




.. إيران تتوعد بمحو إسرائيل وتدرس بدقة سيناريوهات المواجهة


.. بآلاف الجنود.. روسيا تحاول اقتحام منطقة استراتيجية شرق أوكرا




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل.. هل تتطورالاشتباكات إ