الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو أنسنة العلاقة بين المرأة و الرجل

محمد بن زكري

2018 / 3 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


منذ أن فقدت المرأة صفتها الألوهية البدئية ، قبل نحو أربعة آلاف عام ، حيث أنزلها الرجل مِن على عرشها ، الذي كانت متربعة فوقه كربة معبودة ، و ذلك نتيجة لتغير شكل المِلكية والعلاقات الاجتماعية ، ليحل محلها رمزيا .. كإله ذكر ؛ صار هو من يمتلك سلطة التشريع ، وفرْضِها على الواقع باسم المقدس ، غير القابل للطعن على ما يقرره ، مما لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه ! .
و بِسطْو القبائل العبرانية البدوية على التراث الديني لحضارات الشعوب الشرق أوسطية القديمة ، و بخاصة البابليين و الآشوريين والكنعانيين ؛ اقتبس كتبة التوراة من حضارات تلك الشعوب - بصورة انتقائية - الجانب المذكر من أساطيرها الدينية متعددة الآلهة ، و حوّروها إلى ديانة توحيدية ذكوريّة بَدويّة ، نصّبوا لها إلهاً ذَكراً أسموه (يهوه) ؛ حيث تمثلت في التعاليم المنسوبة إليه ، أقصى صور كراهية الأنثى ، و احتقار كينونتها الإنسانية ، و تبخيس قيمتها الذاتية ، و تتفيه دورها الاجتماعي .
و في سياق سيرورة المعطيات التاريخية لتطور الظاهرة الدينية ، انتقل ذلك الموقف التوراتي المتوتر من المرأة ، ليشكل مجمل النظرة المناوئة للنساء ، لدى إله قبيلة قريش الذكَر ، الذي ما كان له ، بحكم طبيعته الذكورية الأبوية ، إلا أن يكون منحازا بصورة مطلقة إلى جانب الرجل ضد المرأة ؛ ومن ثم فقد كان لابد - مثلا - من أن ينص في منظومته التشريعية ، على تعدد الزوجات و مِلك اليمين من الجواري و السراري ، و لا ننسى أن النبي الملك ديفد ، كانت له تسع وتسعون امرأة ، و أن ابنه النبي الملك شلومو ، كانت له ألف زوجة و سَريّة ، وفقا لأسفار التوراة في كتاب العهد القديم .
فلماذا الله لا يحب النساء ؟!
الحقيقة أن الطابع العُصابي المسيطر على نظرة الإله الذكر إلى الأنثى ، كما يبدو فيما تنوء به الأديان من حمولة الموقف العدائي تجاه النساء ؛ إنما يعكس خوفَ الرجل ورعبَه الشديد من الإمكانات الطبيعية (البيولوجية والفسيولوجية) للمرأة ، و شعوره الكامن بالقصور ، جرّاء طاقتها الحيوية الايروسية الكبيرة ، وما تتوفر عليه (طبيعيا) من الطاقة الجنسية المتجددة ، التي يعرف جيدا أنها تفوق و تتجاوز كثيرا إمكانات طاقته المحدودة ، و أن الطبيعة قد زودتها بخاصية الوصول إلى الأورجازم مرارا عديدة في الممارسة الواحدة للعلاقة الحميمة ، في حين ليس بإمكانه الوصول إلا مرة واحدة - غالبا - في الممارسة الواحدة ، ويكون بعدها الانطفاء إلى حين ، خاصة مع ما للكبت من تأثير مثبط ، فضلا عن فقر الثقافة الجنسية التي ترفع من كفاءة الأداء .
و بذلك تتكون لدى الرجل حالة رعب شديدة من أن تكتشف المرأة تلك الحقيقة (الطبيعية) ، فتسعى إلى التعويض عند غيره ، طلبا للإشباع ؛ الأمر الذي يعتبر استفزازا له ، و مساسا بكرامته ، و انتقاصا من قدره و قدرته ، انتهاءً إلى (خطر) اختلاط نَسبه . ولذا فقد كان لابد من لجم الأنثى ، والسيطرة على جسدها وعقلها وروحها ، باسم المقدس . وكان لابد من تبرير ذلك بان المرأة هي المسؤولة عن (الخطيئة الأولى) ، وهي سبب كل شقاء البشرية ، وعليها أن ترضى بالعقوبة الربانية ، التي تجعل منها كائنا بشريا مستلبا ، خاضعا للرجل و في خدمته ، على المستويات كافة .
و من ثم عمد الكهنة (الذكور) منذ آلاف السنين ، إلى فبركة كل تلك التصورات التبخيسية لقيمة المرأة ، و تتفيه عقلها ، و تنجيس كل ما يتصل بها كأنثى ، مع وضع كل تلك القيود على حركة جسدها ، و شيطنة تعبيراته الطبيعية ، باسم الإله (الذكر) ، كما عمد الفقهاء - في كل الديانات - إلى فبركة خرافات خلق الأنثى و الشجرة المحرمة و الغواية الشيطانية ، و ما إليها من هلاوس عذاب الآخرة ، من قبيل أن " النساء هن أكثر أهل النار " ، و ذلك ضمانا لقمع نزوع المرأة إلى تأكيد ذاتها و تحرير إرادتها ، بإرجاع الأمر إلى مشيئة الرب ، الذي يعاني من حساسية مفرطة تجاه النساء !
فما كل تلك الخزعبلات الدينية عن نقص المرأة (الوهمي) ، إلا أواليات دفاعية ، للحفاظ على التوازن الداخلي للرجل ، و تعويضا له عما يستبطنه من شعور بالنقص (الحقيقي) . و الواقع هو أن الرجل كائن بشري هش ، قياسا إلى قوة المرأة ؛ وفقا لما أثبتته الدراسات الجينية ، بشكل قطعي . و ما كل هذه الأفكار السائدة عن فاعلية الرجل و قصور المرأة ، إلا نتاج ثقافي ذكوري ، ترسخ بمرجعية التراث الأسطوري ، الذي تناقلته الأديان الذكورية عن بعضها ، حتى انتهى إلى النسخة الأخيرة من ثلاثية الديانة العبرانية .
هذا .. على أنه إذا سلمنا بأن التجدد ، هو قانون - أو سُنّة - الحياة ، ارتقاءً من الراهن إلى ما هو أفضل منه و أرفع و أجمل ، و أن التغير هو قانون طبيعي ، يتجاوز بمفاعيله الأشياء ، لينسحب على أنماط التفكير ؛ من حيث إن المفاهيم و القيم ، تتغير من زمن إلى زمن ، و من مكان إلى مكان ، و من بيئة اجتماعية إلى أخرى في ذات الزمان و المكان ، كبنيات ثقافية ، رغم أن التغير في البنية الثقافية بطيء جدا و غير ملحوظ ؛ فلا بد إذن من التسليم بأن العلاقات الاجتماعية كافة محكومة بنفس القانون ، الأمر الذي ينسحب على العلاقة الإنسانية بين عنصري النوع البشري : الرجل و المرأة .
و بهذا المنظور ، تبدو الحاجة ماسة إلى أنسنة العلاقة الزوجية ، و الارتقاء بها إلى شكل حداثي متقدم حضاريا و أخلاقيا ، و أكثر إنسانية و حميمية ؛ ذلك أن الزواج التقليدي الحالي ، لا يخرج عن كونه علاقة اجتماعية غير متكافئة الطرفين ، فهو علاقة تراتبية في سياق ثنائية : الأعلى - الأدنى ، السيد - الخادمة ، بحيث يبدو أقرب إلى كونه علاقة دعارة ، مشرعنة اجتماعيا ، على خلفية دينية ، للاستغلال الجنسي ، مدفوع الأجر ، في صورة مهر و إعاشة و كساء و إيواء ؛ فحيث لا يكون التكافؤ ، و من ثم لا يكون الانسجام العاطفي ، و الفهم و الاحترام المتبادلين ، يكون الحديث عن كرامة المرأة و حريتها و احترامها ، في إطار النمط الحالي من علاقة الزواج ، هو مجرد لغو أجوف .
و هنا لابد من الإشارة إلى أن نظام الزواج التقليدي (الحالي) ، و العلاقات الزوجية المترتبة عليه ، هو نظام ظالم غير متوازن و غير متكافئ الطرفين حقوقيا ، بحكم ارتباطه قيميا بمنظومة الثقافة الذكورية السائدة . وهو في واقع الممارسة العملية ، نظام اجتماعي مُستنفَذ الصلاحية ، و لم يعد - كمؤسسة اجتماعية - مؤهلا للاستمرار ، بدليل تنامي ظاهرة الطلاق ، وارتفاع مؤشره بين كل الفئات العمرية ، و خاصة بين الشباب .
و كأي نظام اجتماعي - أو ظاهرة اجتماعية - محكوم في تطوره بقانون التناقض ، فإن نظام الزواج التقليدي الحالي ، صائر إلى التلاشي تدريجيا ، ليحل محله نظام علاقة زوجية من نوع جديد ، يقوم على أساس اتفاق إرادة و رغبة طرفين متساويين متكافئين ، تجمع بينهما أرضية واسعة من القناعات الحضارية المشتركة ، المتجاوزة للثقافات و الأعراف و العقائد الدينية الراهنة ، التي هي ليست سوى منتج بشري ذكوري تاريخاني ، ليحققا من خلال علاقة التواصل بينهما ، اتحادا وجوديا لذاتين مستقلتين في ذات واحدة ، لإثراء التجربة الإنسانية المشتركة و الإشباع المتبادل ، وجدانيا ونفسيا وعقليا وجسديا . و هو نظام يستمد مشروعيته من اتفاق إرادة و رغبة طرفي العلاقة ، ويكتسب صفة الاستمرار أو الانتهاء ، من مدى استمرار أو انتهاء حرارة وحيوية العلاقة الإنسانية الحميمة ، أو فلنقل مِن مدى نشاط موجة البث والتواصل الكيميائي - النفسي بين الطرفين .
و ليس من شك في أن الزواج ، سيكون له مفهوم اجتماعي - ثقافي مختلف ، و مرتبة مختلفة في سلم القيم ، لإنسان الأزمنة القادمة . بما هو الزواج تلك العلاقة الإنسانية .. الحرة .. التي تنشأ بين إنسانين ناضجين واعيين ، بمحض اختيارهما الحر ، تأسيسا على قاعدة : التناغم العاطفي ، والتقارب أو التطابق الفكري ، والقبول والارتياح النفسي ، والتكافؤ الحقوقي ، و التفاهمات و القناعات المشتركة ؛ بعيدا عن تأثير كل الإملاءات و الإكراهات الخارجية ، وبالقطيعة التامة مع موروث الثقافة الذكورية . و الأذكياء المتميزون - الرؤيويون - الذين يتمتعون بالجرأة و الاستقلالية ، هم وحدهم المؤهلون (ذاتيا) لأن يعيشوا اليوم علاقة الزواج الراقية تلك ، بأبعادها الوجدانية و النفسية و الروحية و الجسدية ، التي سيكون الآخرون على مقربة منها ، ذات زمن قادم ، قد لا تبدو مقدماته ظاهرة في المدى المنظور .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد هجوم إيران على إسرائيل..مقاطع فيديو مزيفة تحصد ملايين ال


.. إسرائيل تتوعد بالردّ على هجوم إيران وطهران تحذّر




.. هل تستطيع إسرائيل استهداف منشآت إيران النووية؟


.. هل تجر #إسرائيل#أميركا إلى #حرب_نووية؟ الخبير العسكري إلياس




.. المستشار | تفاصيل قرار الحج للسوريين بموسم 2024