الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقهى والكتابة

حميد المصباحي

2018 / 3 / 9
الادب والفن


ليس المقهى كما هو شائع، مكانا للنزهة أو الاستراحة، وربما حتى مجمعا
لمواعيد العمل والتلاقي، إن له غايات أخرى، تختلف باختلاف رواده، وبذلك
فله أبعاد أخرى، منها أنه مكان بالنسبة للكثير من الكتاب والمبدعين، حيث
يحلو لبعضهم القراءة فيه،وأحيانا يصير جزءا من الطقوس اليومية للكتابة،
مع رصد بعض مظاهر الوجود الإنساني فيه، بما يؤشر عليه من أصوات كأنها
التعبير اليومي، عن المزعج للعقل الجمعي والشعور المشترك،فما هي هذه
الأدوار الغريبة للمقهى في الكتابة والإبداع، وما أسرارها وحتى
أبعادها؟؟؟
1_متعة الإنصات
في المقهى خصوصا بالنسبة إلي أثناء الكتابة الروائية خصوصا، أجده فيه
متسعا لاقتناص الشخوص، بحيث أجد بعضهم ممن يصعب تخيله، بحيث ربما أغني
ببعضهم مخيال تمثلاتي لهم كموجودات عارية، ترفض الانصياع لرسومات
وتصوراتي عن الشخوص،وقد سمعت وشاهدت أناسا غرائبيين بأصواتهم التي تتغير
مع أيام الأسبوع وربما الشهر بكامله، فتجده تارة كتوما ينصت لكل الأصوات
الصادرة من الخارج،و في لحظات أخرى تراه منكبا على ذاته ومنو عليها كأنه
حكيم فقد شيئا في زحمة تأملاته القصيرة، هنا تدرك مفارقات العالم في
وجودنا الجماعي وهويتنا المبتورة الباحثة عن ذاتها بطرق شتى، ربما لذلك،
يسعفني عالم المقهى في تأثيت عالم رواياتي، إذ بهذا العالم أكمل صورة
الأمكنة التي أحلم بزيارتها،ولا يمكنني الوصول إليها بدون حكم مسبق
عليها، فذلك يهب الأمكنة في روايات دلالات وأبعاد نادرا ما أنتبه إليها
إلا عند إعادة القراءة والبحث عن المدينة أو القرية التي تتشابه معها
اعتباطا وبغرابة تبهجني أحيانا وتضايقني أخرى.

2_ملاذ الانعتاق
للمقهى أيضا تأثيرا وحضورا للمهتمين بعلم الاجتماع، وبحكم تخصصي
فيه،أجدني باحثا عما جد في مجتمعنا من ظواهر،يتحدث الناس عنها بتلقائية،
فيصدرون أحكامهم بعفوية، تقربك من تمثلاتهم لها، رفضا أو قبولا، مع
الكثير من سوء الفهم لها، بل أحيانا يصدرون عليها أحكاما متناقضة،وربما
لها منطق عريب عن المعتاد عقليا، فهم يصورونها برؤية غريبة، ما يثيرني
فيها،أنها تصير عندهم موضوعا للسخرية القاتلة، إذ بها يتحولون إلى دعاة
وأحيانا إلى علماء لا تنقصهم إلا أدوات البحث والتنقيب في ذاكرتهم عما
شابهها، ليسوردوا حكم الأجداد والسابقين، فتكون مبررا للعودة إلى الوراء
، حيث يتعلمون فن الحنين للزمن الماضي مهما كان عمق جراحه،لكأن الزمن في
الذاكرة الشعبية منتقم وناصر للداعين إليه، هنا يحضر الفكر الشفاهي بكل
حمولاته التاريخية والمنسية، والتي يتم استرجاعها بوصفات غريبة ولكنها
مثيرة لفضول الباحث اجتماعيا عن جذورها وكيفيات حفظها وحتى تأويلها رغم
جسارة الزمن الذي لا نحرصه بالكتابة ونقيده كما يقولون،والقيد حد لخيالهم
الجمعي، هنا تصير المقهى دربا من دروب الرصد للعادات في العقل والسلوك،
وإدراكا للمفارقات التي يعيشها الناس ويفرضونها حتى على الفئة المتعلمة،
التي تضطر حفظا للمشترك المكاني، أن تمارس القبول العام للمعتاد والسائد،
لغة وتمثلات وحتى قيم.
3_ممرات الممكن
المقهى في هذه الحالات معبر يومي، لتذكر ما نسي فيها من كتب،لكأنني أتعمد
وضع بعض كتبي بها،حيث أقرأها بين الفينة والأخرى في لحظات الاستعداد
للكتابة، فعندما أقصدها أتذكر الكتاب الذي أنهيته والتالي الذي
بدأته،فتتجمع في ذهني المعارف وعلي أن أسجلها في البيت بعيدا عن أعين
المتلصصين المنزعجين من حاملي الأقلام بالمقاهي، وعندما يحدث ذلك،تولد
العادة لدي استئناف ما بدأت كتابته بها، فأشعر أنني قريب بالكتابة من
القراءة،لأرسم الحدود المأهولة بالناس بين التفكير بالقراءة والتفكير
للكتابة، ربما هذه العادة مع الزمن تحولت إلى طقس من طقوسي، حيث اعتدت
الانصات حتى أثناء الكتابة والقراءة ، كانتصار على تلك العادات السيئة
الزاعمة أن الخلوة وحدها تسمح بالإبداع والتفكير الرزين، المقهى أنستي
أرود الذات فيها على التفكير مع الناس وحولهم، وربما التفكير بما يعتبر
هموما صغيرة،أرفض أن أتعالى عليها باسم الخاصة أو النخبة.
4_مكان اللقاء
كما أن المقهى لدي مكان أسطوري لممارسة شغب الاختلافات الصاخبة مع
الأصدقاء،كتابا وقراءا،أثير بها معهم حميمية الأمكنة الصاخبة،لنتذكر بها
تجربة المقاهي الأدبية، التي خضناها ودعمناها في مدينة المحمدية قبل أن
تنتقل إلى باقي المدن المغربية بطريقة أخرى،ربما بها نتعرف على مبادرات
بعضنا وجديد الفكر والإبدا مغربيا وحتى عربيا،هناك تلتقي السياسة كهموم
عامة بالفكر النقدي الذي يطل بهدوء وخجل على الحاضرين، منوها بفضيلة
الإنصات لبعضنا، مع ما يضحك سخرية وحتى حكايات يعج بها اليومي في سواده
وبياضه.
حميد المصباحي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة