الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة إلى المواطن الليبي

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2018 / 3 / 11
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ينتابنا عادة نوع من الإحباط النفسي وفقدان الأمل ونوع من التشاؤم الميتافيزيقي عندما نتسائل عن الوضع الراهن في ليبيا عموما، وهل هناك أمل في وجود حل ما أو حتى بداية حل للأزمة الليبية في القريب؟ بالتأكيد لا أحد يعرف الإجابة على مثل هذه التساؤلات الطفولية، سوى المطلعين على خبايا الأمور في صالونات السفارات والفنادق في باريس ولندن وقطر والقاهرة وغيرهم من صناع القرار. لأنه في الحقيقة لا يوجد حل لهذه الكارثة التي يعاني منها الشعب الليبي في الوقت الراهن على الأقل، ولأنه قد فات الأوان لتأسيس قواعد مجتمع إنساني ديموقراطي مبني على الحرية والمساواة وعدم الإستغلال. لقد ضيع الليبيون الفرصة الوحيدة التي أتيحت لهم للدخول في عالم البشرية، الفرصة التي ربما لن تتكرر مطلقا في المستقبل. فات الأوان لأن الثورة ُقتلت في المهد وسرقت منجزاتها من قبل حتى أن تبدأ. وقد سمعنا وقرأنا الكثير من النصوص والأدبيات، من السياسيين والمثقفين ورجال الفكر، التي تبرر تسليح الثورة وتردد فكرة ستالين " لا يمكن القيام بالثورة بقفازات حريرية "، بمعنى ضرورة العنف والسلاح وسفك الدماء، ولكن بالمقابل نستطيع القول بأنه من الغباء ومن العبث أن نفجر بيتا بالقنابل والصواريخ من أجل قتل فأر. ورغم ذلك فإن الشعوب لا تموت ويمكنها على الدوام أن تستيقظ فجأة وتلقي بالطغاة في مزبلة التاريخ، كما حدث مع القذافي وغيره. فيمكن تخيل ثورة جديدة، أو حل ثوري يخلص الشعب الليبي من براثن لصوص الثورات ومرتزقة الديموقراطيات المزيفة وتجار السلاح والذين يدفعون الشباب للموت من وراء مكاتبهم، حل قد يحتاج إلى عشرات السنوات لبنائه خطوة خطوة ولبنة لبنة ليتحقق ذات يوم. غير أنه من الضرورة أن نبدأ من البداية، أي من ضرورة تحليل الوضع الراهن والملابسات والظروف التي أوصلت ليبيا إلى الجحيم الذي تعانيه اليوم. والخطوة الأولى هي مراجعة هذه الأخطاء والإعتراف بها وتحليلها ومعرفة أسبابها ودوافعها وذلك حتى لا تتكرر مرة أخرى. والأخطاء أوالخيانات أو عدم الكفاءة عديدة لا تحصى، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
١ - تسليح الثورة في بدايتها وتحويلها من ثورة شعبية سلمية يشارك فيها الجميع رجالا ونساء وأطفالا، إلى مواجهة مسلحة بين رجال مسلحين ومدربين، مع العلم بأن الإسلاميين كانوا الأكثر إستعدادا وتهيئة لمثل هذه المواجهة العنيفة.
٢ - مبايعة مصطفى عبدالجليل "الشيخ الجليل" وتكليفه لقيادة الثورة هو والمجلس الإنتقالي الغير شرعي والذي لم يكن يمثل سوى أعضائه الذين عينوا أنفسهم بأنفسهم، بمساعدة قطر والمخابرات الفرنسية وتاجر السلاح - المتفلسف برنار هنري ليفي، رغم معرفتنا بكون مصطفى عبد الجليل يمثل الفكر الإسلامي الرجعي الخارت وأنه كان يمثل الجناح اليميني المتطرف من أزلام النظام السابق، وأن ليفي لم يكن هناك شيء يشغل ذهنه ويقود أفعاله طوال الوقت سوى قضية واحدة وهي مصلحة وأمن إسرائيل.
٣ - مطالبة المجلس الإنتقالي وقادة الثورة لفرنسا وبريطانيا ثم الناتو للتدخل عسكريا وتحطيم ليبيا وتخريب ما أنجزه الليبيون بأموالهم وعرقهم في أربعين عاما، وهو ما يسمى عادة في دستور أية دولة بـ "الخيانة العظمى".
٤ - عدم قيام المجلس الإنتقالي، ولا الحكومات التي تلته بتجميع الأسلحة المتعددة التي كانت في حوزة "الثوار" ومنتشرة في كل أرجاء ليبيا، وذلك بحجة أن الثورة مازالت مهددة من قبل أزلام القذافي. وهو الخطأ المميت الذي قاد إلى ظهور الجماعات والعصابات الإسلامية المسلحة مثل القاعدة وأنصار الشريعة وداعش وغيرهم من قطاع الطرق وقطاع الرؤوس.
٥ - اللجوء إلى الإنتخابات البرلمانية والتشريعية دون إستعداد حقيقي للشعب الليبي لتحقيق هذه الإنتخابات بطريقة شفافة وواضحة للجميع، ودون استعداد حقيقي للأحزاب والقوى السياسية والمدنية لخوض مثل هذه التجربة الجديدة على المواطن الليبي. وعموما فرض النضام البرلماني الإنتخابي أو ما يسمى بالديموقراطية البرلمانية على الشعب دون استشارته وبدون حتى مجرد تخيل إمكانية وجود أنظمة أخرى قد تكون أكثر ملائمة للمراحل الإنتقالية، دون الأخذ في الإعتبار غياب الخبرة والثقافة السياسية وغياب الأحزاب السياسية ذاتها. بالإضافة إلى ذلك فرض العلم السنوسي والنشيد الوطني الملكي على الليبيين دون إستشارتهم.
٦ - الإبقاء على نفس الأسس الأيديولوجية التي أقام عليها القذافي نظامه الديكتاتوري، بل وتأكيدها والذهاب في تنفيذها أبعد من القذافي ذاته. ذلك أن سقوط النظام وتحطيم ليبيا واغتيال القذافي لا يغير شيئا في الواقع إذا كانت أسس نظامه وقواعده الأساسية ما زالت قائمة سليمة وقوية. وأسس أيديولوجية القذافي معروفة من الجميع، ولكن الجميع يتعامى ويرفض أن ينظر إلى الحقيقة، لأن الطبقة الحاكمة في ليبيا اليوم لم تغتال القذافي بسبب أيديولوجيته أو فكره أو نظامه السياسي والإجتماعي، لقد قام الجناح اليميني - الليبرالي للنخبة الحاكمة المحيطة بالقذافي بإنقلاب عسكري كلاسيكي بمساندة قوات أجنبية كما هو الحال دائما في مثل هذا النوع من التغييرات السياسية، وذلك للإستيلاء على السلطة. لأن السلطة كما يقول جورج أورويل ليست وسيلة في مثل هذه الأحوال بل غاية، فلا يوجد من يقيم دكتاتورية لحماية الثورة، ولكن هناك من يقوم بثورة لتأسيس ديكتاتورية. وهذه الأسس الإيديولوجية التي يرزح تحت ثقلها الشعب الليبي منذ أجيال وتمنعه من التنفس والحياة، تتلخص في أربعة مصائب ما تزال سارية المفعول حتى هذه اللحظة وهي : الدين الإسلامي، القومية العربية، مركزية السلطة والقوة العسكرية. وإذا كنا في الوضع الراهن لا نستطيع التخلص من هذه المصائب لعدم وجود الرغبة ولا الإرادة ولا الأدوات الفكرية ولا المادية اللازمة لتفجير هذا المربع الجهنمي، فعلينا على الأقل أن "نفكر" فيها ونأخذها في الإعتبار، حتى لا نصدق بسداجة المهزلة أوالمسرحية الهزلية التي يستعدون لإخراجها وعرضها على الشعب منذ عدة شهور، والتي ستساهم في تمزيق ما تبقى من النسيج الإجتماعي الليبي وتفتتح فصلا جديدا من المذابح.
ويمكن للقاريء أن يكمل هذه القائمة من الأخطاء، وسوء النية، والخيانات الوطنية .. إلخ، وذلك لمصلحة الجميع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نَعم .. و لكن
محمد بن زكري ( 2018 / 3 / 11 - 15:44 )
قراءة جيدة للحدث الفبرائري و تداعياته الكارثية . لكن الواقع أنها لم تكن بالأصل ثورة ، فللثورة - حتى بالمفهوم البرجوازي - شروط موضوعية غابت عنها . بل كانت مجرد انتفاضة شعبوية عشوائية ، جراء استبدادية و فساد النظام السابق ، و بلوغ سياسات الإقصاء و التجويع و القمع أقصى مدياتها ، مع الاستنسابية التي وصلت درجة التوريث و تأسيس سلالة حاكمة ؛ فكانت تلك الفورة الشعبوية تنفيسا عن الغضب المكبوت . و كان النظام - و على رأسه القذافي و أولاده - من الغباء و العنجهية ، بحيث ذهب إلى خيار المواجهة المسلحة ضد (المتظاهرين) ، ما أدى إلى تحول التظاهرات إلى انتفاضة (أو : حركة تمرد) مسلحة ، ركبتها قوى اليمين الديني و الليبرالي - بما فيها عناصر اللجان الثورجية و باعة الهتاف و الولاء - التي تربت في أحضان النظام . و ما كان لمثل تلك (الثورة !) إلا أن تقف عند الإطاحة برأس النظام - و هو ما حدث بمساعدة الناتو - دون أن تغير مضمونه الاجتماعي أو توجهاته الثقافية أو ارتباطاته السياسية ، بل كان من الطبيعي أن يقع الانتكاس إلى ما هو أسوأ كثيرا من النظام السابق ، على المستويات كافة، كما حصل فعلا ، و يحصل ، و غالبا سيحصل

اخر الافلام

.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة


.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا




.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي


.. لماذا استدعت الشرطة الفرنسية رئيسة الكتلة النيابية لحزب -فرن




.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح