الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا لو عاد المصريون من الخليج؟

أيمن زهري
كاتب وأكاديمي مصري، خبير السكان ودراسات الهجرة

2018 / 3 / 11
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


ماذا لو عاد المصريون من الخليج؟ ماذا سيحدث لو عاد كل المصريين من الخليج لبلدهم مصر؟ للوهلة الأولى ربما لا تتخيل هذا الاحتمال أو ربما تعتبره نوعا من الشطحات الفكرية أو الفرضيات بعيدة التحقق أو ربما لا تحب أن تسمع هذا السؤال أو تتخيل تلك الفرضية إجمالاً. في الحقيقة أنا أناقش فرضية محتملة التحقق، ليست فرضية خيالية، حيث أن الوجود المصري، وغير المصري، في الخليج مؤقت بطبعه وكافة المصريين في الخليج لا محالة عائدون. دول الخليج ليست بلاد استيطان ولا تمنح جنسيتها لأحد، هذا بالطبع باستثناء التجنيس السياسي في بعض الدول. دول الخليج ذاتها تعتبرك جزءً من مكونات رأس المال، أنت مجرد عمالة تعاقدية مؤقتة، أي أنك هناك للقيام بعمل محدد بعقد محدد المدة، وإن طالت.

دول الخليج من حقها أن توظّف أبنائها وكل متخرج في الجامعة من أبناء تلك الدول يدخل سوق العمل معناه الاستغناء عن عامل أجنبي أو إجهاض رغبة شخص راغب في العمل في تلك البلاد. في سبيل ذلك تسعى تلك الدول إلى توطين الوظائف من خلال برامج وطنية تحت مسميات مختلفة مثل القطرنة والسعودة وغيرها والتي تعني إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة. إذن عودتك ليست فرضية مستحيلة وهناك العديد من الأسباب التي جعلتني أطرح هذا السؤال: ماذا لو عاد المصريون من الخليج؟ لتوضيح الفكرة دعوني أعرض بعض تلك الأسباب:

أولا: منافسة العمالة القادمة من دول أخرى للعمالة المصرية في سوق العمل الخليجي، خصوصا العمالة القادمة من دول جنوب وجنوب شرق دول آسيا. هذه العمالة أرخص من العمالة المصرية وتستطيع/تقبل العمل في ظروف أصعب من ظروف العمل التي يمكن أن تقبلها العمالة المصرية وبرواتب أقل.
ثانيا: يمكن للعمالة المصرية أن تتأثر بالظروف السياسية في مصر، بمعنى أنه يمكن لأي دولة خليجية أن تفرض قيودا على استقدام العمالة من مصر في حال الخلاف السياسي مع الحكومة المصرية.
ثالثا: الظروف السياسية في دول الخليج وتدخل دول الخليج في مجريات الاحداث في دول أخري مثل سوريا واليمن والعراق وليبيا اللي يمكن أن يؤثر على اقتصادها وعلى قدرتها على استقدام العمالة من الخارج.
رابعا: تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي في دول الخليج وفرض ضرائب لأول مرة في تاريخها مثل ضريبة القيمة المضافة التي فرضتها المملكة العربية السعودية والتي تؤثر على مستويات الأسعار والتي بدورها تؤدي الى انخفاض مدخرات العمالة الأجنبية، وبالتالي تقليل نسبة المدخرات التي يمكن تحويلها لبلدان المنشأ.
خامسا: الرسوم المباشرة التي بدأت تلك الدول في فرضها على العمالة الوافدة والرسوم الشهرية اللي بدأت في تحصيلها على عائلات المغتربين والتي أدت ببعض الاسر للعودة لمصر بالفعل.
سادسا: محاربة ما يسمى بالعمالة السائبة أو العمالة التي تعمل لحسابها في القطاع غير الرسمي الخليجي والذين يدفعون لكفلائهم مبالغا مالية مقابل استمرار كفالاتهم للبقاء في سوق العمل الخليجي بصفة غير قانونية.
سابعا: ارتفاع الأسعار في مصر والذي جعل قيمة تحويلات العمالة المصرية في الخليج لا تساوي مرارة الغربة والتفكك الأسري.

كل هذه الأسباب بالإضافة لاحتمال نشوب حرب إقليمية في المنطقة بسبب الاحداث السياسية في المنطقة والتي من الممكن أن تؤدي لعودة جماعية كبيرة كما حدث بالنسبة للمصريين في ليبيا بعد أحداث فبراير 2011. لكل هذه الأسباب لا يمكن اعتبار احتمال عودة المصريين من الخليج فرضية خيالية، إذ لابد أن نضع تلك الاحتمالية نصب أعيننا ونفكر فيما يمكن أن يحدث لو تحققت تلك الفرضية بالفعل.

بعد عرض هذه الأسباب ربما يسأل سائل: كم عدد المصريين في الخليج الذين يمكن أن يعودوا لمصر؟ الرد على هذا السؤال ليس سهلاً. ليس لدينا إحصاءات دقيقة عن عدد المصريين في الخليج. في سبتمبر 2017 عندما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء نتائج تعداد 2017، أعلن بيانا بعدد المصريين في الخارج بناءً على تقديرات وزارة الخارجية المصرية قدّر فيه عدد المصريين في الخارج بـ 9.5 مليونا. طبقا لتقديرات الأمم المتحدة يبلغ عدد المصريين في الخارج 3.5 مليونا فقط. لا شك أن التقدير المصري يميل كثيرا للمبالغة في تقدير أعداد المصريين بالخارج، بينما ميل التقدير الاممي لتخفيض هذا العدد بشكل كبير.

في ظل هذا التفاوت في التقديرات يصعب الوصول لتقدير دقيق للمصريين في الخارج إلا أن تقديري الشخصي لعدد المصريين في الخارج يمكن أن يكون حوالي ستة ملايين مصري بالخارج، نصفهم تقريبا يوجد في دول الخليج أي ما يقدر بثلاثة ملايين، وبذلك يمكن صياغة السؤال المحوري للموضوع كالآتي: ماذا لو عاد الثلاثة مليون مصري في دول الخليج لمصر؟

أولا: أول ما يخطر على بال أي شخص هو إن عدد المصريين في الداخل، داخل مصر، هو أن سكان مصر سيزيدون بمقدار ثلاثة ملايين. وحيث أن تعداد سكان مصر بالداخل عام 2017 كان حوالي 95 مليون نسمة، إذن سيرتفع عدد سكان مصر إلى 98 مليون نسمة، بمقدار ثلاثة بالمائة تقريبا. إذا كانت مصر تزيد زيادة طبيعية في السنة قدرها مليونين (الفرق بين المواليد والوفيات) فزيادة ثلاثة ملايين ليست مشكلة كبيرة ولن يظهروا في هذا العدد الكبير، هم مصريون أولا وأخيرا ومن حقهم العودة لوطنهم.
ثانيا: بالنسبة للضغط على سوق العمل. ربما للوهلة الاولي قد يقول قائل: بالطبع يمكننا أن نتحملهم كسكان مصريين لكنهم سيمثلون ضغطا هائلا على سوق العمل المحلي الذي يصل فيه معدل البطالة لـ 11.9 بالمائة. دخول ثلاثة ملايين جدد لسوق العمل ربما يمثل كارثة كبرى قد تؤدي إلى ارتفاع هائل في معدل البطالة. أعتقد أن هذه مبالغة، دعونا نتحدث عن خصائص تلك العمالة العائدة.

أولا: هناك فئة كبيرة جدا من المصريين العاملين بالخليج فيما يعرف بنظام الإجازة بدون مرتب التي يسمح بها قانون العمل المصري والتي تعني احتفاظ الشخص بوظيفته في مصر أثناء عمله في الخارج، وهذا يعني أن فرص العمل الخاصة بتلك الفئة مازالت متاحة ويمكنهم العودة لممارسة أعمالهم في مصر بمجرد العودة. معظم أساتذة الجامعة والمدرسين، إن لم يكن كلهم، ذهبوا للعمل في الخليج بعد حصولهم على اجازات بدون مرتب.
ثانيا: هناك نسبة كبيرة من المصريين في الخليج من غير أساتذة الجامعة والمدرسين أيضا من الذين سافروا للعمل في بلدان الخليج من موظفي حكومة من خلال اجازات بدون مرتب ويمكنهم أيضا العودة لأعمالهم بمجرد العودة لمصر.
ثالثا: ليس هذا فحسب هناك عدد كبير من العمالة شبه الماهرة، الذين حصلوا على عقود عمل وهمية أو ما يسمى بالفيزا السائبة يمكن اعتبار وجودهم في الخليج مثل وجودهم في مصر حيث أن معظمهم كانوا يعملون في القطاع غير الرسمي في مصر مثل عمال اليومية والعمالة شبه الماهرة. نسبة كبيرة من تلك العمالة ربما تتمنى العودة لولا المبالغ المالية الكبيرة التي دفعتها لشركات التوظيف وللكفيل للحصول على عقد عمل في الخليج.
رابعا: بالنسبة للعمالة الماهرة، خصوصا من الشباب العاملين في قطاعات تكنولوجيا المعلومات والكفاءات العالية في قطاع الأعمال ربما يكونوا أكثر المتضررين من العودة، إلا أن فرصة هؤلاء الشباب كبيرة عند العودة حيث يمكنهم العمل في نفس فروع الشركات التي يعملون بها في مصر أو في دول أخرى خارج منطقة الخليج وربما في دول أوروبا وأمريكا الشمالية أيضا.
خامسا: بالنسبة للعاملين بالخليج الذين استطاعوا تكوين وفورات مالية يمكنهم استثمار تلك الوفورات المالية عند العودة أو ربما الاكتفاء بإيداع مدخراتهم في البنوك والاستفادة من معدلات الفائدة المرتفعة التي تمنحها البنوك المصرية حالياً.

الخلاصة أن موضوع عودة المصريين من الخليج ليس كارثيا كما يمكن أن يبدو للوهلة الأولي لذلك يجب أن نفكر فيه بصوت عال ويجب على الجهات المسئولة وضع التصورات المناسبة للتعاطي مع هذا الملف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نواب في الحزب الحاكم في بريطانيا يطالبون بتصنيف الحرس الثوري


.. التصعيد الإقليمي.. العلاقات الأميركية الإيرانية | #التاسعة




.. هل تكون الحرب المقبلة بين موسكو وواشنطن بيولوجية؟ | #التاسعة


.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. المتحدث باسم البنتاغون: لا نريد التصعيد ونبقي تركيزنا على حم