الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أقدارنا الجغرافية: (محاولة بدائية لفهم الاختلافات اشر لبشرية!) ......................(الج/9) الخاتمة!

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2018 / 3 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وبالرغم كل الذي قلناه عن الصحراء والبداوة :
والذي قد يدل على مساوئ وصفات تبدو سلبية للبعض، لكن حقائق التاريخ تبين بجلاء إن تاريخ الإنسان وحضارته تدلان بوضوح، على أن ابن الصحراء ذو ذكاء فطري حاد، ومتما توفرت له ظروف مساعدة في بيئته الصحراوية أو شبه الصحراوية، فإنه قادره على صنع الحضارات ـ كحضارات اليمن الأنباط وتدمر الحضر وغيرها مثلاً ـ أو أن هذا الإنسان الصحراوي انتقل عن جغرافية بيئته الصحراوية الجرداء، إلى جغرافية بيئة طبيعية ملونة وزاخرة بأنواع المخلوقات والموجودات والأشياء الطبيعية ـ كالعراق والشام مثلاً ـ فإنه سيمتلك ذهناً متوقداً يحمل الميزتين العظيمتين معاً.. وهما :
ميزة: النظرة الكلية الشمولية للكون والوجود والحياة، التي يمتلكها أبن الصحراء أساساَ في طبيعة تكوينه الإنساني!.
وميزة: النظرة الدقيقة لتفاصيل الأشياء المحيطة به والتي يتملكها أبناء البيئات الجغرافية الملونة :
والتي سيتطبع بها هو أيضاً بعد استيطانه لبيئات جغرافية ملونة، وبجمعه لهاتين الميزتين العظيمتين يستطيع أن يصنع المعجزات الحضارية، والحضارات الكبيرة والمتفردة والغنية جداً.. مادياً وعقلياً وروحياً!.
وبهذه الميزات تميزت حضارات سكان صحراوات الجزيرة العربية :
سواء في داخل الجزيرة العربية 1)) كاليمن مثلاً، أو خارجها كحضارات أقوامها الكثيرين: من أكاديين وبابليين وآشوريين وكنعانيين وآراميين وكلدانيين وأنباط وتدمرين وآخرهم العرب المسلمين، بعد هجراتهم الجماعية من الجزيرة العربية واستيطانهم لبلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا وغيرها من بلاد الله الواسعة!.

وكان هئولاء ـ البدو أساساً من سكان الجزيرة العربية ـ هم الذين صنعوا أولى الحضارات الإنسانية العظيمة والحضارات المتتالية، في كل من العراق وبلاد الشام ومصر وأماكن أخرى، وهم الذين أعطوا للإنسانية قيمها الروحية بــ ـ الديانات السماوية الثلاث ـ وهم الذين أعطوا للعالم أسسه العقلية وصفاته الحضارية والإنسانية، وهم الذين زودوه بالحرف والرقم والمبادئ الأولية لمفاهيم الدولة والقانون والنظام العام، عندما استوطنوا بيئات خضراء ملونه توفرت لهم في وادي الرافدين ووادي النيل وبلاد الشام، فصنعوا داخلها معجزاتهم الحضارية المتتالية!!
****
ويدلنا تاريخ الإنسان وحضارته أيضاً على أن :
ليس كل من سكن بيئات خضراء ملونة وزاخرة بأشكال الوجود والمخلوقات الحية، ستنعكس هذه البيئات في ذهنه انعكاساً إيجابياً بصورة حتمية، فيكون إنساناً إيجابياً ومبدعاً دائماً وقادراً على صنع حياة وحضارات كبيرة .
وما يؤكد هذه الحقيقة التاريخية وكشاهد حي لا زال يعيش بيننا هم : سكان غابات الأمازون وسكان استراليا الأصليون، وكذلك أغلب سكان المناطق الاستوائية والأفريقية، فرغم أن هئولاء جميعهم يعيشون في بيئات خضراء وملونة، لكنهم لم يصنعوا حضارات خاصة بهم ولا زالوا يعيشون في عصوراً تاريخية بدائية، تجاوزتها البشرية منذ زمن بعيد جداً!.
وبشكل عام يمكن القول :
بأن الحضارة والتحضر حاجات موضوعية وليست كماليه للإنسان، كما أنها ليست (ميزات بايلوجية) في طبيعة التكوين الإنساني للأمم والشعوب والمجتمعات، كما يحاول أن يشيع أو يتصور بعض العنصريين والشوفينيين الغربيين والصهاينة!.

فالشرط أو الشروط الأساسية للإبداع الحضاري هي.. الحاجة أولاً :
وتحدي الطبيعة للإنسان، والاستعداد الفطري لمواجهه هذا التحدي الذي تنميه هذه الحاجة نفسها داخل الإنسان .
فـ " الحاجة أم الاختراع " كما يقولون: وما دامت (الحاجة معدومة) عند الإنسان وهناك وفرة غذائية ومأوى توفره له الطبيعية في بيئته الجغرافية بشكل دائم، فلا حاجة لإنسان هذه البيئة بأن يجهد نفسه باستنباط طرق أو وسائط، لتوفير غذائه وسكنه ووسائل عيشه وحياته، فيثمر هذا الاستنباط عنده شكل من أشكال الحضارة ونوع من الحياة المتحضرة!.

أما الاستعداد الفطري للإبداع الحضاري والحياتي :
الموجودة لدى ساكن البيئات الخضراء الملونة، ومعدومة تقريباً ـ كما يُظَنْ ـ عند سكان البيئات الصحراوية وشبه الصحراوية بأشكالها الثلاث ـ صحراوات ثلجية أو رملية أو جبلية وعرة ـ فهي ليست ميزات للأول ونقائص عند الثاني.. إنما هي قدرات اكتسبها الأول من الحاجة أساساً، ومن تجربة شديدة التعقيد وطويلة الأمد من العيش في هذه البيئات الخضراء الزاخرة والنابضة بأشكال الحياة، بعد أن شحت مواردها وعجزت عن تلبيه جميع احتياجات حياته الطبيعية!.

فهذا الإنسان لم يكتسب هذا الاستعداد الفطري لكونه متفوق على البشر الآخرين ـ كما يقول فوكوياما وأشباهه من العنصريين ضمنياً ـ ولم يكتسبه عندما كانت الغابات في بيئته الجغرافية، توفر له الغذاء والمأوى وأغلب احتياجاته الحياتية الأخرى!
وبالتأكيد أنه قد اكتسبها بعد شح الغابة وقصور قدراتها على توفير احتياجاته حياته الأساسية، مما اضطره ودفعه إلى (استنباط وسائل) يعوض بها ذلك النقص الذي حدث في عيشه وغذائه وباقي مفردات حياته اليومية.. وباستنباطه لهذه الوسائل الحياتية، يكون في اللحظة ذاتها قد غادر حياته وصفاته البدائية، ووضع أولى خطواته على سلم الحضارة، وصنع لنفسه شكلاً من أشكال التحضر وأبدع نوعاً من الحياة المتحضرة!.

في حين أن الثاني ـ أي مستوطن الصحراوات ـ لم توفر له بيئته الطبيعية أية بدائل لحياته البائسة رغم (حاجته الموضوعية أيضاً) إليها، ولم يكن أمامه من بديل لها إلا الهجرة عنها إلى جوارها أو أبعد منها، ليتمكن من ديموه حياته وبقاء جنسه على كوكب الأرض !.
وهكذا بدأت الهجرات الإنسانية الكبرى في التاريخ البشري، من البيئات الجغرافية الشحيحة والمعدومة الموارد، إلى البيئات الجغرافية الوفيرة الموارد، وتكاد أن تكون أغلب أمم وشعوب عالم اليوم قد هاجرت من بيئاتها الجغرافية إلى بيئات جغرافية أفضل لديمومه حياتها وبقاء نوعها أو لحياه أفضل، كالأمريكان مثلاً بمختلف عرقياتهم .. ومنها الهجرات العظمى من صحراوات الجزيرة العربية إلى جوارها: العراق والشام ومصر.....الخ
فلقد هاجر أبناء الصحراوات العربية عنها مرغمين، واستوطنوا بيئات العراق ومصر وبلاد الشام، فأبدعوا في بيئاتهم الجغرافية الجديدة حضارات كبرى، وضعت (البنية التحتية الأولية) لحضارة اليوم، ولكل ما يعيشه البشر من تطور وتقدم وإبداع وانتاج حضاري يفوق الخيال!!

ففي هذه القضية بالذات ـ قضيه الإبداع والانتاج الحضاري ـ يتساوى الإنسان البدوي ابن الصحراوات الجرداء، بالإنسان الحضري أبن البيئات الجغرافية الخضراء المليئة بأشكال الوجود الحية، والمختلفة الأشكال والأوان والثمرات.. فالاثنان هنا يخضعان لشروط البيئة الجغرافية وضغط الحاجه الموضوعية !!
*****
أما كيف كان دور الجغرافية والتغيرات المناخية في حياة العرب ـ قديماً وحديثاً صعوداً وهبوطاً ـ حضارياً واجتماعياً وسياسياً عبر التاريخ، وكيف أوصلتهم ((أقدارهم الجغرافية)) لما هم فيه اليوم من دمار وضياع وخراب غير مسبوق؟
فيجيب عليه مقال سابق لنا حول نفس هذا الموضوع.. وعلى الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=548352 الذي نشر بتاريخ 2017-2-14 .. فهو يصلح أن يكون (جزءاً عاشراً) مكملاً لهذه المقالات .
[email protected]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* لقد نشرنا مقالاً تمهيدياً لمجموعه مقالاتنا هذه، وقد نشره لنا (المركز العربي الأوربي) مشكوراً وبنفس عنوانها هذا "أقدارنا الجغرافية" (فقط ودون عناوين فرعيه).. رابط المقال: . http://www.aec-center.com/archives/4455 لمن يود الاطلاع عليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية