الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث الذكريات

سليم نزال

2018 / 3 / 12
سيرة ذاتية


احب دوما الرجوع الى الامكنة القديمة لكى اعرف ماذا حل بها .لقد تغيرت اوسلو فى العشرين عام الماضية الى درجة انى اشعر انها فقدت بعضا من خصوصيتها .اعتقد ان الامكنة تشبه البشر الى حد كبير.فما ان يعتاد المرء على الذهاب الى تلك الامكنة حتى تصبح نوع من ملاذ له.
المقاهى الصغيرة التى تديرها عائلة اختفت تقريبا الا هنا و هناك فى اطراف المدينة.صارت كلها شركات يعمل فيها موظفين .انتهى ذلك الشعور ان المرء ذاهب لزيارة صديق اكثر منه الى مقهى.فنحن فى عصر العولمة و عصر غزو الشركات لكل شىء.
و لى صديق قابلته منذ بضعة ايام كان حريصا ان يذهب ليرى كوبا لانه كما قال ان تاخر فهو لن يرى كوبا القديمة حين تغزوها الشركات الامريكية.

كان يدير احد المقاهى فى اوسلو رجل فى غاية الطيبة و عندما ذكر اسم بلده لم اكن قبل سمعت بها من قبل.
و لعل افضل وصف لهذا الرجل ما قاله صديق ان هذا الرجل لا يصلح الا ان يكون قهوجيا اى صاحب مقهى.و بالفعل من الصعب تخيله يعمل فى مهنة اخرى.

تعرفت اليه من خلال زوجته البرتغالية التى كانت معى فى اول كورس نرويجى.و فى تلك الازمان لم تكن النروج مهياة لكورسات للغتها . لم يكن صفا بالمعنى الكلمة بل غرفة فى شقه و كنا حوالى خمسة عشر طالبا و طالبة من بلاد متعددة.

اتذكرمنهم زميلا يونانيا و كان شيوعيا . كما اتذكر زميلة كانت خليط استرالى فرنسى سويسرى و كانت امها تعيش فى القاهرة ولم تزل تحب اغانى ام كلثوم .و قد صرنا اصدقاء و قد زارتنى هى ووالدتها عندما جاءت امها لزيارتها. و حين قلت مرة لمدرسنا فى اللغة انى قرات قبل مجئى للنروج مسرحييتين لابسن بان على وجهه الاستغراب ذكرت له ان ابسن مترجم ايضا للعربية فى مصر كما زلت اذكر و قرات واحدة منها بالعربية والاخرى بالانكليزية.
.كانت ثقة النروجى ببلده ضعيفه فى تلك الاوقات.و هو امر غير مستغرب لبلد كان مهمشا فى تاريخه و خاضعا تارة للدانمارك و تارة للسويد.

كنت اتردد الى المقهى و معى عادة كتاب .و ان لم يات احد من الزملاء معى كنت اجلس اقرا الى ان يخف الزبائن. لكنه كان مشغولا كل الوقت تقريبا تارة ينظف ماكينة القهوة و تارة يحمل الفناجين و الصحون و ينظف الطاولة و يحى الزبائن خاصة اولائك الذين يترددون باستمرار.

.كان دوما هاشا باشا مع الزبائن.و كان عندما تاتى امراة و معها طفل يسارع الى حمل الطفل و يبدا بالقيام بحركات لاضحاك الطفل .قالت لى سيدة كان طفلها معها انها صارت تاتى الى المقهى من اجل طفلها بالدرجة الاولى.
كما كان يستمع لمشاكل البعض من زبائنه و كنت اقول له مازحا انت صاحب مقهى و عامل اجتماعى و مختص نفسى.
لكنه عندما كان ينتهى من كل هذا كان ياتى مهرولا و معه فنجان القهوة و كان التدخين فى تلك الايام مسموحا فى المطاعم و المقاهى فى امكنة خاصة و لم يصدر قرار المنع النهائى الا فى عام 2000.

كنت اراه فى الفترات الاخيرة صدفة بين حين و اخر بعدما توقفت عن الذهاب الى المقهى و كان يسير بتثاقل و المرض باد عليه .قال لى مرة عندما قابلته فى الطريق يبدو ان الله يفتقدنى .كان يحاول ان يبتسم و يحاول اخفاء حزنه.يا له من موقف محزن !

و لحسن الحظ انى وقتها عرفت من صديق عن وفاته .لانه
لللاسف يتوفى اشخاص احيانا بدون ان نعرف . ذهبت مع الصديق لكى نعزى زوجته. لم نجلس طويلا.تبادلنا بضعة كلمات وسط الصمت ثم مضينا صامتين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قميص -بركان- .. جدل بين المغاربة والجزائريين


.. مراد منتظمي يقدم الفن العربي الحديث في أهم متاحف باريس • فرا




.. وزير الخارجية الأردني: يجب منع الجيش الإسرائيلي من شن هجوم ع


.. أ ف ب: إيران تقلص وجودها العسكري في سوريا بعد الضربات الإسرا




.. توقعات بأن يدفع بلينكن خلال زيارته للرياض بمسار التطبيع السع