الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
لِمَاذا اسْتولى الأشخاصُ الرّديؤون عَلى السّلطة؟ حوارٌ مع الفيْلسُوف الكندي ألان دونو - ترجمة محمد الهلالي
محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)
2018 / 3 / 13
مواضيع وابحاث سياسية
سؤال: ماذا تقصدون بكلمة "الرّداؤقراطِية"؟ وما الفرق بينها وبين الرداءة؟
جواب: تحيل الرداءة على كل "ما هو متوسط"، و"ما هو متوسط" يظل عاما ومجردا. أما الرداءة فتشير "للمتوسط" الموجود واقعيا. والبحث في "الرداؤقراطية" ليس بحثا في الرداءة ولا في الأخلاق، إنه بحث يحاول فهم توجه عام وديناميكية اجتماعية تفرض اللجوء لإنتاج "ما هو متوسط": إنها الرداؤقراطية، أي المرحلة المتوسطة التي تم السّمو بها إلى مرتبة السلطة.
تؤسسُ الرداؤقراطية نظاما لا يعود فيه "ما هو متوسط" مجرد بلورة مجردة تسمح بفهم تركيبي لوضعية معينة، وإنما يصبح فيه "ما هو متوسط" معيارا قهريا ينبغي تجسيده. وإذا كنا نتمتع بالنزاهة فعلينا أن نعترف أننا نكون أحيانا متوسطين، وأننا لا نستطيع أن نكون دوما في أقصى قدراتنا، والمشكل المطروح هو إجبارنا على أن نكون "متوسطين" في جميع الأمور.
سؤال: متى انتقلت الرداؤقراطية إلى الوجود الفعلي؟ متى استولى الأشخاص الرديؤون على السلطة؟
جواب: لقد تمّ ذلك تدريجيا، وساهم تقسيم العمل اليدوي والفكري وتصنيعه مساهمة كبيرة في انبثاق السلطة الرديئة. تحولت "المهنة" في القرن التاسع عشر إلى "وظيفة"، وفقد الشغل (الذي صار موحدا ونمطيا وتحول إلى نشاط متوسط بمعايير دقيقة وغير مرنة) معناه. وصار من الممكن أن نقضي عشر ساعات في اليوم في إعداد وجبات بشكل آلي دون أن نتمكن مع ذلك من أن نعد لنا وجبة أكل في المنزل، وأن نركب براغي في سيارة دون أن نعرف كيف نصلح سيارتنا الخاصة، وأن نبيع كتبا وجرائد لن نقرأها. هناك توجه للقضاء على الإحساس بالفخر لما ننجز عملا بشكل جيد. فنحن ننتقل من شغل لآخر كما لو أن الأمر لا يتعلق إلا بوسيلة للبقاء على قيد الحياة، صار تقديم خدمة مجرد وسيلة، وصارت النتيجة وسيلة أيضا، وأصبح الناس قابلين ليعوض بعضهم بعضا. كان الشخص الرديء يبدو في الماضي (عند لابرويير La Bruyère) شخصا ماكرا يندس وسط المقتدرين والأكفاء. وبعد ذلك تغيرت صورة الشخص الرديء لدى كتاب مثل ماركس Marx وماكس فيبر Max Weber وهانز ماغنوس إنزنسبيرغ Hans-Magnus Enzensberg ولورانس بيتر Laurence Peter، حيث صار الشخص الرديء مرجعا للنظام كله.
سؤال: هل يمكن للعبارة التي تقول "عليك احترام القواعد المعمول بها" والتي يفرضها النظام أن تكون شعارا للرداؤقراطية؟
جواب: تعبر هذه العبارة عن المشكل انطلاقا من كونها عبارة فقيرة في معناها، لكنه معنى خطير جدا. فالقواعد يمكن ألا تكون مكتوبة، ويمكن أن يتعلق الأمر بتدابير مستعملة لكنها غير رسمية ينبغي استعمالها لتحقيق الغايات التي نريد. والوصول للغايات يمر عبر طقوس غير إجبارية، لكنها تعبر عن الولاء لهيئة معينة ولشبكة محددة. لكن الوجه القبيح لمظاهر الولاء المتمثلة في الاحتفالات الاجتماعية (السهرات، وجبات الغذاء، أساليب الإغراء والحصول على الرضا، تبادل الخدمات) هو أمر بديهي. يتم اللجوء للقتل الرمزي من أجل معاقبة من يخل بالولاء لشبكة العلاقات المحددة، في سياقات تمكن الأقوى من اللجوء للسلطة التعسفية. وفي نهاية المطاف تؤدي هذه التصرفات إلى سيادة مؤسسات ومنظمات مرتشية. وهكذا تكتسح الرداؤقراطية جميع المجالات.
سؤال: من يجسد أفضل تجسيد الرداؤقراطية؟ هل هو الخبير؟ ولماذا يسود انطباع بأنه يقود المجتمع نحو الأعلى؟ ألا يتعلق الأمر بمفارقة؟
جواب: لقد عالج المنظر إدوارد سعيد Edward Saïd بشكل مباشر هذه المفارقة وذلك بتمييزه الواضح ما بين الخبير والمثقف. فالخبير في الصيغة المعاصرة، هو في أغلب الأحيان ذلك الذي يعمل بكيفية محسوبة ودقيقة، والذي يخفي خطابات المصلحة في ثوب المعرفة. إنه ممثل السلطات التي توظفه، ويرتدي لأداء هذه الوظيفة لباس العالم الموضوعي المحايد. أما المثقف، على العكس من ذلك، فإنه يعكف على معالجة إشكاليات يهتم بها كإشكاليات لا غير، بدون أن يكون تابعا لجهة ما. فالخبير لا يكتفي بتقديم معرفته لأشخاص من أجل أن يتملكوا كلهم الأدوات اللازمة من أجل التداول بشأن تلك المعرفة: إنه يحول موقفا إيديولوجيا إلى مرجع موضوعي، أي إلى معرفة.
سؤال: تقولون إن أصل الرداؤقراطية هو الصعود القوي للحكامة، كيف ذلك؟
جواب: يتعلق الأمر بالجانب السياسي للرداؤقراطية. ففي الثمانينيات استولى تكنوقراطيو مارغريت تاتشر على متن "الحكامة" التي تم تطويرها في البداية انطلاقا من نظرية المقاولة الخاصة، وذلك لاستبدال الدولة بثقافة القطاع الخاص. إن الهدف من رفع شعار "من أجل أفضل تدبير للمقاولات الخاصة" هو إخضاع الدولة لمناهج تدبير المقاولات الخاصة التي يقال عنها أنها فعالة. وفي نظام تسوده الحكامة، حل التدبير محل الفكر السياسي، وتم قلب كل المعجم التقليدي، فتم استعمال حكامة بدل سياسة، واستعمال مقبولية اجتماعية عوض إرادة شعبية، واستعمال شريك عوض مواطن... ويؤدي هذا الإقصاء للسياسة إلى القضاء على كل تفكير يرتكز على المبادئ وعلى كل تصور يتمحور حول الشأن العام. إنه زحف لعاصفة التدبير. إن حرماننا من المعجم السياسي الذي ورثناه عبر محو تدريجي للأفكار والمبادئ الكبرى التي تمكننا من التوجه السليم في حياتنا العامة هو أمر مأساوي. إن كلمة حكامة تمثل مرحلة تفضلُ التصورات الفارغة من المعنى.
سؤال: كيف يمكن مقاومة الرداؤقراطية إذا كانت مرتبطة باقتصاد السوق؟
جواب: لا يوجد جواب إداري وبراغماتي عن هذا السؤال. لكن توجد عدة وسائل لمواجهة هذه الوضعية السائدة والتي تقودنا نحو الأسفل. ينبغي علينا أن نقاوم وأن نعود للمفاهيم القوية للتفكير وعدم السماح للغة التدبير الفقيرة من التأثير علينا.
المرجع:
حوار مع الجامعي والفيلسوف الكندي ألان دونو Alain Deneault، موقع مجلة لوبوان الفرنسية، بتاريخ 16 يناير 2016.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ألمانيا تسمح بالحشيش -للترفيه- ودول عربية -طمعانة- في أرباحه
.. بسبب حرب غزة..متظاهرون يقاطعون كلمة بايدن | الأخبار
.. قصف وحصار إسرائيلي على غزة.. الجوع يقتل الغزيين أيضا
.. لماذا قرر نتنياهو إعادة إرسال الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن؟
.. هيئة البث الإسرائيلية: أهالي الجنود المحتجزين في غزة يجتمعون