الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاقة الفلسفة بالصحافة: الفلسفة صحافة راديكالية

محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)

2018 / 3 / 15
الصحافة والاعلام


مارس العديد من الفلاسفة العمل الصحافي، لذلك يمكن الحديث عن "فلاسفة صحافيين". وتميزت ممارستهم الصحافية بالانحياز للعدالة الاجتماعية وبتوظيف المعرفة والمفاهيم ومناهج البحث والتحليل. وكان الاهتمام الفلسفي بالصحافة يحيل على الاهتمام بالأحداث اليومية الراهنة. وكان هيجل قد عبر عن أهمية هذا الاهتمام بقوله: "تشبه قراءة الجرائد صلاة الصباح". كان التفكير في الأحداث اليومية الراهنة يستهدف فهم وضبط ما يحدث، أي الأحداث التي تتحول إلى أخبار.
وقال كارل كروس في هذا الصدد: "لما يُضفي الكاتبُ طابع الأبدية على واقعة يومية معينة، فإنه لا يُعرّض الأحداث اليومية الراهنة للخطر، لكن الكاتبَ الذي يحوّل الأبدية إلى حدث صحفي فسيحظى باعتراف النخبة المثقفة به".
كانَ تصورُ الفلاسفة للعمل الصحافي إيجابيا في البداية، حيث لم تكن قد برزت بعد هذه الخصومة الحادة بين المثقفين ووسائل الإعلام. هذه الخصومة التي تجسدت بوضوح في موقف كل من بورديو ودولوز من عمل وسائل الإعلام.
احتج بورديو على إصدار الصحافيين لأحكام تبسيطية عن مؤلفات فكرية، وساهم بذلك في رسم خط فاصل ما بين مهمة الصحافي (فيما يتعلق بالثقافة) ومهمة المثقف المتخصص. وأدى موقف بورديو إلى ترسيخ الجامعة كمكان طبيعي للبحث، وهو الأمر الذي حجب الوجه الآخر للجامعة والمتمثل في ضحالة جزء كبير من الأبحاث الأكاديمية وسطحيتها وعدم نزاهتها. وساهم أيضا في جعل اليسار في الجامعة يتبنى موقف اليمين فيما يخص مرجع مشروعية البحث.
وقال بورديو عن هذه العلاقة: "يلاحظ الصحافيون بكثير من الاستمتاع تهافت الجامعيين على وسائل الإعلام" للاستفادة منها بالدعاية لما يكتبون. ويضيف أن هذا الأمر يشهد على عدم تمتع الكتاب والفنانين والمثقفين "باستقلالية ذاتية".
ارتبط العديد من الفلاسفة بالصحافة كل حسب منظوره لعلاقة الصحافة بالفلسفة. فديدرو، مثلا، كان من أنصار جعل الفلسفة منتشرة على أوسع نطاق، وارتبط بالصحافة من خلال مقالاته في الإنسكلوبيديا. كما نشر ألان (إميل شارتييه) مقالات صحافية فلسفية عديدة في مختلف المواضيع المرتبطة بالأحداث اليومية الراهنة. وكان ألبير كامو كاتبا وفيلسوفا وصحافيا. وكانت لسارتر علاقة خاصة بالصحف والمجلات. ونشر فرانسوا شاتليه (مؤرخ الفلسفة وأحد المساهمين في تأسيس الكوليج الدولي للفلسفة)، عدة مقالات في جريدة لوموند ومجلة نوفيل أوبسيرفاتور, وفرضتْ شخصية الفيلسوف الصحفي نفسها مع مورس كلافيل في منتصف السبعينيات من خلال مجلة نوفيل أوبسيرفاتور، وهو أستاذ الفلسفة في الثانوي ومؤلف العديد من المؤلفات في الأدب والفلسفة والسياسة، وكان يكتب تأملات حرة حول الأحداث اليومية الراهنة، وشكل مرجعا ونموذجا للفلاسفة الجدد.
ولكن الشخصيتين الفلسفيتين البارزتين في مجال علاقة الفلسفة بالصحافة هما كارل ماركس وميشيل فوكو. فلقد مارسا فعلا الصحافة، وأثرا من خلالها على الفكر والواقع في نفس الآن. وتحولت تجربتهما الصحافية إلى موضوع مساءلة وتفكير.

كارل ماركس الصحافي:

مارس ماركس العمل الصحافي بشكل مكثف، وهو العمل الذي يتم تجاهله بل واحتقاره من طرف المتخصصين في العلوم السياسية والفلسفة الذين اهتموا بفكره. إن المهنة الوحيدة التي مارسها ماركس في حياته هي مهنة الصحافة. لقد كتب مقالات صحافية وأسس صحفا وأشرف على إدارتها، وكان حقل أبحاثه هو المجال الصحافي والتوثيق الاقتصادي والتاريخي والنقاشات البرلمانية. وكان بالدرجة الأولى صحافيا سجاليا يفضل الكتابة ضد خصومه (ضد هيجل وبرودون وسترنر...)، وكان يقوم بهذا العمل الصحفي انطلاقا من جهاز مفاهيمي فلسفي. وكان ماركس يتقن عدة لغات منها اليونانية واللاتينية والألمانية والإنجليزية والإيطالية وتعلم الروسية أيضا. صدر أول مقال لماركس بتاريخ 1842 حول "حرية الصحافة في بروسيا". وكان دخلُه الوحيدُ المنتظمُ هو الدخل الذي كان يحصلُ عليه من الجريدة الأمريكية الشهيرة "نيويورك تريبيون"، التي كان هو مراسلها الأوروبي. ولقد عاش ماركس طيلة حياته مهاجرا بدون أية جنسية.

ميشال فوكو الصحافي:

اشتهر فوكو كصحافي بفضل تغطيته الصحافية لتمرد الشعب الإيراني الذي اندلع سنة 1978، والذي تمخض عنه قيام الجمهورية الإسلامية. وتتكون تلك التغطية الصحافية من تسع مقالات أنجزت من 16 إلى 24 سبتمبر ومن 9 إلى 15 ديسمبر 1978. ولما سيطر رجال الدين على الحكم في إيران التزم فوكو الصمت حول هذه التجربة. ولقد تعرضت مقالاته لانتقادات عديدة.
لكن أهم شيء في ممارسة فوكو للصحافة هو ربطه لهذه الممارسة بالتفكير الفلسفي في الأحداث اليومية الراهنة، واعتباره الفلسفة صحافة راديكالية، وهي الفكرة التي عبر عنها بوضوح بقوله: "أعتبر نفسي صحافيا، في حدود أن ما يهمني هو الأحداث الراهنة اليومية، أي ما يحدث حولنا، ما يجعلنا نحن هم نحن، ما يحدث في العالم. كان أساس الفلسفة قبل نيتشه هو الأبدية. لم يكن الفيلسوف يعرف قبل فلسفة نيتشه إلا الزمن والأبدية. لكن نيتشه كان يعشق الأحداث الراهنة اليومية. أعتقد أننا نحن الذين نصنع المستقبل، فالمستقبل هو الكيفية التي نحوّل من خلالها الحركة والشك إلى حقيقة. إذا أردنا أن نتحكم في مستقبلنا فعلينا أن نطرح سؤال الراهن، أي سؤال ما يحدث الآن، لهذا السبب أعتبر أن الفلسفة هي صحافة راديكالية". (فوكو، أقوال وكتابات، الجزء الثاني، النص رقم 126، ص 433، غاليمار، 1994).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل