الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا الأعتزال؟ ح1

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 3 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لماذا الأعتزال؟ ح1

قد يسأل سائل ما قيمة الأعتزال الآن وقد بين الله لنا طريق الحق ودرب الباطل لم يترك الناس في مهب الحيرة والضلال؟، وهل بالإمكان اليوم أن نعيد الفعل والقوة للعقل المعتزلي كي يكون البديل عن ثقافة الكهنوت وسطوتها على الناس بعد أن تاه الإنسان في منقولاة الفقهاء والمتفيقهين ولم يعد يعرف الحق بملامحه المطلقة ولم يعد يقتنع الإنسان المتدين أن ما بين يديه من تحصيل ديني ممكن أن يتسلل له الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه؟ وهناك من يعتقد أن العودة للدين أساسا قضية خاسرة ولا يمكن إصلاح ما عبث به الدهر وخربه من أن يمسي ويصبح جديدا في ظل عالم لا مكان له للعواطف والأمنيات النبيلة، ولأكثر حدة من هذه الأسئلة مما يطرحه البعض من أن الطريق للحياة الصحيحة هو أن ندفن الدين والرب معا في مقبرة السلام ونمضي إلى عالم الوجود خاليين من ثقل ومتابعة من يهددنا بالنار والجحيم وعذاب القبر، فالحياة لا تستحق أن نقضيها بين ركام الماضي وقيود الدين ووعود الأنتقام والتعذيب.
الحقيقة سؤال مهم وحقيقي ولكن قبل ذلك لا بد لنا من ذكر قول الله فينا حين لم تعد بين الحق والباطل مسافة وكل يدع أنه على الصراط وغيره في ظلال مبين، قال الله تعالى {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً}الكهف16، من محامد الله وذكره الطيب (للمعتزلة على مر التأريخ الديني) أنه مدح من يعتزل الفتنة ويأوى للكهف الحصين دينه الذي أراد، فقال مرة أخرى حاثا على الفضيلة والنجاة من عذابات الواقع والتلوث بالخطيئة البشرية بقوله {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً } مريم48، فلقد كان معظم الأنبياء قبل أن يكونوا رسلا معتزلة مجتماعتهم بعدما رأوا أن الحق مظلوم والباطل يستعرض قواه على الناس، فكان الأعتزال هو الرحمة المرتجاة من رب رحيم {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً }مريم49، فإذا كان الأنبياء والمؤمنون في حالة أعتزال عن أهل الفتنة والخائضين فيها، فعلى المؤمن الحقيقي أن يعتزل وينجو بنفسه لعل الله يجعل له من أمره مرشدا.
الأعتزال ليس حركة إسلامية بمعنى أنها واحدة من إرهاصات فكر المجتمع الإسلامي تاريخيا ولم ترتبط به على أنه نتيجة لنزاع وتنازع بين أطراف مكونه له كل منها لها قراءة خاصة به للواقع، بل من خلال الإشارات التي وردت في النصوص الدينية التي ذكرناها الأعتزال كان ممارسة إنسانية فذه تجنبت الباطل وحاربت تغييب الحق من خلال رفضها لما في مجتمعاتها من أنحراف وتزوير لمقاصد الدين ودلالاته، من هنا فإن تمسكنا اليوم بالأسم إنما يعني لجوئنا إلى الكهف الذي يقينا الفتنة ورغبة في عدم تحمل مسؤولية الخطيئة التي أشاعها تجار الدين وسماسرة الدعوة له، بل هي صرخة في وجه الظالمين والفاسدين الذين أحالوا حياتنا إلى حجيم قبل أوان الحساب ويظنون أنهم بذلك يحسنون صنعا.
هنا أود أن أنبه لقضية حساسة جدا ولا بد من توضيح حتى لا تلتبس على الناس العناوين ولكي لا تتشوه الصورة التي نسعى لها ونعمل من أجلها، وهي أننا نحن المعتزلة المجددون لا ننتمي لطائفة ولا لمذهب ولسنا مذهبا إسلاميا أخر ولا حزبا سياسيا نتقاسم فيه مع الأخرين الأتباع والميريدين، بل نحن مؤمنون على سنة الله ورسوله حنفاء كتابنا القرآن ونبينا محمد ص ومنهجنا العقل المكلف بالإيمان أعتقادا ويقينا حتى لا يقال عنا غير ذلك أو ينسب لنا ما ليس فينا، نؤمن بكل ما أراد الله منا على أنها تكاليف للصلاح والإصلاح ولا يريد الله منا غير أن نتكامل ونعمر الأرض بالتي هي أحسن قولا وفعلا، لا نركن إلى تفسير ما أو تأويل مطروح ما لم نخضعه لمحاكمة منطقية عقلية هي من تقرر أحقية ما يراد، ولا نردد ما قاله الأولون من أننا على ما وجدنا عليه أباءنا وإنا على أثارهم سائرون، الحق واحد لا يختلف عليه الزمان ولا المكان وتغير الأحوال ولو عقلنا وعقل غيرنا ذلك لما وجدوا أختلافا ولا خلافا على مبادئ الحق والفضيلة، فالحق سرمدي أبدي كائن بيننا وبين أيدينا لكننا لا نبصر إلا لما في أنفسنا من صورة ذهنية له، وهو بالأول والأخر وبالنتيجة الكبرى معيار حقيقة الإيمان وبه ندين.
في فكرنا الأعتزالي نقاط مهمة وحساسة ومحورية في تعاملنا مع قضية الدين ودوره في الحياة، وأولى هذه النقاط أن الدين والإيمان به والتعبد بما فيه من واجبات وفروض هو ليس كل حياة الإنسان وإن كان ركيزة مهمة فيها، فالإنسان كما هو مطالب بالإيمان مطالب بالعمل وبذل الجهد وعدم التوقف عن الحركة في ما منح الله لنا وجودا عظيما مسخرا وغير مسخر، فالعمل عند الله أولى من أن نؤمن ونحن كسالى نبحث عمن يطعمنا ويسقينا، ثانيا أن الدين خطاب للعقل ومنفذ للحياة من خلال دور العقل في أسترشاد الطرق والمسالك التي تؤدي بنا للخير والفضيله، فهو خيار حر لا ضرورة حتمية لا يمكن الأستغناء عنه لمن أراد، فالمؤمن حر في إيمانه والمخالف حر في مخالفته طالما أنه مسؤول عن ذلك ومستعد لتحمل ما يؤمن به، النقطة الثالثة أن المعتزلة في تأريخهم لم يركنوا للظلم ولا لحكم الظالمين لأن الله أصلا ذمهما، وطلب أن لا نخضع إلا للحق عنوان ومفهوم وسلوك، فمن لا يريد ظلما لا يمكن أن يكون ظالما ويفرض رأيه في قضايا الإنسان على أنها كامل الحقيقة، الإنسان كائن مجرب معرفي وبالتالي ما يأت به خاضعا للتجربة ونتاجا عنها، لذا تبدو الأهمية هنا في هذا الجانب وليس في غيره أن ندع للعقل حرية العمل ضمن منطق عقل سليم وخالي من تأثيرات أي قوة مسلطة وأستبدادية وأعتباطية.
في منهجنا العقلي لا مكان لمفهوم الإمام الذي يفكر عن الناس أو يكون الواسطة بينهم وبين الرب، الإمامة التي نؤمن بها هي إمامة الكتاب والرسول ومن جعله الله إماما للناس كوظيفة وليس منصبا تشريفيا نقدسه ونسلم له تسليما، لقد كان الأئمة الذي جعلهم الله للناس خلائف يهدون بأمره لا بأمرهم ويظنون أنهم على هدى فهم يفعلون ما يقولون في أنفسهم وعلى أنفسهم قبل أن يكونوا دعاة لما يؤمنون به ولو كان بهم خصاصة، هم العقل الذي يفكر ويدعو للتفكر والتدبر والتعقل ويحث على فعل الخيرات وهم صابرون، فالعقل عندهم إمام إن كان في مستوى المسؤولية ويدرك ويعي ما معنى أن يكون بهذا الحال والكيفية، أما المغانم والمكاسب والمصالح الدنيوية فهي ليست إلا أمتحان للعقل وأختبارا عمليا لمصداقية ما يقول، فمن حكم أمره للعقل كان على هدى وصراط حميد أما من لهث وراء القداسة والتعظيم والتفاخر فهو إمام سوء ورذيلة مهما كان العنوان والشكل.
وأيضا أننا نؤمن أن القرآن الكريم كتاب الله وملخص رؤيته الكونية وزبدة ما أراد لنا من خير وصلاح، وفيه أحكام وقواعد يسترشد بها الإنسان في حياته العامة والخاصة على سبيل النجاة والفوز، لم يكن كتابا في الفيزياء أو العلوم أو الأقتصاد وإن وردت فيه أفكار عقلية بهذا المعنى أو تشير بدلالاتها على صلة بتلك العلوم، وأيضا منحنا الله فوق الكتاب عقلا وأعطانا ملكة للتفكر والتدبر تكون قاعدة عملية منتجة لأن ننشيء علومنا الخاصة ومنها نستفيد في بناء واقعنا الوجودي، فعرف الإنسان به الكمياء والفيزياء والأقتصاد وغيرها من العلوم والمعارف، فليس عيبا أن نفهم ما في القرآن الكريم من إشارات بموجب هذه العلوم ونتدبر الحكمة من ذكرها والنص عليها، ولكن لا ندع أن ذلك من معجزات الكتاب وأنها مكنونه فيه لأنه أصلا كتاب علم ومعارف خفي، فلولا عقولنا وعملها المتواصل لما عرفنا الكثير من أسرار ومقاصد النصوص الوارده فيه من خلال العلم الوضعي، فعلينا أن نكون عقلانيين في فهم القرآن وأحكامه بكل ما تيسر لنا من معرفة، وعلم فكلاهما طريق مميز للحياة التي أراد الله لنا أن نكون فيها أكثر إصلاحا وتتبعا للخير وتسخير الوجود لخدمة الإنسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز


.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب




.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53