الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا الأعتزال؟ ح2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2018 / 3 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعتزلة كفكر جاء ضمن سياقه الطبيعي مع تطور الصراع السياسي الذي منشأه فكري بين السلطة الحاكمة التي ترى أنها في محل خلافة شرعية قائمة على تأويل النص وتدبره بقراءه محافظة، وبين من يؤمن بأن الخلافة حتى تكون مشروعة وشرعية يجب أن تبنى على قواعد القصد من النص على حقيقته وليس تأويلا قابلا للنقض والمخالفة، إذا حركة المعتزلة وخاصة في تأريخ المسلمين ليست حدثا طارئا جاء نتيجة لتوسع المدارك العقلية بتأثير الفلسفات الوافدة والتي هجنت أو طوعت لتتلائم مع واقع فكري مناقض، نعم الفلسفة منحت المعتزلة أدوات للصراع ولكنها ليست السبب المحوري في نشأتها، فلقد كانت المعارضة الإسلامية موجودة بالفعل وبالواقع منذ خلافة أبي بكر الصديق وأستمرت في تطورها مع أشتداد القطبية بين المدرستين المحافظة المكية التي تمسكت بظاهرية النص والأعتماد على المقول دون حق المناقشة، وبين مدرسة المدينة القائمة على تعقل النصوص والبحث عما فيها من دلالات عقلية فالنص عندها حامل أفكر وليس فكرة بحد ذاتها.
هنا يمكننا فهم دور السياسة في تمزيق وحدة المجتمع الدينية وبالتالية الفكرية وما ينتج عن هذا التناقض بين المدارس الفكرية من أختلافات طبيعية عمقتها السلطة السياسية وسخرتها لتكون أداة صراع بدل أن تكون أداة ترقي وتكامل، فالموقف الفكري الذي أختطه المعتزلة في كتاباتهم وأفكارهم كانت محاولة أولى للفصل بين السياسة الدنيوية وبين الدين والفكر الديني من خلال موقفها من عدم الأعتماد الكلي على منظومة ضخمه من الأحاديث الموضوعه والمكذوبه وعدم أعتدادهم بما نتج من خلالها من أفكار ورؤى في الغالب كانت أدوات صراع للأطراف السياسية المتصارعة، إن مبدأ تعقل النصوص وفهما من قصديات النص وما تحمله من أفكار أخلاقية وعقلانية سيحصن الفكر الديني من الولوج في عالم الصراعات وترك السلطة الدنيوية تدبر أمرها بموجب قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتشجيع الشورى والمشاركة العامة في السلطة وصنع القرار بأعتبار أن أمرهم تدبير دنيوي خالص وليس خططا موضوعة من قبل وملزمة الأتباع.
من هنا حصل التصادم بين مشروع أهل النقل والظاهرية في النص والتي تحاول جاهدة أن تناصر السلطة وتتقرب منها، وبين رجالات المعتزلة وفكرهم العقلاني المبني على الحرية وتحرير الإرادة من سطوة المؤسسة الدينية الظلية التي نمت وترعرت في حضن السلطان، هذا التصادم لم يكن حدث عابر ولا هو مفصلي تماما بل هو جزء من صراع أكبر ثنيوي الأتجاه وديني المظهر، صراع مكة القديمة النتجذره في سطوتها والمدينة الناشئة على تعدد الأديان والتسامح ولعيش المشترك، مكة التي مثلها معاوية بن أبي سفيان ومنهجه السياسي وعلي بن أبي طالب ممثل المدينة ومنهجه المتصالح والمتسامح بعقلانية وفكر عميق وفلسفي صوفي الملامح والسلوك، فلا غرابة أن ينحاز المعتزلة للثاني دون الأول في حين أن الأشاعرة وأهل النقل كانوا في الصف الأول ومن أشد الموالين لسياسة المدرسة المحافظة، إنه فرع مهم من فروع وأشكال وطبقات الصراعي بي مدنية المدينة وتعنت مكة وقريشيتها التي عادت بقوة لترث دولة ونظام ومنظومة فكرية متكاملة دون أن تساهم هي في صنعها أو أنتاجها.
مع تبدل النظم السياسي وبعد أن فقد شعار قريشية الدولة وسلطانها بفعل حكم الدولة الإسلامية من أقوام غير عربية وتحرج فقهاء السلطة من تبرير ولائها للسلطة القادمة، ظهر مفهوم أهل السنة والجماعة لتمثل تراث المدرسة الأشعريه بكل ما فيها من خصائص وملامح وبدلت عناوينها تبعا لتبدل الظرف، فصار الأمر بمولاة السلطة حتى لو كانت جائرة فاجرة أمر مسلم به للحفاظ على المجتمع، في حين أنزوت المدرسة المعتزلية بقوة الضربات التي وجهت لها ولرموزها، ليتحول الصراع والتنافس بين الشيعة الذين هم في جزء غالب منهم ذو ميول معتزلية مدعومة من قوى متنافسه على السلطة أو خصما لها، حتى وصل الحال إلى تكفير متبادل بين المدرستين والمنهجين قائم على أساس الولاء للسلطة وليس على أساس الأنتماء للدين، هذا التحول لم يكن مفاجأ ولا تدريجيا ولا مقطوع الصلة تأريخيا مع الصراع الأول صراع المدينة والشام ولاحقا صراع الكوفة (العراق) والشام.
إن بقاء الحال على ما هو عليه وزيادة الأستقطاب الفكري والسياسي وتوسع الهوة التي لا يمكن ردمها اليوم بين طوائف المسلمين ومذاهبهم وصراعاتهم المدفوعة من قوى خارجية وداخلية، يتحتم علينا كأفراد مجتمع لنا رؤية خاصة في هذا الصراع ولكوننا لسنا حياديين تماما في موضوع تشظي وتهافت الفكر الإسلامي عموما وتأثير ذلك على أصل فكرة الدين، كان لا بد لنا من موقف تأريخي حاسم أما ننخرط بقوة في هذا الصراع ونزيد نيرانه ليلتهم المزيد منا كضحايا بالمجان، أو نقف موقف الناقد المتعقل في رؤيته لهذا الصراع وأسبابه وعلاته كي لا نتحول إلى شهود زور وحطب لجحيم الأختلاف والفرقة، فكان لنا أن ندرك وقبل هذا الوقت إن مصدر الخلاف والأختلاف تأريخي له جذوره السياسية والعنصرية وما علينا إلا أن نتجاوز هاتين المشكلتين ونرجع في منهجننا ودليلنا إلى القواعد المؤسسة الجامعة للكلمة والحريصة على مصلحة الإنسان ووجوده.
بالخلاصة النهائية أننا نجد اليوم المفتاح الأساسي في عملية أطفاء الحرائق في المجتمع الإسلامي تدور حول فكرة واحدة مفادها دع الماضي وما تركه من مفاعيل وأثار ولنعود جميعا للعقل ونحكم به ونحتكم له، فهو المخاطب دينيا وهو المسؤول الأول والأخير في تحديد ثواب وعقاب الإنسان، وبالتالي فالمهمة الأولى لنا أن نجدد لهذا الفكر العقلاني وندعو له وترك من لا يرغب ولا يريد مصرا على أنتمائته الطائفية والمذهبية في حاله ليلاقي نتائج قراره، أما من يستجيب ويعود للمنابع الأولى لأسس الإيمان والدين فسيكون في حل من أنتمائته الفئوية ويعود مسلما حنيفا على ملة إبراهيم الخليل، دون أن يخسر شيئا سوى عوامل الضعف والهوان التي عاشها الفرد المسلم طوال قرون عديدة، في صراعات ونزاعات لا تنتهي بالدم فقط حتى وصل الأمر لتكفير الضحايا ولعنهم في الدنيا وكأن الدين لا يتم ولا يشيد إلا بلعن الناس ورجمهم باسم الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل


.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت




.. #shorts - Baqarah-53


.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن




.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص