الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
طريق العودة
نادية خلوف
(Nadia Khaloof)
2018 / 3 / 16
الادب والفن
الدرب بعيد. بعيد جداً. استغرق معي عمراً.
كيف أعود؟
تمنيّت أن لا أعود.
عندما كانت تهتزّ حقيبة سفري موجوعة. لم أنظر إلى الوراء. لا أريد أن أعرف ماذا تركت، ولماذا رحلت؟
أتذكرُ حكايتنا؟
لم أكن أعرف معنى الرحيل قبل تلك الليلة. احتفظت في ذلك البيت الذي أكل من أصابعي، ومن عمري بذكريات لا أعرف إن كانت عزيزة أم لا، تركتني هناك قرب عريشة العنب، وفي كل زاوية أثر منّي، فهنا جلست إلى آلة الخياطة أحيك أشياء لا تلزم كي أقضي على عالم كامل من الفراغ،
وهناك لعبت مع ابني بالوحل وصنعنا مصطبة نجلس عليها كي نرسم ونمارس بعض حالات الجمال. لم ننجح في خلق قصّة فريدة، لكنّنا هناك.
لم نكن قد بدأنا قصّتنا بعد، وكان الشّيب يصول ويجول في عمري المبكّر ينذرني: آن الرّحيل عن الحياة، وأجيب: لم أنته من صنع المجد، ويسخر منّي القدر. يا لها من كلمة ثقيلة الوطأة! المجد، الحب، الحريّة، والوطن، كلمات مضلّلة.
لم أعد هناك، ولست هنا. أدور في متاهة، أحاول أن أصنع خيوطاً كخيوط العنكبوت فطالما أعجبتني البيوت العنكبوتية.
تلاحقني عبارة البدء من جديد.
سوف أبدأ. لا بدّ أن أبدأ، فالعمر يحتاج أن ينتشي بلحظة البدء، وأنا أبدأ الآن دون أن أكون هنا، أو هناك.
صحوت من وحدتي بعد دهر، لأكتشف ضحالة قيمي، وفسق حشمتي، ورسوخ عبوديتي.
كنت عبداً هناك، وأعجبني الأمر على مرّ الزمن. أصبحت أخلط بين معنى العبودية والحرّية. نعم العبودية تشبه اكتئابي عندما يداهمني. لا أجمل من الاكتئاب. تلتفّ على ذاتك وتحت حجّة الألم تتخلّص من المسؤوليّة، وكذلك هي العبودية. تعمل حتى الثمالة دون أن تدري أنّك تعمل.
أنظر إلى النساء اللواتي لم يخلقن للعبودية. هنّ جميلات. عندما تمشي إحداهنّ تشعر أن الأرض تباركها.
رأيت امرأة تنظر أمامها ورأسها مرفوع. أوقفتها. سألتها: كيف يمكنني أن أرفع بصري عن الأرض، وأنا دائمة الحلم بأنّني سوف أرى الكنز في حاوية قمامة. أنزلت جسدها بتواضع، وبقي رأسها مرفوعاً. ربطت رباط حذائي، مسحت على رأسي، ثم قالت لي:
لا يمكنك ذلك دون أن يكون لك مال يحفظ كرامتك.
-لكنّهم يقولون أنّ المال ليس كلّ شيء، ولا يصنع السّعادة.
-هم يبتكرون لك القصص الجميلة حول الفقر، ويبدو أنه قد أصبح من ضمن الأشياء التي تحنّين لها فتمجدينه، وتستشهدين بأمثلة لم ترينها في حياتك، تتوهمين أنك رأيتها.
-هل سوف أعود أيتها السّيدة المرفوعة الرّأس؟
-بالطّبع لا. أمثالك لا يرحلون ولا يعودون. هم في مرحلة إحماء قبل المسير الكبير الذي لن يصير.
هل سوف أعود إذن بعد هذا الحوار؟ طبعاً لن أعود. مرحلة الإحماء قبل المسير مستمرّة، وأنا لم أخرج حتى أعود. لا زلت حاضرة هناك، وأغلال العبودية ترفض أن تفارقني. بل إنني أحياناً أتناغم معها.
لن آتي، ولن أعود. أبحث عن خيوط أصنع منها بيتاً واهياً كبيت العنكبوت.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - استاذة نادية
ماجدة منصور
(
2018 / 3 / 17 - 09:37
)
المال ضروري جدا جدا لإستقلالية المرأة فكم من نساء يستحملن العبودية و الظلم و القهر لأنهن ليس لديهن ذمة مالية مستقلة عن رجالهن0
أدركت هذه الحقيقة في سن مبكر و أخذت ببناء مستقبلي و مستقبل ابنتي المالي بكل جد و مسؤولية و اخلاص0
احترامي لكل كلمة تخطها أناملك الجميلة أستاذة نادية فأنت سيدة و كاتبة جديرة بكل الحب و الإحترام0
2 - نعم المال ضروري
نادية خلوف
(
2018 / 3 / 18 - 12:49
)
تحية لك ماجدة. الكثيرات يرغبن بتحقيق دخل، والطريق مسدود، ولكن على المرأة ن تتمكن من التحدي وسوف تنجح .ا
.. شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا
.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي: صاحب الموهبة هيفرض نفسه
.. كل يوم - طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: الفنان عادل إمام موهب
.. من علب المساعدات.. فنان غزي يصنع دمى ماريونيت لإسعاد الأطفال
.. برنامج TheStage يسترجع محطات لامعة من مسيرة الممثل فادي ابرا